الفارق الزمني ثلاثة وثلاثون عاماً وستة أيام، شرقت شمس الحرية في نفس الشهر لتدفئ بأشعتها الانتفاضيتن، وعلي أرض ميدان التحرير توحدت المطالب وان كان سقف الأخيرة أعلي وأخطر علي النظام الحاكم. لم يكن يتوقع شباب انتفاضة الخبز الذين خرجوا يومي »18 و19« يناير سنة 1977 ليطالبوا بالإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية أن يوماً سيأتي أبناؤهم ليناضلوا في نفس مكان ثورتهم بميدان التحرير ليعيدوا التاريخ دون اتعاظ القارئين له من الحكام. صحيح أن ميدان التحرير لم يكن نقطة الانطلاق في الانتفاضتين الشعبيتين، لكنه يأبي دائماً أن تحدث ثورات المصريين دون أن يكون له دور فاعل فيها ليحتضن الثوار بين جوانحه، ففي الحدثين انتهي المطاف بالمتظاهرين الي الاستقرار بالميدان والاعتصام فيه حتي تحقيق مطالبهم، بالنسبة له تغيرت له الوجوه عن تلك التي رآها منذ ثلاثة وثلاثين عاماً ولكن تظل الروح الوطنية والحماسة والاستبسال حتي الموت شهداء متماثلة. كثيرة تلك المتشابهات بين الحدثين، فانتفاضة »77« كانت لها مقدمتها مثل زيادة حدة المظاهرات الطلابية خاصة في عام 1972 بعد اعتقال أكثر من »1500« طالب جامعي، وفي عام 1967 اندلعت الإضرابات العمالية الضخمة في المحلة وشبرا وحلوان والاسكندرية وتم اقتحام عدد من مراكز الشرطة تلاها اضراب النقل العالم بعد أقل من »24« ساعة من استفتاء مبايعة الرئيس الراحل محمد أنور السادات الي جانب موجة الانتفاضات التي اجتاحت العالم في اسبانيا والبرتغال وتونس والمغرب وايران في تلك الفترة لتكون دافعاً للثوار المصريين. انطلقت ثورة الخبز دون أن تحركها قوي سياسية محددة بل جاءت عفوية نتيجة لوصول الغضب الطلابي والعمالي الي ذروته وعلي نفس الخطي جاءت بشائر ثورة الغضب »25 يناير« فسبقتها احتجاجات عمالية واسعة كان أبرزها أحداث المحلة في »6 أبريل 2008« وتظاهرات طلابية وان كانت ليست بحدة ما حدث في الحقبة الساداتية كما بثت الانتفاضة التونسية والاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي الحماسة والأمل في نفوس المصريين لتكرار التجربة. وخلال الانتفاضتين شاعت الفوضي التي تفرق دمها بين اللصوص والبلطجية ورجال الأمن، وسالت دماء أكثر من »80« شهيداً في انتفاضة الخبز واكثر من »300« في ثورة الغضب ونزل الجيش للشورع لإعادة الهدوء. ويكشف أحمد بهاء الدين شعبان المتهم السابع في انتفاضة 1977 دور آخر لميدان التحرير لم يبرزه التاريخ بقوة وهو اعتصام جماهير الطلاب فيه في »25يناير 1972« عقب اعتقال قادة الحركات الطلابية فجر يوم »24« من ذات الشهر، مؤكداً أن الاعتصام لم ينفض الا بعد تشكيل لجنة وطنية بديلة عن اللجنة الوطنية العليا للطلاب والتي اعتقل معظم أعضائها. ميدان التحرير كان أحد ساحات النضال خلال انتفاضة الخبز كما يروي شعبان فيقول: »خرجت المظاهرات بالملايين في القاهرة والجيزة وجميع محافظات مصر للمطالبة بخفض الأسعار«، مشيراً إلي ان المواطن العادي كان هو الجسم الصلب لانتفاضة »77« الذي تلقي رصاص الأمن المركزي ببسالة كما حدث في »25 يناير« الماضي، ويري المتهم السابع في أحداث »77« ان القيادة السياسية في عهد السادات تصرفت بذكاء عنها في عهد مبارك حيث خفضت الأسعار بسرعة وامتصت غضب الجماهير إلا انه يؤكد ان سقف مطالب ثورة الغضب الذي يتلخص في الاطاحة برأس الدولة هو ما عقد الأمر علي السلطة في مصر وانفرط عقد السيطرة من بين يديها. وتمني شعبان إقامة نصب تذكاري في ميدان التحرير لتخليد شهداء انتفاضة »1977« و»2011« ليكون رمزاً لإرادة الشعب المصري وعظة لكل حاكم يتحدي المصريين ان نهايته ستكون »سقوطه في هذا الميدان« حسب وصفه.