ظهرت دراستان جديدتان مؤخرا تحاولان إنهاء الجدل حول وضع الجيش في الدستور الجديد خاصة فيما يتعلق بمناقشة ميزانية القوات المسلحة. وأكدت دراسة للدكتور جمال عبدالجواد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه بعد شهور قليلة تنتهي الفترة الانتقالية لتنسحب القوات المسلحة من الشارع ويعود الجيش إلي مهمته الأساسية في الدفاع عن الوطن وتأمين مصالحه العليا. وأشارت الدراسة إلي أن التفكير في لحظة تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة وعودة الجيش إلي ثكناته يثير الكثير من الأسئلة، فهل الجيش المصري مستعد لترك المجال السياسي تماما للمدنيين؟ وهل القوي السياسية مستعدة وجاهزة للقيام بمسئوليات الحكم منفردة؟ وهل نظامنا السياسي الديمقراطي الذي مازال تحت الإنشاء، وبلا تقاليد ديمقراطية يستند إليها ولا ثقافة ديمقراطية مستقرة يمكنه كبح جماح التطرف والنوازع الاستبدادية عميقة الجذور؟! كل هذه التساؤلات تجيب عنها الدراسة؟! تقول دراسة الدكتور جمال عبدالجواد: أن هناك عاملين رئيسيين يحددان طبيعة الإجابة عن هذه الأسئلة يتعلق أولها بالمجتمع، بينما يتعلق الثاني بالمؤسسة العسكرية. ويشير «عبدالجواد» إلي أن الطلب الاجتماعي علي دور الجيش بسبب الانقسام السياسي وضعف الثقة بين مكونات المجتمع والسياسيين تخلق طلبا مجتمعيا وسياسيا علي وجود ضمانة تحقق التوازن بينهما ويسري هذا علي الأقباط المتخوفين من تحولهم إلي مواطنين من الدرجة الثانية في ظل نظام سياسي تحمل فيه تيارات إسلامية موقع المركز في التفاعلات السياسية، كما يسري علي فئات واسعة من المسلمين الذين لا يشاركون الإسلاميين تصوراتهم وأهدافهم وفئات المجتمع من الأغلبية الصامتة التي تبحث عن ضمانة لاستقرار سياسي لا تثق في قدرة القوي السياسية الصاعدة علي تحقيقه، مؤكدا أن الجيش هو القوة الوحيدة القادرة علي توفير الضمانة المطلوبة من جانب كل الفئات. وتقول الدراسة: إن العامل الثاني شكوك الجيش في القوي السياسية المدنية لأن هذه القوي غير قادرة علي التعامل مع قضايا الدفاع والأمن القومي الأكثر أهمية بالنسبة للقوات المسلحة، مشيرا إلي أن عدم الاستقرار السياسي المرجح حدوثه في المرحلة المقبلة يتطلب ترتيبات خاصة تمنع آثار عدم الاستقرار هذا من التسرب إلي الجيش الأمر الذي يبرر إعطاء الجيش وضعا دستوريا يضمن استقراره وفاعليته. وتضيف الدراسة أن هذين العاملين لا يجعلان من الانسحاب الكامل للجيش من السياسة أمرا ممكنا وفي نفس الوقت فإن عودة الجيش لحالة المراقب والضامن عن بعد غير المنظمة دستوريا لم يعد أمرا ممكنا أيضا، فدور القوات المسلحة وفقا لهذه الصفة لم يكن منصوصا عليه دستوريا أو قانونيا بأي شكل إنما هي صيغة تطورت تدريجيا وساهم في صياغتها اجتهادات وطبائع شخصية وتصورات من الذات لكثيرين من القادة العسكريين والمسئوليين السياسيين وهو ما لا يمكن القبول به في نظام ديمقراطي جديد يسعي ليكون محكوما بشكل كامل بنصوص القانون والدستور تختفي فيه مساحات عدة دستوريا خاصة أنه لن يكون من الممكن الإبقاء علي أمر بأهمية الدور السياسي للجيش في مساحة المسكوت عنه في ظل الانفتاح السياسي والحريات. وأكد «عبدالجواد» أن التحدي الذي يواجه مصر في هذا المجال هو البحث عن صيغة دستورية تقنن الوضع الخاص للجيش دون مصادرة علي فرض التطور الديمقراطي، وتضع شئون الجيش والأمن القومي ضمن نطاق ولاية السلطات المدنية الشرعية المنتخبة دون تعريض الجيش والأمن القومي لمخاطر تقلبات السياسة ومزايداتها. واقترح «عبدالجواد» وجود المجلس الأعلي للأمن القومي الذي يأتي ثلث أعضائه علي الأقل من بين العسكريين هو الحل فإلي جانب العسكريين الذين يملكون المناصب القيادية الرئاسية في الجيش يجلس في هذا المجلس المنصوص عليه دستوريا أصحاب مناصب سياسية رفيعة مثل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب ورئيس لجنة الدفاع في المجلس ووزراء الداخلية والمالية ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بحيث يكون لهذا المجلس سلطة التصديق علي ميزانيات القوات المسلحة وخططها للحفاظ علي الأمن القومي، مشيرا إلي أن هذا المجلس يمثل حلا لإشكالية العلاقة بين المدني والعسكري في نظامنا الديمقراطي الفاشي. وأكد أن هذا المجلس قد يلعب دور المؤسسة المخولة بمناقشة الأمن القومي والدفاع والجيش بعيدا عن الحياة البرلمانية والإعلام الصاخب لكن دون أن يكون بعيدا عن سلطة ودور السياسيين المدنيين المنتخبين من جانب الشعب، مؤكدا أن التمثيل الفعال للجيش في المجلس الأعلي للأمن القومي يتيح للمؤسسة العسكرية نقل رسائلها بشأن قضايا السياسة الداخلية لممثلي السلطة الشرعية المنتخبة بطريقة منظمة وسلمية وهو الترتيب الذي يوفر ضمانة للاستقرار في ساحة سياسية مازالت تتفاعل بشكل ينطوي علي الكثير من عدم اليقين. أما الدراسة الثانية فأعدها أحمد راغب المدير التنفيذي لمركز هشام مبارك بعنوان: «من يحاسب المجلس العسكري» قال فيها: إن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يجمع سلطات واسعة بالإضافة إلي استحواذه علي جميع صلاحيات رئيس الجمهورية في القوانين وأن له سلطة تشريعية وإذا ما وضعنا في الاعتبار سلطات المجلس في إحالة المدنيين للقضاء العسكري حيث لديه جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مؤكدا أنه يجب تقييم تصرفات وقرارات المجلس الأعلي للقوات المسلحة بميزانين الأول ميزان الدولة القانونية والثاني هو ضرورة النظر إلي هذا الوضع علي أنه وضع مؤقت واستثنائي الهدف منه تحقيق الأهداف الكبري لثورة 25 يناير حتي لا نعيد إنتاج الاستبداد مرة أخري. وأكد «راغب» أنه يجب التعامل مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة باعتباره النظام السياسي الحاكم لمصر ومن ثم فإن المطالبة بفرض رقابة عليه ومحاسبته هو أمر هام وضروري في عملية بناء الدول الديمقراطية المدنية والمحاسبة والرقابة يجب أن تكون للسلطة الحاكمة وليس للقوات المسلحة التي يتحدد دورها في حماية البلاد وسلامة أراضيها. ويقول «راغب» في دراسته: إن المجلس الأعلي للقوات المسلحة أصدر عدة قرارات في الفترة الأخيرة بوضعه سلطة تشريع إما تختص بتعديل بعض المواد القانونية أو إصدار مراسيم تشريعية، مشيرا إلي أن الجمع بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية أمر شاذ وغير مقبول في الدول الديمقراطية والقانونية ويتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات وأن هناك بدا من استخدام هذه الصلاحيات لعدم انعقاد مجلس الشعب فيجب الحرص أشد الحرص علي استخدام هذه الصلاحية لوضعها الاستثنائي، مؤكدا أنه يجب تقييم تلك القرارات والمراسيم بميزاني كل من الدولة القانونية وأهداف الثورة المصرية ورغم أن هذه القرارات والمراسيم قد صدرت بناء علي السلطات المخولة للمجلس بالإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس أيضا، إلا أن ذلك لا ينفي ضرورة الرقابة والمحاسبة للمجلس علي تلك القرارات. وأضاف «راغب» أن متابعة القرارات التي يصدرها المجلس يظهر نهجا استبداديا في استخدام المجلس لسلطاته التشريعية وهو أمر ينذر بالخطر، مشيرا إلي أن إصدار مرسوم بتجريم الإضرابات والتجمع السلمي واستخدام إعلان حالة الطوارئ في تلك التشريعات والمراسيم والقانون والإعلان الدستوري الحالي الذي كفل حق المصريين في التجمع السلمي والتعبير فهي أيضا تعكس نهج واتجاه مخالف ومناقض لتطلعات الشعب المصري والتفافه علي أهداف الثورة المصرية.