الجميع فى حالة استعداد لهذا اليوم، الثوار يؤكدون أن ما بدأوه العام الماضى لابد أن يكتمل، خاصة أن أهداف ثورة يناير التى سقط من أجلها مئات الشهداء وآلاف المصابين، لم تتحقق حتى الآن، بل انحرفت عن المسار، ودخلت فى منعطفات ودهاليز تعود بنا الى زمن المخلوع وكأن شيئا لم يكن، فأركان النظام السابق لاتزال تحتل مواقعها، بل إنها ازدادت ضراوة، وقسوة كوحش جريح يحارب معركته الأخيرة أما من أصبحت مقاليد الأمور فى أيديهم، ومنحتهم الثورة شرف حمايتها، ولكن قلة الخبرة السياسية «حانمشيها قلة الخبرة» وبلاش التواطؤ، والتخطيط لإجهاض الثورة، وتصفية عناصرها، ومؤيديها، فهؤلاء يتجاهلون أن للثورة أهدافاً لم تتحقق، وأن النداء الشعبى المتفق عليه من كافة الاتجاهات، أصبح يطالب بعودة العسكر الى ثكناتهم وتسليم السلطة فى أقرب وقت، ومع ذلك فإن المجلس العسكرى، يتجاهل كل هذه النداءات والمطالب الشعبية وينكر أن ما يحدث هو موجة غضب عارمة لن تهدأ إلا بخروجه من المشهد السياسى، وقرر من باب «الغلوشة» أن يحول ذكرى ثورة يناير إلى احتفالات وكرنفالات، لم تحدث من قبل ولا حتى فى انتصارات أكتوبر!! وسمعنا من اللواء إسماعيل عتمان، خططاً وإعداداً لحفل كبير يقام فى الاستاد، يقدم فيه حفل يتضمن استعراضات وغناء وطنيًا، والمفاجأة الكبيرة أن بعض أغانى الحفل من تأليف سيادة اللواء بذات نفسه! هذا غير «افتكاسة»، طائرات الهليوكوبتر التى تحلق فى سماء القاهرة، لترمى على الجماهير أوراقاً ملونة لزوم الإبهار، وكوبونات تسمح لصاحب النصيب بالحصول على جوائز من إنتاج المصانع الحربية، قد تكون طقم حلل تيفال «ما بتلزقش»، أو طواجن أو بوتاجاز مسطح أو سخان ديجيتال، أو مروحة أربعة ريشة! وهى جوائز تنافس جوائز «بمبم»، ومسحوق الغسيل «برسيل»، ويتصور القائمون على هذا الاحتفال أن الناس سوف تستقبل هذه الهدايا بالزغاريد والهتاف بحياة أعضاء المجلس العسكرى، وأن هذا سوف ينسيهم أو يلهيهم عن فكرة القصاص للشهداء والمصابين، والسجناء من أصحاب الرأى، والناشطين السياسيين، الذين زج بهم فى غياهب السجن الحربى، حتى يكونوا عبرة لغيرهم! فلا يجرؤ غيرهم على الخروج فى ثورة على الفساد مرة أخرى! أما الفريق الثالث وهو غير «الطرف الثالث»، الذى يقوم بكل المصائب من قتل الثوار وسحلهم وتعريتهم وخزق عيونهم، أو دهسهم، هذا الفريق الثالث هو فريق الثورة المضادة، الذين خلفهم مبارك فى السر، وظهروا فجأة بعد خلعه، ليعلنوا عن أنفسهم وعن عشقهم للمخلوع وعصابته واستعدادهم للزود عنه، بكل ما أوتوا من قوة وبجاحة، فهؤلاء استعدوا للاحتفال بمرور عام على ثورة يناير، بالهجوم على الثوار بالقول: «إثارة الشائعات المغرضة واتهامهم بالعمالة لجهات أجنبية» وبالفعل «تحريض البلطجية على ضربهم أو قتلهم إذا لزم الأمر»، ووسط كل هذا فإن وزارة الداخلية المنوط بها تحقيق الأمان لكل أطراف الشعب المصرى من الثوار وغيرهم، فإن وزيرها الجديد، بدأ من بدرى فى إطلاق تحذيرات من وجود مؤامرة مؤكدة! مفادها أن جهات أجنبية «تنتوى» القيام بأعمال إجرامية فى الزحمة، ولذلك فقد أكد سيادته أن قوات الأمن مالهاش دعوة باللى حايخرج فى مظاهرات سلمية، وده ربنا معاه، ويبقى يدافع عن نفسه بطريقته، أما رجال الشرطة فهمهم الأعظم، تأمين المبانى والمنشآت الحيوية، أما الممتلكات الخاصة فالشرطة ملهاش دعوة بيها برضه، يعنى اللى تضيع سيارته أو يتحرق بيته، أو يتخطف عياله أو يتسرق محله، ما يبقاش يتصل برقم الشرطة ولا يروح أى قسم أو كراكون، ليه؟ لأن الشرطة مش حاتبقى فاضية، ليه برضه؟ عشان بتأمن مبانى الدولة المستهدفة من المفسدين والمخربين! اللى جايين من برة مخصوص عشان يولعوا فى الوزارات الحكومية ومجلس الشعب، طب حايستفيدوا إيه من كده، ما تعرفش؟ المهم إن وزير الداخلية بينصح المواطن المصرى يخللى باله من «لغاليغه» يعنى كل واحد مسئول عن نفسه، وهو خطاب الغرض منه بث الرعب فى قلوب المواطنين، بحيث ينشغل كل منهم بحاله وملوش دعوة باللى بيحصل فى البلد، ليس هذا فقط، بل يوحى هذا التحذير والتخويف الى كراهية المواطن العادى للثورة والثوار، ويعتبرها تهدد أمنه وحياته، وينصرف عن التفكير فى أن الشرطة المفروض أن تكون فى خدمة الشعب يعنى البنى آدمين وليس المبانى والمنشآت فقط! أما الطرف الرابع فى هذه المناسبة الملتبسة التى يغنى فيها كل طرف على ليلاه، فهو الإعلام بشقيه الرسمى والخاص! والرسمى وإحنا عارفينه وحافظينه، فهو شغال الله ينور منذ بداية الثورة على ممارسة التضليل وترويج الأكاذيب وفق خطة أمنية لإجهاض الثورة وشيطنة المشاركين فيها والمؤمنين بها، أما الإعلام الخاص فهو لا يفرق عن الرسمى بل يتفوق عليه فى كثير من الحالات لإنه إعلام تحت السيطرة، والاستثناء من هذه القاعدة يؤكدها، ولا ينفيها فبين عشرات القنوات المملوكة لفلول النظام السابق، لن تجد إلا قناة أو اثنتين على الأكثر، تلتزمان بالموضوعية وتقدمان رسالة إعلامية متوازنة قد تميل أحياناً الى مساندة الثورة واعتبارها حدثاً وطنياً عظيماً، وليس مؤامرة على مصر كما تدعى بقية القنوات! المهم أن الإعلام الموجه والذى يؤكد أن أمن الدولة الذى أصبح اسمه الأمن الوطنى لسه شغال بذات المنطق القديم بتاع زمن المخلوع، ومهمته التى يبذل فيها كل جهده، ولكن بنفس أساليبه القديمة، وإثارة الذعر والهلع فى نفس المواطن المصرى البسيط الذى يبحث عن قوت يومه، ولا يهمه إلا أن يتعشى وينام ويتغطى ويطمئن أن أولاده فى حضنه، ولن يخرج أى منهم لينضم للعيال «الفسدانين» بتوع الثورة، وقد ينتهى الأمر بالعثور عليه فى مشرحة زينهم، أو يعود اليه مثخناً بجراحه وإحدى عينيه مفقوءة، وربما الاثنتان، وربما لا يعود مطلقاً ويختفى كما اختفى الآلاف غيره من ولاد الناس، الذين كانوا يفضلون المشى جنب الحيط أو داخله! ولهؤلاء المذعورين من نفسهم، تقدم القنوات الفضائية الموجهة رسالتها اليومية بإلحاح بغيض، لضمان غسل الدماغ خالص، فيصبح الواحد منهم مش طايق يسمع سيرة الثورة أو الثوار، وكأنها عفريت يطارده، وقد زاد من عبثية الموقف ما يقال عن ارتداء الثوار لأقنعة فى يوم 25 يناير، على غرار قناع «فانيدتا» وقد تحول هذا القناع إلى عقدة عند البعض، نتيجة لفقر الخيال والجهل، ووفرة من الغباء، فقد تم الترويج لهذا القناع الذى انطلقت فكرته من الفيلم الأمريكى الجميل V.. FOR VANDETTA الذى لعبت بطولته نتالى بورتمان، وكتب على أفيشه «الحرية للجميع»، وفكرة الفيلم عن الانتقام من الفاسدين بارتداء قناع «فانديتا» الذى يسعى للثأر، وفى برنامجها «ناس بوك» حذرت هالة سرحان من أن المخربين الذين سوف ينزلون للميادين فى ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير سوف يضعون أقنعة مرعبة حتى لا يعرفهم الناس ولا تصورهم كاميرات المحمول! فيسهل اختفاؤهم بعد أن ينفذوا مخططهم الشرير فى إشاعة الفوضى والذعر بين المواطنين! ولأن اللى مش عارف بيقول عدس، فأن فكرة القناع أخذت من الفيلم الأمريكى فكرته وطورتها، بحيث تكون الأقنعة لوجوه شهداء الثورة، حتى يكونوا حاضرين بيننا، لنذكر الناس بهم ونأكد أن حقهم لن يضيع ونطالب بالقصاص من قاتليهم سواء من كان منهم فى سجن طرة أو خارجه ينعم بالحرية ويعتقد أنه سوف يفلت من العقاب ويخرج آمناً مزهواً بغنائمه، فكرة الأقنعة من ابتكارات شباب الثورة، ولكن هالة سرحان وضيوفها الأفاضل، لم يتفهموا الحكمة أو الغرض منها، وراح كل منهم يفتى فى الموضوع مؤكدا أن الغرض من الأقنعة هو الهرب من الملاحقة، رغم أن كل من قام بقتل الشهداء وفقأ عيونهم ظهر واضحا فى كل الفيديوهات والصور، وتم معرفته وتحديده بالاسم والعنوان، ورقم التليفون ومع ذلك لم يقدم أى منهم للتحقيق حتى الآن!