"يا باشا مش معقول.. ده اللي اتسرقت عهدتي ..عاوز أعمل بلاغ أبوس إيدك ، عربيتي اتسرقت مش عارفة اعمل إيه ؟ .. أنا كنت نازلة اشتري حجر للساعة انتوا عايزين ايه ؟ .. لو سمحت في حد بيهددني بالقتل" .. هكذا رأيت الناس تتوسل إلى الظابط النوبتجي وأمناء الشرطة في قسم العجوزة كي يحرروا بلاغاتهم ليقابلوا توسلاتهم بمنتهى الهدوء أحيانا وبتعمد تعطيلها أحياناً أخرى . لم أذهب إلى القسم لأقضى وقت فراغي في حماية الشرطة التي نفتقدها في الشوارع، وإنما لتقديم بلاغ بسرقة"لاب توب"، ففي حي المهندسين الراقي وتحديداً ميدان لبنان ، طريق عودتي من العمل، هاجمني شخصان أحدهما يقود دراجة بخارية والآخر يركب خلفه .. لم أشعر بنفسي إلا وأنا أصرخ " حرامي .. حرامي " وأركض خلفهما مسرعة بعد أن خطفا ال"لاب توب"، والمثير للدهشة أن السرقة تمت على مرأى ومسمع من رجال الشرطة الواقفين أمام بنك شهير هناك وأفراد لجنة المرور بالميدان، والذين تركوا السارقين يفرون دون أن يحركوا ساكنا . طناش مع سبق الاصرار لم يلتفت عساكر الشرطة ولا المارة إلى صراخي، اللهم إلا شابين حاولا اللحاق بالصوص ولم يفلحا فتوجهت إلى نقطة شرطة المهندسين لتحرير محضر بالسرقة . وبعد وصولي أستطيع أن أنبهك أنه إذا قادك قدرك السيء إلى نقطة المهندسين تستطيع الجزم بأنهم خدوعك فقالوا إن معاملة الشرطة تغيرت أو فقدت هيبتها، فما رأيت هناك إلا كل عجرفة من ضباط أو أمناء شرطة يرتدون ملابس ملكية، وبعد تحقيق طويل حاولوا إقناعي بأنه لا داعي للبلاغ لأنه في رأيهم لن يحل المشكلة وأخبروني بالبلدي "ربنا يعوض عليكي" وعندما أخبرتهم بأنني صحفية مصرة على تحرير محضر – لعلهم يقوموا بعمل الإجراءات اللازمة – أحالوني إلى قسم العجوزة دون تبرير لموقفهم المتخاذل. وفي القسم كانت هناك حالة واضحة من الارتباك.. فأحد الأمناء يخبر ملازم ثان بأن أحد أفراد القسم ارتكب مصيبة في مستشفى العجوزة وأنهم في ورطة .. أما الضابط النوبتجي فلم يدر كيف يتصرف عندما دخلت إليه إحدى المختلات عقليا وطلبت أن تعود لمنزلها الذي لا تعرف عنه سوى أنها تسكن في مدينة السادات .. أما أنا فقد تولى أمين شرطة تحرير محضر بسرقتي، وحرص بين الحين والآخر أن "يشخط في بشراسة" لعلي أخاف وأتراجع عن تحرير المحضر، فما كان مني إلا أن زاد إصرارى على مشاهدة "المسجلين" لأنني رأيت السارق وهناك فرصة كبيرة أن أتعرف عليه، ولكن محرر المحضر التزم الصمت فتوجهت إلى الضابط بطلبي فأحضروا الصور لي على مضض. وبمجرد أن وقعت عيناي على صور المسجلين أيقنت أن اللاب في خبر كان، فالصور قديمة جدا وأصحابها لا تقل أعمارهم عن 50 أو 70 عاماً..! عندها توجهت إلى الضابط قائلة: "يا حضرة الضابظ .. الصور دي بتقول انكم متعرفوش شكل المجرمين في الشارع دلوقت إيه؟! دي لناس مقبوض عليها من 60 سنة وزمانهم شبعوا موت .." بلاوي الناس طلب مني أمين الشرطة أن استكمل المحضر في الصباح لأرفق معه رقم تسلسل اللاب توب، فكان الصباح أكثر قسوة من المساء، فأكم من مسروقين يخبطون رؤوسهم في حوائط القسم يطلبون النجدة وتحري المباحث دون مجيب.. فهذا موظف حكومي يستغيث ويطلب المباحث لمعاينة سرقة عهدته، ويريد أن يتقدم ببلاغ ولكنه لم يتلق رداً إلا بانشغال المباحث في جريمة أخري، فبدأ في إجراء اتصالات بمحاميين ومعارف من هنا وهناك ولكن حتى الوساطة لم تدفعهم للتحرك. ووسط الزحام تعالت توسلات امرأة أربعينية ،بدا من مظهرها وانزعاجها الشديد أنها من الطبقة الكادحة، تطلب أن تحرر محضراً بسرقة التاكسي الذي تصرف من إيراده على أولادها اليتامي، فرد عليها أمين الشرطة : "هاتي ورقة بيانات للعربية" فقالت له: طيب شوف الأوراق دي فقال: قلت ملهاش لازمة.. روحي هاتيها وتعالي فانصرفت حزينة وهي غارقة في دموعها. وسط حوادث السرقة التي لا حصر لها، وانشغال المباحث وأمناء الشرطة والضباط، دخل شاب طويل يستنجد بالضابط الرئيسي المسئول عن تحرير المحاضر، وقال له بصوت مرتعش : لو سمحت انا عاوز أقدم بلاغ ضد واحد بيهددني الضابط: بيهددك بإيه ان شاء الله؟ الشاكي: بيهددني بالقتل وبيبتزني .. والدي مستشار وتوفى من 20 يوم والراجل ده بيقول ان والدي واخد منه 60 ألف جنيه عشان يزور له في حكم قضيته، وبيطالبني أرجع له الفلوس وأنا معرفش حاجة عن الموضوع ده .. عمال يتصل ويبعت لي في رسايل وانا بجد خايف فرد الضابط في لا مبالاة: طيب امشي على طول أول مكتب شمال ادخل للعلاقات العامة وقول اللي انت حكيته ده..! وشهد شاهد بعد طول انتظار نادى علي أمين الشرطة لاستكمال المحضر، وإرفاق رقم التسلسل ل"اللاب توب"، فتجاذبت أطراف الحديث مع أمين الشرطة قائلة: هو في أمل ولا خلاص كل سنة وأنا طيبة ؟ رد قائلا: كل سنة وانت طيبة، خلاص التتبع عن طريق رقم التسلسل بيبقى شهر واحد بس في النيابة، والحرامية عارفين كده وكتير منهم مبيفتحوش الجهاز غير بعد شهر .. بس ممكن تكوني انت أذكى وتعملي التتبع كمان أسبوعين.. يا عالِم يمكن تضرب معاكي ويرجع لك فقلت له: أمل فين المباحث والأخبار اللي بننشرها لكم في الجرايد.. ألقت الشرطة القبض على فلان، وتحركت المباحث على الفور، وأصدر اللوا فلان تعليماته. فقال: مبيحصلش فرديت: آه يعني بتقبضوا عليهم بالصدفة ولا إيه بالضبط؟ فهز رأسه موافقاً..!