عشرات الأسر فى الشارع منذ عام ونصف العام.. والمسئولون فى خبر كان «رجب» أودع شقيقاته المقابر.. سلوى وبناتها ينمن مع الكلاب فاطمة تنتظر الموت كل لحظة وتحلم بمكان تدفن فيه رئيس الحى: لا يستحقون ويتحايلون للحصول على وحدات سكنية دون وجه حق منازلهم كانت مصنوعة من حجارة، ولكنها كانت أرحم بهم من قلوب أشد قسوة من الحجارة، كانت الثعابين تطاردهم بلدغاتها، ولكنهم كانوا يعرفون عدوهم، أما الآن فبعد هدم منازلهم فى تل العقارب، فهم يعيشون فى الشارع بلا مأوى، عام ونصف العام قضته عشرات الأسر فى الشارع بحثاً عن مسئول يستمع لشكواهم، إلا أن آذان المسئولين صمت عن الاستماع لأسر فقيرة لا تمتلك إلا أنينها ودموعها، توجهوا مراراً وتكراراً للمحافظة والحى يطالبون بحقهم فى الحصول على وحدات مثل جيرانهم الذين حصلوا على وحدات مؤقتة بأكتوبر، إلا أنهم فوجئوا بأنهم غير مستحقين، رغم أن كل أسرة منهم تحمل معها ملفا يؤكد أنهم من سكان المنطقة منذ سنوات عديدة، مشهد خيامهم المتناثرة فى الشارع أمام المساكن الجديدة التى تبنيها الحكومة مكان منازلهم التى تمت إزالتها، مشهد يندى له جبين كل مسئول فى الدولة وسيسأل يوماً عن حال هؤلاء المساكين الذين تركوهم فى الشارع بلا مأوى. نساء، أطفال، عجائز، وشابات فى عمر الزهور يعيشون جميعاً فى خيام من خيش لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، منذ ما يقرب من عام ونصف العام تم هدم منازلهم فى إطار تطوير منطقة تل العقارب بالسيدة زينب بالقاهرة، وفى حين تم نقل عدد كبير من السكان على سبيل الاستضافة لمدينة 6 أكتوبر، فوجئ عدد من الأسر أن أسماءهم لم تدرج فى الحصر، فما كان منهم إلا أن أقاموا خياما فى الشارع وبقوا فيها حتى ينظر لهم المسئولون بعين العطف، إلا أن عين المسئولين لا ترى الفقراء ولا تسمع شكواهم، لذلك تزداد معاناتهم كل يوم. سلوى صلاح، سيدة معاقة، لا تعرف لها سكناً سوى هذه المنطقة منذ مولدها، عاشت فيها مع أسرتها وبعد انفصالها عن زوجها، عادت إليها مرة أخرى مع ابنتيها لتعيش فى منزل الأسرة مع شقيقتها، مضت بهم الأيام حتى جاء قرار الهدم ليفاجأوا بأنهم خارج الحصر، تقول سلوى: فوجئنا بالقوة الجبرية تقوم بهدم العقار الذى كنا نعيش فيه، طردونا فى الشارع بدون أن يكون لنا مأوى، فلم نجد أمامنا سوى إقامة خيام وضعنا فيها ما تبقى من أثاثنا وعشنا فيها، وأضافت: سنة ونصف السنة كاملة، ونحن نرى العذاب بأعيننا كل يوم، لا سقف يقينا حرارة الشمس الملتهبة، ولا برد وأمطار الشتاء حتى تلفت أمتعتنا القليلة، مشيرة إلى أنها تعيش فى هذه الخيمة وشقيقتها وابنتاها وأضافت: أخاف على بناتى من نوم الشارع، ففى النهار نخرج لقضاء حاجتنا فى المسجد، أما فى الليل فنقضيها فى جردل خوفاً من الخروج للشارع، وانسالت دمعة على خدها وهى تقول «بقينا ننام مع الكلاب، فالخيمة بلا باب وفى الليل تدخل علينا الكلاب وتنام معا فى نفس الفراش، يرضى مين ده؟» وأكدت أنها بالإضافة لإعاقتها الواضحة فهى مريضة بتآكل فى خلايا المخ وتخاف على نفسها من الموت فى أى لحظة وترك بناتها فى الشارع. والتقطت أختها شادية صلاح أطراف الحديث قائلة: هل يقبل أحد من المسئولين أن يعيش مثل هذه الحياة، الأول كنا ننام فى بيت مقفول علينا حتى لو كانت الحشرات والثعابين تتسلل إلينا، إلا أننا كنا مستورين، أما الآن فننام فى الشارع ولا أحد يسأل عنا، وأضافت: البيت الذى عشنا فيه طول عمرنا تم هدمه ولم يتم تعويضنا أو منحنا شققا بديلة رغم أن بطاقاتنا على هذا العنوان. رجب جمال رفاعى شاب فى العشرينيات من عمره، ترعرع فى نفس المنطقة التى جاءها وهو طفل صغير، عاش فيها مع والدته نادية أحمد يوسف وشقيقتيه بموجب عقد ايجار بالوحدة التى كانوا يقيمون فيها يرجع تاريخه لعام 2003، ويعمل فى ورشة رخام فى نفس المنطقة، فوجئ رجب وأسرته بإزالة العقار الذى كانوا يقيمون فيه، ورغم أنه تم منح السكان وحدات بديلة فى 6 أكتوبر، إلا أن أسرته لم تحصل على شىء، يقول: توجهت للحى والمحافظة بحثاً عن حقنا فى الشقة فقالوا لى: إن التعويض للملاك فقط أما المستأجرون فليس لهم حقوق، خشيت على والدتى وشقيقتىّ من نوم الشارع فأجرت لهم حوش فى المقابر إلى أن نجد مخرجاً، وتساءل: ماذا نفعل ونحن غلابة ليس لنا صوت والمسئولون لا يعرفون إلا أصحاب الصوت العالى؟ يذكر أن منطقة تل العقارب كانت واحدة من أخطر مناطق القاهرة التى أصدر لها الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة قرار إزالة قبل ثلاث سنوات لخطورتها على المقيمين فيها، وتم تنفيذ القرار فى شهر مايو من العام الماضى، ووقتها أكد المهندس عاطف عبدالحميد محافظ القاهرة أن الحصر بين أن عدد الأسر التى تستحق الحصول على وحدات سكنية بنفس المنطقة عددها 500 أسرة، من إجمالى عدد الأسر الموجودة، حيث تم إزالة 190 منزلاً من أصل 240 منزلاً، مشيراً إلى أن أجهزة حى السيدة زينب استغرقت فترة طويلة فى أعمال الحصر للتأكد من الشكاوى التى تقدم بها البعض لإثبات أحقيتهم فى الحصول على وحدات سكنية بالمنطقة. إلا أن السيد محمود رضوان أحد المقيمين فى الخيام، يرى أنه كان ضحية المرشد الذى اصطحب موظفى الحى أثناء الحصر، والذى لم يراع الدقة وراح يخلص حساباته القديمة مع السكان، فقد أبلغ المسئولين أنى مقيم بعين الصيرة رغم أن هذا مخالف للحقيقة، فابنى هو المقيم هناك بعد زواجه، أما أنا فمنذ أكثر من 50 عاماً وأنا أقيم فى 13 حارة الشناوى بتل العقارب، ومعى كل المستندات التى تثبت ذلك مثل عقد الإيجار وإيصال الكهرباء والرقم القومى وشهادات ميلاد أبنائى، وكلها على نفس العنوان، ورغم تقديم كل هذه الإثباتات إلا أن موظفى الحى أخذوا بكلام المرشد ولم يعتدوا بها، وأضاف: توجهت للنائب العام وأحضرت شهادة من الكهرباء بأنى متعاقد معهم منذ عام 2002 حتى تمت إزالة العقار عام 2016، وتم عمل إثبات حالة بأنى مقيم فى الشارع ولكن المسئولين لم يهتموا بى ولا بحالى، وتساءل: هل هذه هى مكافأة نهاية العمر أموت فى الشارع وأنا عجوز ليس لى مأوى؟ أما فاطمة محمد فهى مأساة تعيش على الأرض، سيدة وحيدة لا ولد ولا سند كانت تعيش فى حجرة بالمنطقة دون عقد إيجار، مرضها منعها من العمل فكانت تعيش على حسنات أهل الخير، فجأة تم تنفيذ قرار الإزالة لتجد نفسها فى الشارع، ليس لها أبناء ولا زوج ولا دخل، داخل خيمة مليئة بقصاقيص الأقمشة، خالية من كل شىء آخر التقينا بها، سقف الغرفة القماشى لم يمنع عنها الحر الشديد ولا لسعة الشمس الملتهبة، بالكاد ردت على بعض تساؤلاتنا: «أنا فى الشارع من أكثر من سنة، لا عندى ابن أروح عنده ولا لى حد فى الدنيا، كنت عايشة فى حجرة صغيرة طردوني منها لم أجد بعدها إلا الشارع» وأضافت: «أنا أنتظر الموت كل لحظة، يمكن يكون أرحم من الحياة لكن خايفة ملاقيش مكان أدفن فيه». فاطمة حالة إنسانية فى المقام الأول، فحتى لو لم يوجد معها أى سند قانونى يثبت إقامتها فى المنطقة، ولكنها أولاً وأخيراً مواطنة مصرية فقيرة مسنة ضعيفة وحيدة تحتاج إلى المساعدة، فهل يتحرك أحد من المسئولين لإنقاذها قبل الموت فى الشارع؟ «الوفد» سألت رئيس حى السيدة زينب المهندس حسام رأفت عن وضع هذه الأسر التى تفترش الشارع فقال: إن هؤلاء يتحايلون للحصول على شقق، فقد تم عمل 4 لجان حصر أعوام 2008 و2012 و2014 و2015 وتم حصر جميع السكان المستحقين للوحدات، وتظلمت حوالى 60 أسرة من قرارات الحصر وتم عمل لجنة تضمنت 12 جهة من المحافظة وبحوث الاسكان ومباحث قسم السيدة زينب والكهرباء لدراسة حالة المتظلمين، فثبتت أحقية 25 أسرة منهم، وتم تعويضهم بوحدات بديلة، أما الأسر التى ما زالت مقيمة فى الشارع، فهم يتحايلون للحصول على وحدات لا يستحقونها، بل إن منهم من تبين أنهم سجلوا عقودا فى الشهر العقارى عام 2016 ليثبتوا أحقيتهم للحصول على وحدات، وأضاف: لقد مررت عليهم الساعة 2 صباحاً، فلم أجد أى أسرة تقيم فى العشش، فجميعهم لديهم سكن فى الخارج ويريدون الحصول على وحدات بدون وجه حق. وأكد أن المتواجدين فى الأسر لا يزيد عددهم على 5 أسر يقيمون فى 5 عشش بالمنطقة، وليس لهم الحق فى الحصول على وحدات بديلة، مشيراً إلى أن هناك أشخاصا كانوا مولودين فى المنطقة ولديهم أوراق تثبت ذلك، وتزوجوا وأقاموا فى مساكن أخرى ثم عادوا ليحصلوا على وحدات فى المنطقة فهل هذا جائز؟