أطلعنى أحد المسئولين على كشف بأسماء عدد من الشهداء تم الاستعلام عنهم فوجد أنهم جميعاً من أرباب السوابق والمسجلين خطر.. ولما سألته لماذا لم تعلنوا ذلك على الناس قال لى: نخشى ممن يسمون أنفسهم «الثوار».. فهم أصحاب الصوت العالى، وتفرد لهم الصحف والفضائيات مساحات ليقولوا ما يشاءون، فقلت له: لو أنهم ثوار بحق لكانوا أول من ثاروا على وجود شخصيات سيئة السمعة ضمن الشهداء الحقيقيين، ولو أنهم يحبون الثورة بحق لوقفوا ضد من يصر على أن يكون من بين الشهداء بلطجية لكن للأسف الحقيقة غير ذلك.. فأصبح بين الثوار بلطجية وبين الشهداء سوابق ورد سجون. وإذا كان هناك من فرَّق بين الأحياء وجعلهم فئة من أنصار الثورة وأخرى من أعدائها، فإن هناك من فرَّق بين الأموات وجعلهم فئة من الشهداء، وفئة أخرى لا أحد يذكرها.. وأقول قولى هذا بعد أن اتضحح أن مئات من رجال الشرطة ورجال الجيش قد قتلوا فى الأيام الأولى لمظاهرات يناير الماضى. ومنهم من قتل بالرصاص ومنهم من قتل بالطعن أو الذبح أو الخنق أو الغرق. المهم أن مئات من القتلى من جهاز الشرطة والجيش قد قتلوا. والأهم أن أحداً لم يطالب بمحاكمة من قتلوهم أو يحقق فى وقائع قتلهم. وهذا التباين الواضح فى تناول الأحداث والتفرقة بين أفراد الشعب هو توجه غير قويم وغير سوى ونحن على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ مصر، نرجو أن يسودها العدل والمساواة. هناك قتلى أصبح كل منهم «شهيداً» حتى وإن كان مقتولاً فى حادث فى السويس أو مشاجرة فى بورسعيد أو سقط من شرفة منزل فى سوهاج. ولا أدرى من له الحق على وجه الأرض فى أن يجعل هذا القتيل «شهيداً» وهذا لا..!! وكيف نطالب كل يوم وكل ساعة بل وكل دقيقة بضرورة إعادة الأمن المفقود للبلاد، وإعادة الثقة المفقودة لرجال الشرطة ولدى كل منهم إحساس بالمهانة. فإعادة الثقة لن تكون بمجرد الكلمات والشد على اليد، بل بترسيخ إحساس للعاملين فى جهاز الشرطة بأنهم مواطنون لايقلون عن غيرهم. ولعل أهم مايسىء إليهم إحساسهم بأنهم مواطنون درجة ثانية. وفى داخل كل منهم غصة وألم وحسرة لأن أحداَ فى مصر، على المستوى الشعبى ولاعلى المستوى الرسمى تحدث عن قتلاهم الذين سالت دماؤهم وهم ينفذون أعمالهم الموكلة إليهم والمأمورون بتنفيذها فى يناير الماضى وما بعده. الموضوع جد خطير. والتفرقة يجب ألا تستمر. وعلى الجميع أن يفيق من الغفلة، وأن يجمع الخائفون قواهم المفقودة ليقولوا كلمة حق، لا يجب أن تظل محبوسة فى الصدور. فملعون القوم الذين ضاع الحق بينهم. الحق يا ناس أن هناك من قٌتِلوا فى أحداث الثورة. والحق أنه تم منحهم جميعاً صفة «الشهادة»، ولاقوا اهتماماً إعلامياً وشعبياً ورسمياً كبيراً وهذا حقهم. والجميع وأنا منهم طالبنا بأن يتم التحقيق فى ملابسات قتلهم ومحاكمة المتسبب وإنزال أشد عقوبة لكل من أهدر دماً. والحق أيضاً أن آخرين من الشرطة والجيش قد قٌتِلوا وهم يؤدون أعمالهم ولم يهتم أحد بسيرتهم، ولم نسمع أحداً طالب بالتحقيق فى ملابسات قتلهم ومعاقبة من أهدر دمهم. آن الأوان أن ننقى كشوف الشهداء من كل مندس صاحب سوابق وخريجى سجون وبلطجى تم حشره بمعرفة من لا يراعون الله ولا يراعون الضمير ضمن الشهداء الحقيقيين. آن الأوان أن يحصل كل ذى حق على حقه. وأول الحقوق أن ينال كل من أهدر دم مصرى سواء كان من «الشهداء» أو غير الشهداء حساباً عسيراً. أفيقوا وقولوا قولة الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، ونحن لسنا شياطين ولا خُرس.. وقد ذكرنى ذلك كله بما قاله عمر لأبى سفيان وقد كان عدواً للمسلمين فى غزوة أحد: «قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار». فقد كان هناك وقتها فرق بين القتلى فى معركة الجهاد. فهل هذا ينطبق على حالتنا الآن؟!