غالباً ما تكون الأيام المئة الأولى مقياساً للحكم على أداء أي إدارة ومدى إنجازها وعودها في الأنظمة الديموقراطية، وبخاصة تلك التي تقطعها خلال الحملة الانتخابية. لهذا تخضع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم للكثير من النقد والتدقيق في ما يتعلق بأدائها خلال الأيام المئة الأولى التي مضت على توليه السلطة، وبخاصة مقارنة بالرؤساء الأميركيين السابقين. ويمكن القول إن سجل ترامب التشريعي ضعيف جداً، فخلال المئة يوم هذه لم يستطع تمرير أي من التشريعات الكبرى التي تحدث عنها خلال حملته الانتخابية سواء ما تعلق منها بخفض الضرائب أو استبدال قانون الرعاية الصحية المسمى «أوباماكير» أو مشروع إنشاء الجدار العازل بين الحدود الجنوبية الأميركية والمكسيك، ولذلك يشعر ترامب بنوع من الإحباط عبر عنه من خلال تغريداته في «تويتر». معظم الرؤساء الأميركيين يحكم عليهم من خلال سجلهم التشريعي، أي مدى قدرتهم على تمرير تشريعات من خلال الكونغرس خلال فترة وجودهم في البيت الأبيض وهو ما يخلد اسمهم. ما يسهل مهمة ترامب أن حزبه الجمهوري يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ وبالتالي يفترض أن تكون قضية تمرير التشريعات أسهل بكثير مما لو كان الحزب الديموقراطي المعارض يسيطر على مجلسي الكونغرس أو على أحدهما، لكن المشكلة الرئيسيّة أن الحزب الجمهوري منقسم انقسامات أيديولوجية تصعب المصالحة بينها تجاه الكثير من القضايا، وليس أولها قانون الرعاية الصحية وليس آخرها تمويل الجدار مع المكسيك، وبخاصة الانقسامات بين معتدلي الحزب الجمهوري الذين يمثلهم السناتور جون ماكين ولندسي غراهام وغيرهم وبين الجناح اليميني الممثل فيما يسمى تجمع الحرية Freedom Caucus، الذي هو انعكاس تقريباً لحزب الشاي داخل الكونغرس. الرئيس ترامب أدرك ذلك فلجأ إلى ما يسمى الأوامر التنفيذية التي يصدرها الرئيس وقد أصدر عدداً كبيراً منها يتجاوز ما أصدره الرؤساء الخمسة الذي سبقوه خلال المدة ذاتها مجتمعين، بيد أنه أدرك مبكراً أن كل هذه القرارات التنفيذية ليست لديها سلطة تشريعية وتعوزها الأموال من أجل تنفيذها وهو ما يتطلب منه العودة إلى الكونغرس مجدداً. في الوقت ذاته أدرك الرئيس ترامب أن النظام السياسي الأميركي قائم على فكرتي الموازنة والمحاسبة أي ما يطلق عليه Checks and balances وبالتالي ألغى القضاء أمره التنفيذي الأول والثاني في ما يتعلق بحظر سفر مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة إلى الولاياتالمتحدة، فقد اكتشف عملياً محدودية صلاحيات الرئيس داخل النظام الفيديرالي الأميركي، وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إليه، فقد مني ترامب بثلاث هزائم رئيسية خلال فترة المئة يوم هذه، أولاها كانت على يد القضاء حيث ألغى قضاة فيدراليون الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب فيما يتعلق بحظر سفر مواطني عدد من الدول، ثاني هذه الهزائم كانت على يد الإعلام والصحافة، إذ كشفت صحيفتا «واشنطن بوست» و «نيويورك تايمز» معلومات عن علاقة مساعديه وبخاصة مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين بروسيا، ما دفعه للاستقالة وفتح مكتب التحقيق الفيديرالي تحقيقاً رسمياً في علاقة حملته الانتخابية بالحكومة الروسية وخطر ذلك على الأمن القومي الأميركي وبخاصة في ما يتعلق بالتأثير في الانتخابات التي جرت العام الماضي وأوصلت ترامب إلى البيت الأبيض. ثالث هذه الهزائم كان على يد الكونغرس إذ أفشل مشروعه للتأمين الصحي الذي طرحه كبديل عن «أوباما كير» أو قانون الرعاية الصحية الذي مرره الديموقراطيون خلال عهد أوباما. وبالتالي يمكن القول إن المؤسسات الأميركية الديموقراطية تعمل بفاعلية للحد من صلاحيات رئيس تشعر بأن لديه طموحات تتجاوز صلاحياته الفيديرالية. وهذا مؤشر على قوة الديموقراطية الأميركية على رغم الكلام الكثير عن ضعفها بسبب وصول ترامب الى سدة الحكم. ربما يكون الإنجاز الوحيد الذي حققه ترامب خلال المئة يوم هذه أنه تمكن من تعيين قاض فيدرالي هو نيل غورزيتش في المحكمة الفيديرالية العليا بعد فراغ دام لأكثر من عام لكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك إلا بعد تغيير القواعد في مجلس الشيوخ فيتمكن الجمهوريون من تثبيت مرشحهم في المحكمة. أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية فربما كانت الضربة العسكرية التي وجهها لنظام الأسد في مطار الشعيرات بعد استخدام الأسد السلاح الكيماوي في خان شيخون هي أبرز ما قام به، وعكست توجهاً يخالف ما قاله خلال الحملة الانتخابية وربما يحمل هذا مؤشرات عن توجه السياسة الخارجية القادمة في عهده يحيث يحمل سياسة تدخلية تختلف عن السياسة الانعزالية التي ميزت الرئيس أوباما خلال فترة ولايته الرئاسية الثانية. لا يمكن الحكم على فترة ترامب الرئاسية خلال المئة يَوْم الأولى، فالكثير من الرؤساء السابقين حققوا إنجازاتهم بعد السنة الأولى من حكمهم، لكن يمكن القول هنا إن ترامب الذي لم يكن يعرف مواد الدستور الأميركي أصبح مدركاً الصلاحيات المحدودة للجهاز التنفيذي داخل النظام الفيديرالي، وهو ما عبر عنه أكثر من مرة، ما يفسح له المجال للاستفادة من أخطائه وإظهار براعته التي كررها مراراً وتكراراً في عقد الصفقات. وعليه اليوم أن يدخل في الكثير من المفاوضات الصعبة مع الكونغرس كي يستطيع تمرير أجندته الشعبوية التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية، وهو الأمر الذي هناك شك كبير في قدرته على النجاح في القيام بذلك، لكن دعونا ننتظر ونرى فربما تتحقق نبوءة كسينجر الذي قال إن ترامب ربما يكون أحد أعظم الرؤساء الذين مروا على البيت الأبيض. نقلا عن صحيفة الحياة