تخصيص 100 فدان في جنوب سيناء لإنشاء فرع جديد لجامعة السويس.. تفاصيل    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    تحظى ب«احترام غير مبرر».. اتهام مباشر لواشنطن بالتغاضي عن انتهاكات إسرائيل    "كاليفورنيا" بعد "هارفارد" .. جامعات نخبة العالم تناهض الإبادة الجماعية في غزة    قيادي في حماس: السنوار ليس معزولا في الأنفاق ويمارس نشاطه ميدانيا    شوبير يعلق على تكريم الأهلي لنجم الزمالك السابق    عاجل.. فرج عامر يتحدث عن صفقات سموحة الصيفية وضم كوكا من الأهلي    عاجل.. تعديل موعد مباراة يد الزمالك وشبيبة أمل الجزائري في بطولة إفريقيا    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    "منافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    إصابة 5 سائحين في انقلاب سيارة ملاكي بالطريق الصحراوي بأسوان    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    القيادة المركزية الأمريكية: تصدينا لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    الهلال الأحمر: مصر وفرت خدمات عملية إجلاء المصابين الفلسطينيين في وقت قياسي    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزهر ركن فى هوية مصر وليس مجرد جامع أو جامعة
نشر في الوفد يوم 19 - 04 - 2017

إسقاطه.. ضوء أخضر لتوحش الجماعات الإرهابية وتوغل «الإمبراطورية»الفارسية
لم يكفر أحدًا طوال تاريخه.. وقاد المقاومة ضد الاحتلال.. ورفض منهج العنف
بنى الأزهر الشريف فى شهر رمضان 361ه، واستغرق بناؤه ثلاث سنوات تحت إشراف جوهر الصقلى، قائد المعز لدين الله الفاطمى، وعرف فى البداية باسم «جامع القاهرة»، ثم عرفت القصور الفاطمية باسم القصور الزاهرة تيمناً بلقب السيدة فاطمة الزهراء، بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأطلق عليه اسم الجامع الأزهر.
الدكتور مجاهد الجندى، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية الشهير ب«مؤرخ الأزهر» يقول: إن أروقة الجامع الأزهر شاهد إثبات على إنشاء أول هيئة أمم إسلامية، قبل أن تقوم هيئة الأمم المتحدة بألف عام، ففيها كان يجتمع كل الأجناس من كل دول العالم فى مكان واحد، يتدارسون فيه حكمهم الدينى والتعليمى للعلوم، وهو الجامع الأزهر، والرواق هو المكان الذى يروق لك الجلوس فيه كما يقول «المقريزى»: عندما تجلس فى الأزهر تحس بالأنس والراحة أكثر من بيتك، كون الذى بناه هم آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والأروقة التى بناها العزيز بالله الفاطمى، مبنية للوافدين سواء من داخل مصر أو من خارجها للدول الإسلامية، وكان أكبر الأروقة هو رواق المغاربة الذى يجمع طلاب ليبيا وتونس وموريتانيا والجزائر والرواق يجمع أبناء الجلدة الواحدة، أى عادات وتقاليد واحدة ولغة واحدة ومعظمهم من مصر سنة 400 هجرية، وهناك رواق الشوام يجمع طلاب فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، ورواق الأتراك الذى يجمع كل أبناء الدولة العثمانية واليابانيين وإقليم البلقان واليونان والبوسنة والهرسك ودول الكومنولث، وهناك رواق الجبرتى لأهل إثيوبيا وإريتريا والصومال وهناك رواق الهنود، ويسكن فيه طلاب شبه القارة الهندية ورواق السليمانية لطلاب أفغانستان، ورواق الصين، كما كان يتسلم فيه الطلاب «الجراية» وأدوات المعيشة و«جاميكيات»، وهى المصروف اليومى لكل طالب مجاناً طيلة العام بشرط ألا يشتغل أحدهم بحرفة سوى العلم، كما كان يسمى أساتذة الأزهر شيوخ الأعمدة وأساطين العلم، جمع أسطون، والأسطون هو الأسطوانة أو العمود، وكان الطلاب يجلسون حول الشيخ فى حلقة غير كاملة، لكن بعد قيام الدولة الأيوبية فى مصر أغلق الأزهر عام 576هجرية لتحويل مصر إلى المذهب السنى واستمر مغلقاً مائة عام إلى أن أعاد فتحه السلطان الظاهر بيبرس عام 1266م، ولكن على المذهب السنى، وهذا هو الأزهر، الذى لن يسقط أبداً، لأنه محمى من عند الله، فقد سقطت كل المؤسسات الأخرى من مدارس وخانقاوات التى أنشأها المماليك وغيرهم، وبقى الأزهر صامداً ضد العواصف والأعاصير.
ويضيف «الجندى»: هذه الحملات والدعوات لإسقاط الأزهر والهجوم عليه لا فائدة منها ولا قيمة لها، لأن الأزهر ليس هو الجامع الموجود فى القاهرة الفاطمية فقط، لكنه موجود فى قلب كل أزهرى فى العالم حتى فى الجزر النائية فى المحيطات، مثل جزر «فيجى» وغيرها، كما أن اتهام مناهج الأزهر بالعقم والتشدد غير صحيح، فالأزهر عرف بوسطيته واعتداله منذ 1070عاماً حتى الآن، فالدراسة فيه وسطية، لا تعصب ولا جنوح فيها إلى تصرف أو مذهب معين، يدرس فيه مذاهب أهل السنة والجماعة وإن كان يدرس فيه الفقه الإباضى باعتباره فقهاً معتدلاً، وكان يدرس فيه فقه الشيعة الزيدية باعتبارهم أقرب إلى أهل السنة والجماعة، هذا ما كان يدرس فى الأزهر، أما كون البعض يدعى أن الإرهاب يدرس فى الأزهر فهذا محض افتراء وكذب.
مشيخة الأزهر
لا يخفى على من يتتبع تاريخ الأزهر أن علماءه قد أسهموا فى جميع المعارف والعلوم بالدرس والبحث والتأليف، سواء فى العلوم الدينية أو اللغوية وكذلك فى المنطق والحساب والهندسة والجبر والفلك ولما بدأت النهضة العلمية فى مستهل العصر الحديث لم نجد لها جذوراً إلا فى رحاب الأزهر، وكان البارزون من أبناء الأزهر هم الذين وضعوا أساس النهضة الحديثة فى مصر، ومنهم أساتذة جامعة القاهرة وبقية المعاهد ومدرسة الأندلس ومدرسة القضاء الشرعى وكلية دار العلوم وغيرها من مراكز الثقافات ودور العلم التى تفرغت من دوحة الأزهر الشريف، كما يقول الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان إن الجامع الأزهر يعد تاريخياً هو المؤسسة الأم لعلماء الإسلام، وهم أولئك الذين درسوا فيه علوم الشريعة الإسلامية على يد الشيوخ من مختلف المذاهب وانصرف كل منهم للعمل فى أحد المجالات التى تأهل لها.
ولم يكن للجامع الأزهر فى بدايته رئاسة معينة، إذ كان يتولى إدارة شئونه سلاطين مصر وأمراؤها شأن بقية المساجد، أما شئونه الداخلية فيقوم بها مشايخ المذاهب الأربعة وشيوخ الأروقة يعاونهم خطيب المسجد والمشرف ومعاونوه من العمال والخدم، وقد بقى هذا الوضع متبعاً طوال حكم الفاطميين والمماليك البحرية، وفى عهد السلطان برقوق أول أساطين المماليك البرجية وفى عام 1383هجرية تم تعيين ناظر للأزهر الشريف لينوب عن الحاكم فى الإشراف على شئونه مالياً وإدارياً يعمل على تنفيذ تعليمات السلطان فيما يخص أهل الأزهر وكان هذا الناظر يختار من بين رجال الدولة من الأفراد والأغوات ورئاسته إدارية وليست علمياً، أما فيما يتعلق بالرئاسة العلمية للأزهر والمعروفة ب«المشيخة»، فهناك اتفاق بين مؤرخى الأزهر على أن السلطان العثمانى سليمان القانونى رأى ضرورة أن يكون للجامع الأزهر «شيخ» يتفرغ للإشراف على شئونه الدينية والإدارية معاً، ويكون حلقة الوصل بينه وبين العلماء، ومن هنا جاء تعيين شيخ للأزهر عام 1522 يصبح مسئولاً أمام السلطان عن طائفة العلماء، حتى لا يتفرد شيخ أحد المذاهب بإدارة شئون الأزهر تقرر تشكيل مجلس إدارة للأزهر 3 يناير 1895ميلادية يمثل فيه شيوخ المذاهب الأخرى من غير مذهب شيخ الأزهر وحتى تحتفظ السلطة الحاكمة بمراقبين لها فى هذا المجلس وبهذا التشكيل وضعت السلطة الحاكمة يدها مباشرة على إدارة هذه المؤسسة الدينية الكبرى، وبمعنى آخر بدأ الأزهر كمؤسسة يفقد استقلاليته شيئاً فشيئاً، ويدين أكثر بالولاء إلى الجالس على كرسى الحكم، وليس مطلوباً اليوم إسقاط الأزهر وحتى بالرغم من الهجوم على المؤسسة الأزهرية العريقة ولكن المطلوب منه أن يتولى مسئولية تحرير الخطاب الدينى من قراءة النصوص خارج السياق الزمنى لها حتى لا يظهر علينا أصحاب الفكر الملتوى والتطرف الفكرى فى ظل غياب الأزهر.
المنافح الأول عن الإسلام
رغم محاولات استقطابه وتسييسه والتأثير على ضمير علمائه وتشويه دوره الوطنى من قبل البعض لا يزال الأزهر يتسامى على كل ذلك كما يقول الدكتور عبدالمقصود باشا، رئيس قسم التاريخ والحضارة فى الأزهر الشريف، فإن الأزهر الشريف قلعة الإسلام الأولى وهو المنافح الأول عن بيضة الإسلام والذاب الأول عن حياضه، لكن يبقى التساؤل هل كان إنشاء الأزهر فى مصر مجرد قفزة تاريخية ليؤدى غرضاً معيناً فى وقته ثم يندثر ويتلاشى، أم كان إنشاؤه فى ذلك التاريخ أوامر إلهية تضمن له ولمرتاديه وعلمائه الدور الأول فى حماية الإسلام والمسلمين إذ بدون الأزهر لضاع الإسلام واندثر بشمال أفريقيا والجزيرة العربية والشام والعراق وأفريقيا وآسيا كما حل بالأندلس وما حل بغرناطة وطليطلة ولأصبح الإسلام أثراً بعد عين، ويضيف «باشا»: أن الأزهر الشريف منذ عام 1952 ميلادية يتعرض للهجمات الشرسة بل والمميتة والقاتلة على ما يقرب من 65 سنة، ولكنه صامد وسيظل كذلك، فالرئيس عبدالناصر لم يجد مكاناً يعلن منه القتال، وصد العدوان الثلاثى سوى منبر الأزهر الشريف، ووقف وقال قولته الشهيرة: «الله أكبر.. الله يقوينا.. والله ينصرنا»، والثابت أن شيوخ الأزهر لم يخضعوا فى أى وقت ولا فى أى عهد بعد ثورة 1952 ميلادية لأى ضغوط سواء فى عهد عبدالناصر أو السادات أو مبارك وفى عام 1961 ميلادية أصدر الرئيس عبدالناصر قانون تنظيم الأزهر رقم 103 ولا شك أن هذا القانون كان يريد به من أصدره الخير، وكان الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر حين توسع فى إدخال حملة الثانوية العامة إلى جامعة الأزهر يريد خيراً وعندما زار حسنى مبارك الأزهر وخطب فى قاعة الإمام محمد عبده وقال ما نصه: «والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها لترتفعن راية الأزهر».
ويؤكد أستاذ التاريخ والحضارة أن الأزهر الشريف كان وسيظل الحصن المنيع والسد القوى أمام الهجمات الاستعمارية من الخارج، فقد تصدى للاحتلال الفرنسى والإنجليزى حتى انتهى، وكذلك وقف ضد الهجمات الشيطانية من الداخل، فهو شمس لا تغيب ينحاز لإرادة الشعوب دائما، ولم يكن طرفاً فى أى معادلة سياسية، أيضًا فإن مواقف شيوخه فى الحق شاهدة على ذلك، فها هو الإمام جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله يقف ضد مقررات مؤتمر القاهرة الدولى للسكان عام 1994، واعتبر أن مسودة إعلان هذا المؤتمر ضد الشريعة الإسلامية، وقال قولته الشهيرة: «دون إقرار هذا خرط القتاد»، ومعناه قطع الرقاب، وبعدها أصدر الرئيس الأسبق حسنى مبارك بياناً أكد فيه أن مصر المسلمة لن تسمح للمؤتمر بأن يصدر أى قرار يصطدم بالدين والقيم.
ويشير الدكتور «باشا» إلى أن هناك أموالاً تنفق بالملايين بل بالمليارات لهدم الأزهر أو استمالة شيوخه، ولكن عبر التاريخ بقى الأزهر شامخاً متصدياً لكل محاولات الهدم ولن تنجح المخططات ولا المؤامرات وسيظل الأزهر حصن الناس والدين، وقد كان للأزهر دوماً موقف واضح لرفض المد الشيعى فى الدول الإسلامية سواء من خلال المحاولات المحمومة لنشر المذهب الشيعى فى بلاد السنة، خاصة مصر من خلال الكتب والقنوات الفضائية ومحاولاته المستمرة للإساءة إلى أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإلى رموز أهل السنة والجماعة، وكلها تصب فى صالح الكيان الصهيونى وتفتيت الأمة الإسلامية، وأن الأزهر –كما صرح شيخ الأزهر– سيقف بالمرصاد للمد الشيعى الغريب فى بلاد أهل السنة.
هجمة تتارية
يبدو أن وسطية الأزهر ودفاعه عن ثوابت وعن الدولة المصرية هما اللذان يدفعان هؤلاء وأولئك للهجوم عليه والطعن فيه بكل وسيلة متاحة، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، لأنهم إما يريدونه معهم أو يكونون هم عليه، وقضية تجديد الخطاب الدينى اتخذها البعض ستارًا للهجوم على الأزهر، وقد تكون عند البعض كلمة حق يراد بها باطل.
كما يرى الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق مؤكدًا أن الذين يتحدثون عن التجديد لا يعرفون معناه، والحمد لله فإن المؤسسة الأزهرية بكل قطاعاتها المشيخة والجامعة والمعاهد والوعاظ ومجمع البحوث الإسلامية قادرة على تجديد الخطاب الدينى، فالأزهر شاء الله أن يظهر إلى الوجود بعد القرون الثلاثة الأولى، الذى تعرض فيها الأزهر لهجمة تتارية كبيرة كادت تطيح بتراث الأمة وبأصولها ومراجعها الإسلامية ولكن شاءت إرادة الله أن ينهض الأزهر الشريف مرة أخرى ويعلو نجمه فى سماء الكنانة، فاحتضن أبناء المسلمين من كل الأرض وأرسل علماءه إلى ربوع الدنيا لينشروا الإسلام فيها، وظل بعد إنشائه ليومنا هذا مصدراً للعلوم الإسلامية الأصيلة ينهل منها الكل، ولم يسمع أحد أن الأزهر مؤسسة إرهابية، ونحن فى الأزهر قادرون على تجديد الخطاب الدينى وإعطائه دفعة قوية والتجديد ليس كما يرى البعض بأن الخطاب الدينى أصبح قديماً لا يناسب العصر، بل يقصد بالتجديد هو توضيح الأحكام الشرعية فى المستجدات مع استخدام الآليات الحديثة التى أفرزتها ثورة المعلومات والاتصالات من فضائيات وصحافة وانترنت، بعد أن كانت الدعوة مقصورة على المنبر أو محاضرة أو فى ندوة، وحتى نضمن تصحيح المفاهيم المغلوطة والأفكار المشوهة، وما أساء للأزهر سوى اقتحام غير المختصين فى ساحة الفتوى وهذا الذى نخشى منه، ويرجى مضاعفة جهود العلماء والدوائر العلمية والمؤسسات الدينية لدرء هذا الخطر.
درة تاج مصر
ويقول الدكتور أحمد ربيع أحمد، الباحث فى شئون الأزهر، إن الأزهر درة تاج مصر وكعبة العلم لبلاد الإسلام وواحة الإيمان والعرفان، حفظ لمصر هويتها ووسطيتها وخصوصيتها الحضارية وحافظ على لحمتها ونسيجها الوطنى، وضخ دماء فى شرايينها ووهبها الحياة فى لحظات الممات ونفث فيها إكسير الحياة وطهرها من الغزاة والطامعين، انكسر المستعمرون والطغاة أمام بابه وانحنت رقابهم لمنائره العالية، فالأزهر لمصر كنيلها العذب على كل منهما حياتها ورخاؤها، ولا بد من كل منهما لبقائها، فيه قوام الدين وتثقيف العقل ورفع مستوى الإنسان من الحيوانية المجردة من الروح إلى الإنسانية ذات الروح العالية، وإذا إرادت مصر أن تضع ثلاث صور فى قلب عملها، فإن أوسط هذه الصور تكون للأزهر ولعمامة شيوخه، فالعمامة الأزهرية هى رمز هذا المعهد، الذى حفظ لمصر هويتها ولغتها وثقافتها وأمدها بالأفذاذ من رجالها وعقولها وقادة ثوراتها وضميرها الحى.
اسألوا أحمد عرابى: من أين تعلمت «لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارًا» فسوف يقول الأزهر.
اسألوا سعد زغلول: من أين تعلمت الحرية والاستدلال فسوف يقول الأزهر.
اسألوا طه حسين: من الذى غرس فيك بذور العلم والمعرفة فسوف يقول من الأزهر.
اسألوا التاريخ: طلاب من الذين اعتمد عليهم محمد على فى إنشاء مدارسه العلمية واذهبوا إلى متحف كلية الطب بقصر العينى سوف تجدون صورة «كلوت بك» تحيطه العمائم الأزهرية فى درس من دروس الطب.
اسألوا من أين جاء طلاب البعثات إلى أوروبا واسألوا عن رفاعة الطهطاوى وعياد الطنطاوى وشيخها حسن العطار.
اجعلوا التاريخ يعود بكم إلى الوراء واسألوه عن ثورة القاهرة الأولى على الاحتلال الفرنسى من الذى رواها بدمه واسألوه عن غرس الأزهر سليمان الحلبى الذى قتل «كليبر» وقتل هو وأربعة من طلاب الأزهر.
اسألوا: كيف سجن شيخ الأزهر عبدالله الشرقاوى مائة يوم لأن الاحتلال الفرنسى اكتشف أن الرجل يعمل ضدهم وما قبل الدخول فى الديوان إلا من أجل الحصول على حقوق شعبه.
اسألوا التاريخ لماذا لم يطمع «الشرقاوى» وعمر مكرم بحكم مصر وأجلسا محمد على فوق كرسى الحكم فدورهما كان وطنيًا وليس سياسياً أو حزبيًا.
اسألوا أحمد عرابى، من رفاقك فى ثورتك سوف يقول لكم الشيخ عليش والعدوى ومحمد عبده واسألوه كيف قتلوا الشيخ عليش بالسم وسجنوا العدوى ونفوا محمد عبده؟
اسألوا التاريخ... ماذا فعل الأزهر فى ثورة 1919 اسألوه عن الشيوخ محمد عبداللطيف دراز وسرور الزنكلونى ومحمد أبوالعينين وعبدالمجيد اللبان والمئات بل والألوف من أبناء الأزهر.
اسألوه من أول شهيد سقط بمدفع الإنجليز أمام باب الأزهر.
اسألوا «عبدالناصر» لماذا اخترت منبر الأزهر لتتحدث من فوقه لأمتك المصرية والعربية أثناء العدوان الثلاثى.
اسألوهم عن الأئمة الكبار شيوخ الأزهر الإمام الأكبر حسن مأمون، ومحمد الفحام وعبدالحليم محمود والشيوخ محمد زكى إبراهيم ومحمد الغزالى وإبراهيم الدسوقى ومحمد أبى زهرة ومحمد نايل والشيخ محمد أبوالعيون والشيخ عبدالله المشد وغيرهم كثر كيف ذهبوا إلى السويس ليجلسوا بين الجنود ينفثون فيهم الأمل بعد نكسة 1967م اسألوهم كيف كانوا يجوبون المعسكرات والكتائب يحثونهم على الجهاد والدفاع عن الوطن وتحرير تبر – تراب – سيناء حتى تحقيق النصر.
اسألوا المطابع كيف أخرجت العقول الأزهرية النيرة ألوف الكتب التى تبرز صحيح الدين وتصحيح المفاهيم وتبنى شخصيته مصر والمصريين، اسألوا أين استقر علم الأمة بعد سقوط بغداد على يد التتار وضياع الأندلس سوف تجدون كلمة واحدة: الأزهر، لذلك عظم الأزهر وعظمت « مصر الأزهر» فى نفوس الجميع.
هذا هو الأزهر فأفسحوا له الطريق بدلًا من الهجوم عليه ليقوم برسالته التى تتمثل فى نشر الفهم الصحيح للإسلام وصد هجمات أعدائه والحفاظ على الإسلام وثوابته ومحاربة الانحراف بكل أشكاله والحفاظ على هوية الأمة من الذوبان فى خضم هذا العالم المتغير والاجتهاد والتجديد من أجل إصلاح واقع الأمة والمشاركة فى صياغة مشروع حضارى متكامل الأركان للنهوض بالأمة من سباتها العميق وصناعة رجال يحملون مواريث النبوة ويبلغون عن الله بنفس رحيم وصيانة الأمة من الفتن والمجتمع من التفكك وبناء منظومة القيم وصناعة القلب السليم وتفكيك الأطروحات المنحرفة والأفكار الضالة ونشر قيم التعايش والتسامح، ونشر الثقافة العلمية ومحاربة ثقافة الخرافة.
أين الخلل؟!
ويؤكد الدكتور محمد السيد الجليند، رئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، إنها ليست هذه المرة الأولى التى يتعرض الأزهر الشريف للهجوم عليه من التيار العلمانى الذى يحمل الأزهر أوزار الخلل الثقافى الذى تربى عليه –وما زال يتربى عليه- الجيل، أن الخلل الحاصل فى مناهجنا الثقافية والتربوية لا بد أن تكون نتيجته الطبيعية أن يتخرج فيه جيل لا يعرف للدين حرمة ولا للأسرة دورًا تربويًا ولا للأخلاق أهمية فى بنائه الاجتماعى، ولما خرج هذا الجيل للشارع والعمل كان حظ المجتمع منه ما نراه من فوضى فى السلوك وإهدار للقيم وعزوف عن كل قيمة دينية أو أخلاقية هذه الظاهرة الإرهابية السوداء التى نكتوى بنارها إفراز طبيعى للخلل الذى نعيشه فى البيئة الثقافية للإنسان المصرى الذى لم يتلق أى تعليم دينى يتحصن به ضد أى تيار عاصف يأتيه من الخارج أو الداخل والأزهر الشريف تعلمنا فيه كل قيم التسامح والود والمحبة والسلام الاجتماعى، تعلمنا فى الأزهر أن التوراة هدى ونور، وتعلمنا فى الأزهر أن عيسى بن مريم «آتيناه الإنجيل هدى ونور» وتعلمنا فى الأزهر أن من وظيفة ولى الأمر المسلم فى المجتمع المسلم أن يحفظ لغير المسلم عقيدته ودور عبادته، كما يحفظ للمسلم تماماً عقيدته ودور عبادته، تعلمنا فى الازهر أن من أهل الكتاب أمة قائمة بالحق يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فما مسئولية الأزهر عما يقع من إرهاب إذا كان الإرهابيون لم يترب واحد منهم فى الأزهر، ولم يتلق تعليمه فيه، بل كان سلوكه تجسيداً حيًا للخلل الحاصل فى بيئة الإنسان المصرى الثقافية التى طالما طالب الأزهر بإعادة النظر فيها، وطالما ذكر الأزهر أصحاب القرار أن يعيدوا النظر مرات فى البرامج الإعلامية التى تهدم ولا تبنى والتى زرعت فى الشارع المصرى روح الكراهية والنفور من كل شىء حتى يترك الحياة سوداء فى أعين الشباب.
ويؤكد «الجليند» أن الخطاب الدينى الذى ينبغى أن يسعى الجميع لإحيائه وتفعيله لأنه صمام الأمان للجميع ويمثل حائط الصد لكل فكر إرهابى مدمر، والسؤال الذى يجب أن يعلمه الذين يهاجمون الأزهر: هل الذين فجروا الكنائس قديمًا وحديثًا لهم علاقة بالأزهر؟ هل تلقوا فيه أى مرحلة من مراحل التعليم؟ فلماذا نضع رؤوسنا فى الرمال ونلوم الأزهر وشيخه الجليل ولا نصارح أنفسنا بالحقيقة المرة أن الخلل يكمن فى مناهجنا التربوية والإعلامية والثقافية، وإن الإصلاح ينبغى أن يبدأ من هنا.
إصلاح برامجنا فى الإعلام والثقافة ومناهج التربية، لتكون مادة الدين للمسلم والدين للمسيحى مادة أساسية يتربى عليها الشباب، فإن القاسم المشترك بين الأديان السماوية كثير وكثير وكفانا من ذلك القيم الأخلاقية التى تؤسس للسلوك الاجتماعى الذى يبنى ولا يهدم.
اتهامات باطلة
إن الأزهر الشريف بذل ولا يزال –جهدًا– متواصلًا فى سبيل صياغة خطاب دينى واع رشيد يتأسس بنيانه على القرآن والسنة الشريفة والاجتهادات التى تلقتها الأمة بالقبول.
المفكر والكاتب الدكتور ناجح إبراهيم يقول: إن الاتهامات التى يتم إلصاقها بالأزهر اتهامات باطلة، كما أكد أن مؤسسة الأزهر تقوم بمجهودات شديدة الوضوح للعيان فى مقاومة الفكر المتطرف ويحارب جميع الأفكار المتشددة ويعمل على نشر الوسطية والاعتدال وخير دليل إنشاء مرصد الأزهر الذى يرصد يفند مزاعم وافتراءات الإرهاب والتطرف بكل اللغات أيضًا لا ننسى مبادرات الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وجولاته الخارجية التى لا ينكرها إلا جاحد، فالأزهر بقيادة هذا الشيخ الورع الزاهد قادر على دحر الإرهاب فكرياً وعلمياً ومن يتهم الأزهر بالإرهاب بدعوى مناهجه التى تدرس، فإن مناهجه هى مناهج الاعتدال والوسطية وتدعو للتعايش السلمى بين الجميع، مهما تعددت الديانات والأزهر الشريف يحترم جميع الديانات الأخرى ولا أدل على ذلك من إنشائه لبيت العائلة المصرية الذى يجمع المسلمين والطوائف المسيحية.
رمز العالم الإسلامى
إن مصر لم تكن فى حاجة إلى دور الأزهر داخلياً وخارجياً مثلما هى اليوم، فعلى المستوى الداخلى، فإن الأزهر قادر أن ينهى حالة الاستقطاب والانقسام السائدة فى المجتمع الآن، وعلى المستوى الخارجى فإن الأزهر هو السند الأقوى لمصر لعودة ريادتها فى حل أزمات المنطقة العربية والإسلامية بين الفرقاء الفلسطينيين وسوريا والعراق واليمن وليبيا وإنهاء خلافات دول الجوار، وحتى مع إيران، لأن معظم هذه النزاعات داخل هذه الدول ربما يعود لجذور طائفية وربما لن توجد مؤسسة مؤهلة فى العالم لحل تلك القضايا الشائكة إلا الأزهر الشريف، بالرغم من المحاولات المستميتة التى حدثت أخيراً لتقزيم دوره وتأثيره فى العالم، والذى استنزف جهده وطاقته للدفاع عن وجوده ونفى التهم عنه، بدلاً من أن يتفرغ لقضايا العالم الإسلامى والمسلمين، لكن يبدو أن هناك مخططاً يستهدف النيل منه كأهم مؤسسة فى الدولة بل فى العالم الإسلامى قدم التاريخ والنشأة أن الأزمة ليست فى الأزهر بل فى ثقافتنا العامة التى تبحث فى كل حدث جلل عن شماعة، صوبوا مفاهيمكم، فالدين أجل وأسمى من أن يدفع ثمن أخطاء الساسة أو المسئولين، ودوماً سيبقى الأزهر رمز العالم الإسلامى وكعبة العلم راية خفاقة، شاء من شاء وأبى من أبى.. ابحثوا عن شماعة أخرى يرحمكم الله، ولله در من قائل:
ما ضر شمس الضحى فى الأفق طالعة/ ألا يرى ضوءها من ليس ذا بصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.