أغرقت مياه الصرف الصحي منذ أيام شارع المعز لدين الله الذي يعتبر وبحق أكبر متحفا إسلاميا أثريا مفتوحا؛ حيث يحمل بين ثناياه قطعا أثرية نادرة تشهد على روعة التراث الإسلامي في عهد الدولة الفاطمية، وهي شاهدة في الوقت ذاته على امتداد أيادي الإهمال لاغتيال تلك المقتنيات النفيسة التي لا تُقدر بثمن، لكن وبكل أسف لا تلقى هذه التحف الأثرية أي اهتمام من المسئولين، فهذه هي المرة الخامسة التي تتسبب فيها مياه الصرف في غرق المباني العتيقة التي باتت عرضة للانهيار في أي وقت. ورغم اعتبار هذه التحف الأثرية بقاهرة المعز المزار السياحي الأول الذي يقصده آلاف الأجانب سنويا لما يحمله هذا الحي من دلالات على الشموخ والفخامة والقوة والعراقة، إلا أن من يتجول الآن بين جنبات هذه الأحياء العتيقة، التي تحكي تاريخ الفتح الفاطمي والتي تعتبر بحق تحفة معمارية لا تضاهي في الروعة والجمال، فإنه سيحزن كثيرا لما فعله الدهر بها بعد أن تحالف مع الإهمال الذي راح يشوه الوجه الحضاري لهذه المعالم الأثرية الخالدة. "الجيوشي" أيضا يصرخ لم تقتصر هذه المخاطر التي تهدد المناطق الأثرية على شارع المعز لدين الله بل امتدت أيادي الإهمال الصارخ لتهدد باندثار جميع المباني الأثرية التي باتت عرضة للانهيار في أي لحظة، ففي جولة ميدانية لهذه المنطقة وما يجاورها اكتشفنا امتداد أيادي الإهمال لكثير من المباني الأثرية ومن بينها شارع الجيوشي الذي يضم عدة مساجد أثرية ومبانى تنتمي للعصر الفاطمي وكانت السمة الغالبة على جميع هذه المباني هو إصابتها بشروخ خطيرة تعرضها للانهيار في أي لحظة. فأغلب المباني التي تظهر فيها معالم الفن الإسلامي على أجمل ما تكون تحولت إلى أطلال تنتظر ريحًا تهب عليها لتنهار، بعد أن تحولت إلى مساكن للأشباح، وقد التقينا بالعديد من المواطنين من سكان هذا الحي والذين قالوا إنهم يعيشون في دوامة من الفزع كل ليلة انتظارا لوقوع المصير المحتوم بتهدم هذه المباني فوق رءوسهم. يقول جمال عبد الهادي:"تحولت حياتنا إلى جحيم بسبب إهمال المسئولين الذين تجاهلوا شكوانا تماما، فنحن ننتظر زلزالا أو حتى هزة أرضية وتكون النتيجة تدمير عشرات المنازل ومقتل مئات المواطنين وفقد آلاف منهم كما حدث في كارثة الدويقة حتى ينظر إلينا المسئولون بعين العطف والرعاية". ويضيف الحاج محمود، 60 سنة احد سكان الشارع: "توجهنا عشرات المرات لمحافظة القاهرة لإنقاذ هذه المنطقة الأثرية الغالية على نفوسنا وترميم المباني والمساجد التي أصابتها الشروخ الخطيرة لكن كل مرة يوعدوننا بأنهم سينظرون إلينا بعين الاعتبار لكن هذا لم يحدث حتى الآن". أما إبراهيم إمام صاحب ورشة بالشارع فيروي مأساته مع المحافظة حين تجرأ واشتكى من أن العقار الأثري الذي توجد به ورشته يميل بانحدار شديد حتى أنه يهتز إذا مرت سيارة نصف نقل بجانبه، فأول شيء أخبره المسئولون بأن التصرف الطبيعي في مثل هذه الحالات هو تشميع المنزل بمحاله وطبعا سيحرم هو من مصدر أكل عيشه بدون إيجاد محل آخر، وهنا فضل مقابلة مصيره المحتوم له عن أن ينضم لطابور العاطلين. أما مصطفى النعماني فيكشف عن واقعة غريبة، فخلال أداء صلاة الجمعة قبل الماضية بأحد المساجد التي أصابتها الشروخ، وخلال لحظة الركوع صدر صوت من الجدران أشبه بالانفجار فأصيب المصلون بالهلع وقاموا بالتسليم وهربوا إلى الشارع، وبعد أكثر من ساعة من اتصالهم بالنجدة حضرت سيارة دورية راكبة وأخذ الضابط أقوالهم واتصل بمسئولي المحافظة فطلبوا منه تعيين حراسة على الجامع حتى لا يدخله أحد. المدهش أنه بعد مرور ساعتين فقط انصرفت الحراسة وتركوا الجامع على ما هو عليه ومازال مهددا بالسقوط فوق رءوس المصلين. يقول النعماني: "نقرأ التشهد على أرواحنا قبل الولوج للمسجد لكننا لا نترك أبناءنا يصلون فيه خوفا على حياتهم". متحف أثري مفتوح تعتبر هذه المنطقة الأثرية الطريق الرئيسي الذي أنشأه الفاطميون للمرور لمدينة القاهرة القديمة وقد سمي قبل ذلك بشارع بين القصرين، وهو الشارع الذي كانت تمر من خلاله مواكب الاحتفالات بالمحمل وكسوة الكعبة، والشارع بالفعل متحف مفتوح إذ يضم مجموعة نادرة من المباني التي تشهد على روعة الحضارة الإسلامية ويضم العديد من المقار الأثرية الحربية والدينية والتعليمية. يقع شارع المعز لدين الله في حي الأزهر بالقاهرة الفاطمية، وإضافة إلى أنه مزار أثري وسياحي فأنه يُعد سوقا تجاريا يتردد عليه مئات الآلاف يوميا؛ ويمتد شارع المعز لدين الله الفاطمي من باب الفتوح مروراً بمنطقة النحاسين، ثم خان الخليلي، فمنطقة الصاغة ثم يقطعه شارع جوهر القائد "الموسكي"، ثم يقطعه شارع الأزهر مروراً بمنطقة الغورية والفحامين، ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويلة. كما يعتبر شارع المعز عصب مدينة القاهرة منذ نشأتها حيث يضم كوكبة من أجمل الآثار الإسلامية بالعالم يصل عددها إلى 29 أثرًا، وتنفرد تلك الآثار برونق خاص من حيث جمال ودقة وتنوع وضخامة العمارة والزخرفة، وتتميز ليس فقط بمساجدها الشامخة، بل تضم أيضا مدارس ومدافن و"بيمارستانات" أي مستشفيات وأسبلة وكتاتيب وقصوراً. ومن بين تلك الآثار ما يرجع إلى العصر الفاطمي ومنها ما يرجع إلى العصر الأيوبي والعصر المملوكي، علاوة على ذلك يضم الشارع آثارًا من العصر الشركسي والعصر العثماني ثم عصر محمد علي وهي آثار تزخر بالروحانيات والجمال الذي يشهد بروعة الفنان المعماري المصري المسلم. ويحوي شارع المعز مجموعة نادرة من التحف الأثرية الإسلامية ومن بينها بوابة الفتوح وسور البلد ومسجد الحاكم بأمر الله وزاوية أبو الخير الكليبانى ومسجد سليمان أغا السلحدار وجامع السلطان الأقمر والدرب الأصفر وسبيل وكتاب عبد الرحمن كتخدا وقصر الأمير بشتاك ومدرسة ومسجد السلطان الكامل وحمام أنيال وسبيل محمد على بالنحاسين ومسجد السلطان برقوق ومسجد الناصر محمد وقبة ومدرسة قلاوون وبقايا مدرسة الظاهر بيبرس وبقايا مدرسة الصالح نجم الدين وسبيل وكتاب خسرو باشا ومسجد وسبيل علي المطهر ومسجد الإشراف برسباى وكذلك منطقة بيت القاضي بما فيها من آثار مثل قاعة محب الدين ومقعد ماماى السيفي وبوابة القاضي