البيروقراطية أصبحت عنوانا للكثير من المؤسسات والوزارات الحكومية فى بلادنا، الأمر الذى أدى إلى تدهور الأداء وعرقلة عجلة الإنتاج وإهدار المليارات على أعتاب جبال الروتين والمحسوبية فى أجهزة ومؤسسات الدولة، خاصة فى المحليات والوزارات الأخرى الخدمية. الكارثة التى امتدت إلى جذور المجتمع المصرى من سنوات طويلة حالت دون النهوض واللحاق بركب التطور والتقدم وإحداث نهضة اقتصادية فى شتى المجالات، الأمر الذى يحتاج إلى ثورة تشريعية وتنفيذية بهدف تغيير القوانين العقيمة من ناحية، وإزالة المعوقات والاستبدال بها تيسيرات وحوافز لتشجيع المستثمرين، خاصة الشباب لإقامة المشروعات التجارية الصغيرة والمحلات التى أصبح ترخيصها حلما يصعب تنفيذه على أرض الواقع. الكارثة أن 95٪ من المحلات بأنحاء الجمهورية غير مرخص بسبب غياب الدور الرقابى للمحليات، الأمر الذى يهدر على الدولة 500 مليار جنيه سنويا!! وهذا ما دفع الدكتور محمد عطية الفيومى عضو مجلس النواب لتقديم مشروع قانون للمحلات يهدف إلى زيادة الاستثمارات من خلال تبسيط الإجراءات وسهولة الترخيص، إلا أن المشروع الذى قدم فى نوفمبر الماضى لرئيس المجلس تاه فى أروقة البرلمان، ولم يحوَّل إلى اللجنة المختصة! وقد كشف الدكتور حمدى عرفة، خبير الإدارة المحلية، أن أكثر من 95%، من المشروعات الصغيرة والمحلات غير مرخصة فى المحافظات، ما يكبد الدولة خسارة كبيرة تقدر ب500 مليار جنيه سنويا. وأوضح أن تراخيص المحال تحتاج إلى سنوات طويلة، ما فتح الباب أمام الجميع للعمل دون تراخيص، وإمكانية تغيير النشاط، أو المنشأة، خلال فترة زمنية صغيرة، فى ظل أن هناك العديد من الشقق السكنية الموجودة فى الطوابق الأرضية، ويتم تحويلها إلى محال تجارية، دون تراخيص فى ظل غياب دور المحليات داخل الأحياء. وأكد «عرفة» أن تحديد القيمة الإيجارية بين المالك، والمستأجر، التى أصبحت مفتوحة دون معايير سوى العرض، والطلب؛ جعلت الغالبية العظمى من المنشآت تعمل من أجل تحقيق أكبر هامش ربح، بغض النظر عن ملاءمة تلك الأنشطة للمعايير القانونية، وسط تجاهل الأحياء، والمحليات؛ حتى أصبح من الصعوبة بمكان، وجود منشأة تتوفر فيها الشروط المطلوبة، لاستخراج التراخيص. وقال الدكتور صلاح الدين فهمى، الخبير الاقتصادى، إن مشكله تراخيص المحلات التجارية والصناعية تعد أحد أهم العناصر التى تحصل فيها مصر على تصنيف متأخر من المؤسسات الدولية وتعد عنصرًا طاردًا للاستثمار، مطالبًا بوضع الحلول اللازمة لمواجهة هذه المشكلات والآليات اللازمة لإنهاء التراخيص فى وقت مناسب. وأكد أن أكثر من 90% من الأنشطة القائمة فى مصر تعمل بتراخيص مؤقتة لصعوبة الحصول على تراخيص دائمة نتيجة البيروقراطية، علما أن هذه المحلات تعمل مدة طويلة فى السوق المصرى، وفى السياق ذاته لفت الى أن صعوبة الحصول على تراخيص ممارسة التجارة أو حتى مزاولتها ساهمت فى تنامى التجارة العشوائية فى السنوات الماضية، حيث تفقد الغرف التجارية ملايين الجنيهات. وأوضح أن الاقتصاد يعانى أزمة خطيرة، تتمثل فى أن الكثير من المنشآت الاقتصادية، غير مرخصة، وتندرج ضمن الأنشطة غير الرسمية، التى لا تحكمها عقود، أو تحمل ملفا ضريبيا، أو سجلا تجاريا، كما أنها مجهولة بالنسبة إلى الدولة، التى لا تملك أى معلومات عن طبيعة أنشطتها، ما يجعل من المستحيل تحديد مدى مساهمة تلك الأنشطة فى إجمالى الدخل القومى. هذه المشكلات دفعت الدكتور محمد عطية الفيومى، عضو مجلس النواب عن حزب الحرية بدائرة طوخ وقها فى محافظة القليوبية وعضو لجنة الإدارة المحلية، إلى تقديم مشروع قانون جديد للمحلات، يهدف إلى زيادة الاستثمارات من خلال تبسيط الإجراءات وسهولة الترخيص. كما أيدت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، مشروع قانون المحال العامة والتجارية، الذى يتضمن توحيد جهة منح التراخيص، لحل أزمة المحال المخالفة سواء كانت كافيهات أو مقاهى أو محالًا تجارية وصناعية، مؤكدة ضرورة القضاء على البيروقراطية والروتين فى استخراج التراخيص التى تتسبب فى استغراق فترة طويلة وتعطل مصالح المواطنين، وتجعلهم يلجأون للرشاوى والمخالفات. ويقول النائب محمد عطية الفيومى: إن هذا المشروع يهدف إلى تبسيط الإجراءات وشفافيتها وتشجيع الكثيرين على توفيق أوضاعهم واستخراج التراخيص اللازمة لممارسة نشاطهم وتحويل القطاع غير الرسمى إلى قطاع رسمى. وأكد أن القانون يُعد من القوانين التى تشجع الاستثمار وتحسن بيئة الأعمال وتهدف لخلق شفافية فى التعامل الاقتصادى وصولا إلى نمو اقتصادى نحن أحوج ما نكون إليه، بالإضافة إلى أن إصدار تشريع جديد يواكب التطورات الهائلة التى حدثت خلال ستين عاما منذ إصدار القانون للمرة الأولى. وأوضح أن مشروع قانون المحلات يتكون من 41 مادة ويتضمن إجراءات جديدة للترخيص، بالإضافة إلى أنه يدمج الأنشطة فى قانون واحد يشمل المحلات بأنواعها المختلفة صناعية أو تجارية أو خدمية، ويشمل العديد من الاشتراطات الجديدة التى تنظم تراخيص المحلات، منها أنه لا يجوز فتح محال عامة إلا فى الشوارع والأحياء ولا يجوز لعب القمار أو مزاولة الألعاب الخطرة، وكذلك فإن الترخيص مواعيد الفتح والغلق. وأكد أنه قدم المشروع لرئيس المجلس الدكتور على عبدالعال، ويحمل توقيع أكثر من 60 نائبا من أجل تحويله مباشرة إلى اللجنة المختصة، وهى «الإدارة المحلية» خاصة أن تراخيص المحلات من الملفات التى فتحتها اللجنة خلال دور الانعقاد الأول، وإذا تم تحويله إلى اللجنة من قبل الأمانة العامة للبرلمان سوف يتم تحويله إلى اللجنة، ولا أجد أى صعوبة فى مناقشتها بجانب قوانين الإدارة المحلية التى تناقشها اللجنة فى الوقت الحالى. ورأى أنه قدم اقتراحه من أجل تعديل قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 وقانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 يحمل توقيع أكثر من 60 نائبا، من أجل تحقيق العدالة الناجزة فى ظل المادة 96 من الدستور تنص على أن القانون ينظم الاستئناف فى الأحكام الصادرة فى الجنايات، وكذلك المادة 97 من الدستور بأن تعمل الدولة على سرعة الفصل فى القضايا. البيروقراطية تصل للبرلمان وكشف الدكتور محمد عطية الفيومى أن مشروع قانون المحال العامة، الذى قدمه لرئيس المجلس منذ شهر نوفمبر الماضى، لا يعلم مصيره حتى الآن، ولماذا لم يتم تحويله إلى اللجنة المختصة رغم أن لجنة الإدارة المحلية انتهت من مناقشة مواد قانون المحليات الجديد. وقال النائب ممدوح الحسينى، وكيل لجنة الإدارة المحلية، إن توحيد جهة منح تراخيص المحال التجارية والعامة الصناعية أمر ضرورى حتى لا يلجأ المواطن إلى باب خلفى وهو الرشاوى ما يمهد لانتشار الفساد بشكل أكبر، موضحا أن توحيد جهة منح تراخيص المحال العامة والتجارية والصناعية يأتى فى إطار نظام الشباك الواحد، والهدف من تجميع جميع جهات إصدار التراخيص فى مكان واحد لسرعة الإنجاز وعدم التمسك بالروتين القاتل المضيع للوقت ويعرقل إصدار الرخص لوقت طويل، وهذه العرقلة تعرقل مشروعات الاستثمار والتنمية فى مصر. وأكد أن اللجنة تتبنى ملف تراخيص المحال العامة، وترحيبها بمشروع ترخيص المحال، يأتى لتوحيد جهة إصدار التراخيص الخاصة بالمحال ومنها الكافيهات والمقاهى والمحال التجارية والصناعية وغيرها، لمنع تعدد الجهات المانحة للترخيص وتيسير إجراءاته للقضاء على المخالفات. وتابع بأن هناك احتياجًا للمواطن يجب أن يتحقق، وحل هذه المشكلة يكون من خلال تبسيط إجراءات إصدار التراخيص، قائلا: «الناس مبتعرفش تاخد رخص فبتخالف، ولا أستطيع كدولة أن أعين ضابطا لكل مواطن، المحليات لا تدار بهذه الشاكلة ولكن تدار بإجراءات بسيطة وخدمات متوفرة تتناسب مع حجم وكم احتياجات المواطنين، ولذلك لا يصح أن تكون العلاقة بين المواطن والدولة هى أن المخالفات الأصل والتراخيص هى الاستثناء، وألا يكون المواطن محل اتهام ومخالفة دائما، وألا تكون المخالفات هى الأصل والتراخيص هى الاستثناء». وأوضح أن تشديد العقوبة فى حالة وجود ترهل إدارى يكون المقابل له زيادة فيزيتة الفساد والرشاوى، لذلك توحيد جهة التراخيص وتبسيط الإجراءات الحل الأمثل لإعادة ضبط ايقاع المحال العامة وترخيصها ودمجها فى الاقتصاد الرسمى للدولة، فالمحال المخالفة لا تحصل منها رسوم التراخيص ولا تدفع الضرائب» ومن جانبها طالبت النائبة ثريا الشيخ، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان المصري، بتقنين أوضاع تلك المحلات وتنظيمها، بدلا من إغلاقها، مضيفة أن إغلاق تلك المحلات فى الوقت الحالى سوف تكون له آثار سلبية ضخمة على الاقتصاد المصرى، فى ظل الظروف الحالية، متسائلة عن مصير الآلاف من عمال تلك المحلات فى ظل معاناة الدولة من ارتفاع فى نسبة البطالة. وأكدت ان صعوبة الحصول على تراخيص ممارسة التجارة أو مزاولتها ساهمت فى تنامى التجارة العشوائية فى السنوات الماضية حيث تفقد الغرف التجارية ملايين الجنيهات نتيجة عدم انضمام الباعة «الجائلين» الى الاقتصاد الرسمى نتيجة البيروقراطية وتعدد الجهات الرقابية ومنهم «باعة الصحف والمجلات فى الطرق والاماكن العامة- باعة الزهور والمنتجات الورقية- باعة الملابس الجاهزة والمنتجات الصناعية- باعة الفاكهة والخضراوات- باعة الأغذية والمشروبات- ماسح الأحذية- سنان الأسلحة- منادى السيارات- فنيون فى صيانة وإصلاح الأجهزة الكهربائية والمنزلية والسباكة- المصورون ومكاتب الاتصالات الخاصة «السنترالات الخاصة»- مكاتب ومحال تجميع وبيع وصيانة أجهزة الحاسب الآلى مكاتب نشر وطباعة وكتابة الرسائل العلمية وإعداد البرامج الخاصة بالكمبيوتر وكذلك محال بيع وتركيب وصيانة أجهزة استقبال القنوات الفضائية، مكاتب ووكلاء القنوات الفضائية، ومقاهى الإنترنت ومكاتب تقديم الاستشارات القانونية والمحاسبية ودراسات الجدوى ونقاط وفرز وتعبئة الخضراوات والفاكهة فى مواسم إنتاجها وتصديرها ومراكز التعليم وإكساب المهارات والتدريب مراكز بيع المصنوعات المستوردة التى تستخدم أشخاصًا كمندوبين للمبيعات «متجولين»، وأماكن صنع عجائن الطماطم والعصائر وزيت الزيتون وصناعات الحلوى والجاتوهات والزبادى داخل المنازل «الأسر المنتجة» ومحال ومراكز خدمات ما بعد البيع والصيانة المتنقلة ووسائل النقل الجماعى وتنظيم الرحلات الداخلية، إضافة إلى أعمال الدعاية والإعلانات المحلية ووسائل النقل البسيطة مثل «التوكتوك» وميكانيكى وسمكرى وسروجى السيارات الجائلين.