مازال الجدل حول قانون الايجارات مستمرًا، ليس فقط من عامة الشعب وإنما من الخبراء والمختصين، وكل الأطراف الذين صدر من أجلهم هذا القانون الذى يحتوى على العديد من الثغرات، وكانت «الوفد» قد رصدت أمس ردود أفعال الملاك حول قانون العلاقة بين المالك والمستأجر والمطروح على البرلمان والذين أكدوا على رفضهم له لأنه لن يأتى بحقوقهم إلا بعد 10 سنوات على الأقل واليوم نستعرض رحلة المصريين مع ظلم قوانين الايجارات طوال السنوات الماضية، وآراء المستأجرين فى القانون الجديد، والذى أبدوا مخاوفهم من أن يكون مصيرهم الشارع بعد تطبيق القانون، بينما يتضمن القانون ميزة واحدة وهى تحرير المساكن والقصور المؤجرة للحكومة منذ عشرات السنين. معظمهم من محدودى أو معدومى الدخل، ومنهم العجائز وأصحاب المعاشات الذين مضى بهم قطار العمر يعيشون فى نفس المكان، إما لضيق ذات اليد، أو خشية البعد عن جيران العمر، أو لاعتياد البقاء فى المكان نفسه، أغرتهم الجنيهات القليلة التى يدفعونها كإيجار شهرى للبقاء وعدم التفكير فى التغيير، وفجأة وجدوا أنفسهم أمام قانون لو صدر سيمنحهم فرصة للبقاء لمدة عشر سنوات فقط بعدها قد يجدون أنفسهم وأولادهم فى الشارع، هذا هو حال ملايين المصريين الذين يعيشون فى شقق إيجار قديم، فإذا كان هناك من استغل القوانين السابقة وأغلق الوحدة وانتقل إلى أماكن أخرى، فهناك من لا يزال يعيش فى الشقق القديمة رغم تهالك العقارات، لأنه لا ملجأ له، وهؤلاء يجب أن ينظر لهم القانون بعين الرحمة قبل كل شىء، فمعظمهم يعيش مأساة انعكست على جدران الوحدات التى يقيمون فيها، التى أصبحت الآن جزءاً من مأساتهم. نبيلة قطب، سيدة فى العقد الخامس من العمر، كانت تعيش مع زوجها فى شقة مكونة من غرفة وصالة، ولكن بعد وفاة الزوج أصبحت غير قادرة على دفع الإيجار، فتم طردها من الوحدة.. وتقول: منذ خمس سنوات وأنا أعيش مع أبناء شقيقتى، بعد أن فقدت «الأربع حيطان» التى كانت تسترنى، ولم أستطع العيش مع ابنتى التى تعيش فى إيجار جديد مع زوجها وأبنائها السبعة. وأضافت أن أى قانون يصدر يجب أن يراعى أحوال من هم مثلى، معدومى الدخل الذين لا يستطيعون دفع الإيجار المرتفع، فلولا أبناء شقيقتى لما وجدت غير الشارع مأوى، وأكدت أن أى قانون لن يراعى ذلك سيؤدى إلى زيادة سكان الشوارع. نادية محمد، سيدة أربعينية، مشكلتها معقدة كانت تعيش من زواجها مع حماتها التى توفيت، وأصبحت تعيش مع زوجها وابنتيها الاثنتين فى الشقة نفسها بعقد الإيجار القديم المحرر باسم والد الزوج المتوفى، حاول زوجها مراراً تغيير العقد، إلا أن المالك رفض، ولما كانت شهادات ميلاد البنات على العنوان نفسه، وكل الأوراق الثبوتية، بقى الحال على ما هو عليه، إلا أن القدر كان له رأى آخر فلحق الزوج بأبويه تاركاً زوجته وبناته يعيشون فى شقة باسم والد الزوج.. وتتساءل نادية: أنا موظفة بسيطة ولا أمتلك ثمن شقة، ولا أستطيع دفع 700 أو 800 جنيه إيجارًا، فماذا أفعل أنا وبناتى؟.. وهل القانون الجديد سيراعى الحالات مثل حالتى؟ وتطالب زينب أحمد بقانون ينصف الفقراء أولاً، قائلة: أعيش فى الشقة التى تزوجت فيها منذ 40 سنة مع حماتى، والعقد باسمها، وابنى يقيم معى وأبناؤه الثلاثة بعد أن فشل فى الحصول على شقة خاصة به بسبب ارتفاع الإيجارات، فإذا صدر القانون الذى يتحدثون عنه فى التليفزيون أين نذهب؟.. وإذا كنت أنا وأمثالى من كبار السن متنا خلال مدة السنوات العشر التى يتحدثون عنها، فماذا يفعل أبناؤنا الذين يعانون الأمرين من الغلاء وارتفاع الإيجارات بشكل لا يقدر الشباب عليه؟ وينص القانون على زيادة القيمة الإيجارية للأماكن السكنية خلال الفترة الانتقالية كالآتى: خلال العام الأول يتم تحديد القيمة الإيجارية وفقاً للقانون رقم 6 لسنة 1997، وفى العام الثانى تزيد 20% وفقاً لتقديرات لجان تحديد القيمة الإيجارية، بالإضافة إلى 5% زيادة سنوية، والعام الثالث تزيد 30% وتستمر الزيادة على هذا المنوال حتى تصل إلى 100% فى العام العاشر، وبعدها إما أن يتفق الطرفان على الاستمرار أو إخلاء الوحدة المؤجرة. إلا أن أم أيمن رفضت هذه الزيادات، مؤكدة أنها مبالغ فيها، ولن يقدر الكثيرون عليها. وأضافت: نحن مع زيادة الإيجار، ولكن بنسبة معقولة، فمع ارتفاع الأسعار الآن من حق الملاك زيادة الأجرة، ولكن يجب مراعاة ظروفنا نحن أيضاً، فأنا أحصل على معاش زوجى يصل إلى 800 جنيه، فكيف أدفع منه إيجارًا، ومن أين آكل وأشترى الأدوية؟.. خاصة أن أسعارها تزداد كل يوم. ويتفق مع هذا الرأى صفوت جرجس، مستأجر لمحل وشقة بمنطقة المنيل، مشيراً إلى أن رفع القيمة الإيجارية حق للملاك لا يمكن إغفاله، ولكن حصولهم على هذا الحق لا يعنى الجور على الآخرين، فليس من المنطقى أن تكون الإيجارات القديمة بهذه القيمة المتدنية، ورفعها لا يمكن أن يتم مرة واحدة، ولا يمكن حساب القيمة الإيجارية حسب المنطقة دون النظر لدخل المواطن نفسه. وأكد أنه فى الأحياء الراقية كجاردن سيتى والمنيل وغيرها يعيش وكلاء وزارة فى شقق إيجار قديم، هؤلاء الآن موظفون على المعاش حتى لو بلغ معاش الواحد منهم 2000 أو 3000 جنيه، هل يمكنه دفع القيمة الإيجارية المماثلة لما يدفع فى هذه الأحياء وتصل ل4 و5 آلاف جنيه. لذلك يطالب «جرجس» بدراسة هذه الحالات جيداً قبل إصدار أى قانون حتى لا يصبح هذا القانون ظالمًا للمستأجرين، مثلما كانت القوانين السابقة ظالمة للملاك. يذكر أن مشروع القانون نص على إنشاء صندوق تكافل لدعم غير القادرين من المستأجرين، والمساهمة فى إنشاء وحدات إسكان اجتماعى بنظام الإيجار للذين سيتم إخلاؤهم من وحداتهم بعد انتهاء فترة السنوات العشر، على أن تكون موارد الصندوق الأساسية معتمدة على تحصيل جزء من حصيلة الضرائب العقارية للوحدات المؤجرة بنسبة 50%، وجزء من الأجرة المحصلة من مالك العقار، وجزء من إيرادات التصالح فى مخالفات البناء، ولكن لا توجد آلية تضمن إنشاء مثل هذا الصندوق، ومن ثم قد يجد الملايين أنفسهم فى الشارع بعد إقرار القانون.