دفعت مصر ثمنا ثقافيا فادحا في احداث ديسمبر 2011 دون مبرر. اذ اشتعلت النيران في المبنى الاثري الذي يقع في نهاية شارع قصر العيني، ويطل على ميدان التحرير، ويضم المجمع العلمي المصري، احد اقدم الهيئات العلمية في القاهرة، والذي انشأته الحملة الفرنسية عام 1798 بقرار من قائدها نابليون بونابرت. وكانت مكتبة المجمع تضم عشرات الالوف من الكتب والمخطوطات والوثائق النادرة، ومنها مجلدات تقرير علماء الحملة النابليونية المعروف باسم «وصف مصر»، ذات الصور التاريخية الآسرة، التي لا تزال من اهم المراجع للباحثين. وجاء في الصحافة عن «محمد الشرنوبي»، الامين العام للمجمع، قوله ان الحريق «اتلف كل محتويات المجمع، وكل المؤلفات والمقتنيات». ويذكر ان كتاب «وصف مصر»، واسمه بالفرنسية Description De L''EGYPTE، كان نتيجة تعاون اكثر من 150 عالما واكثر من 2000 متخصص من الفنانين المرافقين للحملة. وقد استقر هؤلاء العلماء والفنانون في «بيت السناري» بحي السيدة زينت، لانجاز الكتاب ولوحاته. الكارثة الثقافية المصرية العربية، وجدت لحسن الحظ من يستجيب في دول مجلس التعاون لها. فقد تعهد الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الاعلى حاكم الشارقة في دولة الامارات العربية، بترميم المجمع العلمي على نفقته الخاصة، «حبا وعرفانا لمصر ولشعب مصر الذي طالما قام بدور حيوي في التعليم والتطوير». وجاء في الشرق الاوسط، 2011/12/27، ان الشيخ القاسمي ابدى اسفه الشديد على الحريق الذي تعرض له المجمع، واعلن تعهده عبر برنامج تلفزيوني تبثه احدى القنوات المصرية. واشار الشيخ القاسمي الى ان مكتبته الخاصة بمنزله تضم الكثير من الكتب والمخطوطات الاصلية التي طالها الحريق في الحادث المؤسف، ومنها كتاب «وصف مصر»، والمجلة الدورية التي ظهرت عام 1860 والطبعات الفرنسية لبعض الكتب، وخرائط الامير يوسف كمال النادرة، التي سيقدمها جميعا لمصر ومجمعها العلمي، كهدية محبة لمصر وشعبها الشقيق. التعهد الذي تقدم به سمو الشيخ القاسمي اكثر من رائع ويفوق اي وصف. قال «ان النسخ الاصلية التي لدي كلها مقدمة هدية للمجمع، كما ان هناك نسخا وانا اعلم انها ربما احترقت، وهي الخرائط الخاصة بالامير يوسف كمال، وانا اطمئن الاخوة بان لدي مجموعة منها، وهي نادرة، حيث طلبت من الهيئة المكلفة ان يرسلوا لي القائمة كاملة، وخلال الفترة التي سيتم فيها ترميم المجمع سنحرص على جلب هذه الكتب مباشرة الى دار الوثائق للتحضير لارجاعها». ويذكر ان المكتبة كانت تضم اكثر من 40 الف كتاب، لم تحترق كلها لحسن الحظ. كما اشار حاكم الشارقة الى ان «دار الوثائق المصرية» التي يتكفل ببنائها على الارض المقدمة من الحكومة المصرية ستكتمل قريبا، وستضم جميع الوثائق الموجودة بمجلس الوزراء، وكل الوثائق الموجودة في مجلس الشعب وفي المؤسسات والبلديات. احتراق «المجمع العلمي المصري» ومحتوياته يثير اسئلة مفزعة عن احتمال تدمير مبان ومؤسسات وموجودات ثقافية اخرى. وحسنا فعل د. جابر عصفور اذ اثار بعض المخاوف واطلق صرخات الاستغاثة حول ضرورة حمايتها. في مقدمة المؤسسات مكتبات الازهر ودار الكتب ومكتبة الجامعة المصرية وعشرات المؤسسات الاخرى التي تقع ضحية «التماس الكهربائي» بين فترة واخرى. نتمنى ان يخفف المسؤولون في مصر عن الآثار الفرعونية وغيرها في الخارج، المطالبة بارجاعها الى مصر، وبخاصة في هذا الظرف العصيب. لقد لعبت امارة الشارقة منذ فترة ليست بالقصيرة دورا ثقافيا متميزا في المنطقة الخليجية، وبخاصة في مجال رعاية الفنون والآداب ومعارض الكتاب، وها هو حاكمها سمو الشيخ د. سلطان القاسمي يفتتح آفاقا جديدة في هذا المجال، فله كل الثناء والتقدير. نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية