هذه ثلاث حكايات شهيرة تحمل بين طياتها معاني الحب والالفة بين شخصيات سياسية ودينية وفنية ولأن هذه الشخصيات معروفة فقد سجلتها العديد من كتب التاريخ وشهود العيان لهذة الوقائع ولكن ما لم تكتبة كتب التاريخ فيقيني انها تعد بآلاف القصص والروايات بين مسلمين ومسيحيين بسطاء يعيشون في سلام منذ عشرات السنين لم يعرفوا الفرقة او الضغينة اما ما يسمونه اليوم بالفتنة الطائفية فهو اكذوبة تاريخية سرعان ما ستختفي كأوراق الخريف البالية والضعيفة تسقط بفعل الزمن القصير. يصف الدكتور مصطفي الفقي في كتابه الهام العلاقة الحميمة التي كانت تربط بين الزعيم «سعد زغلول» والشاب الثورى مكرم عبيد: وقد اصبح الاقباط وثيقي الصلة بالزعيم «سعد زغلول» واظهروا دوما ولاءهم واخلاصهم لزعامته وعندما واجه الانشقاق الاول في الحزب في يونيو 1921 ظل معظمهم الي جانبه مؤيدين خطة الوطني المتشدد من أجل الاستقلال الكامل وقد التف حول الزعيم «سعد زغلول» اثناء خلافه مع عدلي يكن ثلاثة من الاقباط هم: واصف غالي وسينوس حنا وويصا واصف وكان مكرم عبيد بين الشباب القبطي المحيطين بسعد زغلول وقد اعجب سعد زغلول بذكاء مكرم عبيد وثقافته وتأثيره القوي وسحر شخصيته لدي الجماهير الي جانب كفاءته كمتحدث وكاتب ممتاز باللغة الانجليزية في ذلك الوقت لذلك فقد قدر لمكرم عبيد ان يكون مبعوث سعد زغلول الي لندن في اكثر من مناسبة ليقدم الاحتجاجات ضمن انشطة المعتدلين في الحركة الوطنية وذلك لأن مؤيدي سعد زغلول الي كانوا يعتبرون انفسهم الممثل الحقيقي للامة المصرية وبعد توطيد اواصر الصداقة بين مكرم عبيد وسعد زغلول اصبح كل منهما لا يفترق عن الآخر في السراء والضراء ونجدهما في المنفي معا عدة مرات ومعا في أسفارهما للخارج من اجل استقلال البلاد بل اكثر من ذلك عندما شرع مكرم عبيد في الاقتران بزوجته عايدة رفضته في أول الأمر بسبب اختلاف مذهب كل منهما فالزوجة عايدة ارثوذكسية ابا عن جد ومكرم بروتستانتي العائلة فلما سمع الزعيم الخالد «سعد زغلول» بهذا الموقف قال لمكرم: ما هذا الكلام يا ابني لقد نشأنا طول عمرنا لا نعرف كاهنا غير ذاك الذي يرتدي العمامة السوداء فهو ابن مصر الصميم فلماذا تركته؟ وكانت هذه الكلمات كافية لان يعود مكرم الي الكنيسة المصرية ويتزوج من السيدة عايدة ابنة مرقس باشا حنا وحول وطنية مكرم عبيد أنه رأي ان اسمة الاول شائع بين الاجانب فإذا به يسقط من اسمه الاول كلمة»وليم» مكتفيا باسم والده وجده المنتشرين بين الشعب المصري «مكرم عبيد» وأحبه الشعب المصري ومن فرط اعجابهم به كانوا يعتبرونه المثل والقدوة لابنائهم واطلقوا اسمه عليهم واصبح اسم مكرم ذائع الصيت في الاوساط المصرية مسلمة كانت او مسيحية. اما قصة الفنانين الصديقين يوسف كامل المسلم وراغب عياد المسيحي هي مثال حي ورمز شديد الدلالة لحجم الحب والتآخي بين ابناء الوطن الواحد والقصة كما يرويها لنا الدكتور عماد ابو غازي: كان الاثنان يرغبان في استكمال دراستهما للفن في اوروبا فنجحا في اقناع ادارة مدرستهما بأن يسافرا بالتناوب مع احتفاظهما بمرتبهما علي ان يتولي كل منهما المهام التدريسية للآخر حيث كانا يعملان معا في مدرسة الاقباط الكبري بالقاهرة اثناء سفر الآخر ونجحت التجربة وسافر يوسف كامل الي ايطاليا عام 1922 مبعوثا من راغب عياد ولحق به عياد في الاجازة الصيفية وهناك كما يقول «بدر الدين ابو غازي» في كتابه المهم «جيل من الرواد»: التقي كل من راغب عياد وزميله ورفيقه سامي كامل في اوروبا بالزعيم «سعد زغلول» وهو في طريقه الي مصر بعد خروجه من منفاه في سيشل ووجد سعد في هذا التعاون الرائع وتلك الاخوة من أجل الفن والوطن والتي قامت بين الصديقين اكثر من رمز ودلالة وشجعهما علي استكمال دراستهما فلما عاد الي مصر وتولي الوزارة وبدأت الحياة النيابية كانت قصة هذا الكفاح حية في ذاكرته وما كاد ويصا واصف يثيرها في البرلمان وينوه بكفاح الجيل الفني الأول حتي أيد سعد زغلول مطلب البرلماني المدافع عن الفن فتقرر في عام 1924 اول اعتماد لتشجيع الفنون الجميلة قدره عشرة آلاف جنيها ومن هذا اوفدت اول بعثة فنية رسمية فسافر يوسف كامل وراغب عياد الي ايطاليا مرة اخري ولكن هذة المرة بدعم من الحكومة وضمت البعثة ايضا عددا من الرعيل الاول من الفنانين المصريين الذين كانوا لهم الدور الاكبر في النهضة المصرية في بدايات القرن العشرين. ذات يوم قال الكاتب الكبير «نجيب محفوظ» للدكتور والمفكر «رفعت السعيد»: انني مدين للمسيحيين بدين لا أنساه ابدا فعندما تخرجت كنت الثاني علي الدفعة وكان هناك بعثتان دراسيتان للخارج وكان الاول علي الدفعة مسيحي وأخطا المسئولون وظنوا انني مسيحي فقالوا كفاية واحد مسيحي فتخطوني واخذوا الثالث ولو سافرت في البعثة ربما كنت قد سرت في طريق اخر غير طريق الكتابة. ربما تصلح قصة بناء الكاتدرائية الكبري في العباسية للدلالة علي حجم ومتانة العلاقة التي جمعت بين الزعيمين الروحي والسياسي:»الرئيس عبد الناصر «وقداسة البابا»كيرلس السادس فقد كان البابا كيرلس السادس يستطيع مقابلة الرئس عبد الناصر في اي وقت بعيدا عن عدسات المصورين وبرتوكولات الرئاسة لذلك عندما كان البابا كيرلس يتوق الي بناء كاتدرائية كبيرة تليق بمكانة الكنيسة المصرية تبرع الرئيس جمال عبد الناصر من ماله الخاص بمبلغ مالي لبناء الكاتدرائية التي ساهمت الدولة في بنائها بمبلغ 167 ألف جنيه وكان مبلغا كبيرا بحسابات هذا الوقت كما امر بأن تتولي شركات المقاولات العامة التابعة الي القطاع العام عملية البناء للكاتدرائية الجديدة حيث اصر البابا كيرلس السادس ألا يتلقي اى معونات خارجية لبناء الكاتدرائية ولقد فوجئ البابا كيرلس في اثناء احدي زياراته للرئيس جمال عبد الناصر بان ابناء الرئيس يقفون امامه وكل منهم يحمل حصالته في يده وعندما اندهش البابا من المشهد فوجئ بالرئيس يقول له: انا علمت اولادي وفهمتهم ان اللي يتبرع لكنيسة زي اللي يتبرع لجامع والاولاد لما عرفوا انك بتبني كاتدرائية صمموا علي المساهمة وقالوا نحوش قرشين ولما ييجي البابا كيرلس حنقدمهم له فلا تكسفهم وخذ منهم تبرعاتهم لحظتها لم يكن من البابا الا ان اخرج منديله ووضعه علي حجره ليضع ابناء عبد الناصر تبرعاتهم فيه قبل ان يلف المنديل ويشكرهم ويباركهم.