لم تنتبه الحكومة أثناء تنفيذ قرارات الإصلاح الاقتصادى والتقشف، إلى أن هناك فئات أخرى تشارك المصريين فى الدعم، ومن هؤلاء اللاجئون وأبناؤهم الذين يتعلمون بالمجان فى مدارس مصر الحكومية، عددهم نحو 5 ملايين لاجئ فى مصر. وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن عدد هؤلاء اللاجئين يصل إلى 5 ملايين شخص ينافسون المصريين فى كل مكان، وفى الوقت الذى تسعى فيه الدولة لإلغاء الدعم نجد أن المصريين وحدهم هم الذين يدفعون فاتورة التقشف الحكومية، بينما ينعم هؤلاء بكل ما هو مدعم لدينا، فيحصلون على السلع المدعمة من المجمعات الاستهلاكية، ويستقلون وسائل النقل الجماعية ومترو الأنفاق، ويتعلمون فى مدارسنا، بل يقيمون المشاريع، دون دفع ضرائب للدولة، فضلاً عن مشاركتهم للمواطنين فى السكن ورفع أسعار الإيجارات، وعلى الرغم من أننا لسنا ضدهم، إلا أنه حان الوقت لتدرك الحكومة أنه لابد من توفير قاعدة بيانات للاجئين أو تجيب المصريين عن السؤال: إلى متى تتحمل مصر أعباء إضافية والبلاد تعانى أوضاعًا صعبة؟ فى عام 1951 وقعت مصر على اتفاقية اللاجئين، كما وقعت بروتوكولها الصادر عام 1967، كما وقعت على اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969، التى تمنح اللاجئين حق الإقامة فى البلدان التى تستضيفهم على ألا يتم إعادتهم إلى بلدانهم، إلا فى الظروف القصوى على أن تتم معاملتهم بنفس المعاملة التى يتلقاها مواطنو البلدان المستضيفة. ولكن مع تزايد أعداد اللاجئين حول العالم ووفقاً لتقارير البنك الدولى أصبح اللاجئون يشكلون تحدياً كبيراً للدول النامية التى تستقبل الهاربين من الحروب والنزاعات ببلدانهم، هذا فضلاً عن أن وجود هؤلاء المحرومين يؤثر فى تطور البلدان التى تستقبلهم، وتشترط السلطات المصرية على اللاجئين ضرورة تسوية أوضاعهم القانونية، وذلك بالتقدم للمفوضية الخاصة بشئون اللاجئين وتسجيل بياناتهم للحصول على الكارت الأصفر بعد مراجعة بياناتهم، والتأكد من كونهم لاجئين، ويحصل الذين يلتمسون اللجوء على الكارت الأصفر لحين الحصول على الكارت الأزرق وهو النهائى الذى يمنحهم كل حقوق اللاجئين. ورغم تعدد جنسيات اللاجئين إلى مصر إلا أن أغلبهم ينحصر الآن فى السوريين والصوماليين والسودانيين واليمنيين، ويعد اللاجئون الصوماليون والسودانيون الأسوأ حظاً، فهم من الفئات المعدمة والفقيرة، وتستغرق إجراءات حصولهم على الحماية فى مصر لوقت طويل، فضلاً عن أن الإعانات والمساعدات بات أغلبها يوجه إلى السوريين. وعلى الرغم من كون مصر تحفظت على بعض النقاط باتفاقية 1951 وأهمها التحفظ على البند الذى يسمح للاجئين بالعمل لكسب الرزق، نظراً لانتشار البطالة فى مصر، إلا أن اللاجئين بدأوا فى فتح أسواق غير رسمية للعمل، من أجل توفير لقمة عيش، وعلى الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية التى تعانى منها مصر يتمتع اللاجئون السوريون فى مصر بحياة أفضل من غيرهم، حيث تتم معاملتهم كباقى المواطنين المصريين، رغم كون هؤلاء يشكلون عبئاً كبيراً على الاقتصاد المصرى والخدمات الاجتماعية الموجهة للمصريين، هذا فضلاً عن عبء الخدمات المتاحة للفقراء كالدعم، وسبق أن أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن التعامل مع أزمة تدفق اللاجئين يتطلب جهداً دولياً عاجلاً، لاحتوائها من خلال منظور شامل يجمع بين البعد الأمنى والتنموى، وسبق أن طالبت المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين، المنظمات الدولية المسئولة عن تقديم الخدمات والدعم للاجئين، بالنظر فى صياغة وآليات الخدمات المقدمة لهم، وأوضحت أن ذلك يأتى نظراً للمتغيرات الاقتصادية التى تمر بها مصر، خاصة أن الخدمات المقررة للاجئين لا تناسب الوضع الحالى فى مصر. وتستقبل مصر أعداداً كبيرة من اللاجئين، وتتيح لهم الرعاية الصحية والخدمات العلاجية، وتوفر لهم التعليم، ما يجعلهم يحصلون على الخدمات المقدمة للمصريين نفسها، رغم ما يشكله ذلك من أعباء على موازنة الدولة. وتشير البيانات إلى أن هناك نحو 40 ألف طالب من أبناء اللاجئين السوريين والسودانيين فى المدارس الحكومية يشكلون ضغطاً شديداً فى ظل عجز المدارس، وتكدس الفصول، وعجز العديد من المواطنين المصريين عن إلحاق أبنائهم بالمدارس الحكومية. وأعلن المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أنه تم تخصيص مليون و100 ألف دولار كدعم للاجئين، يشمل المعونات الغذائية، والمساعدات النقدية، ومواد الإغاثة لتلبية احتياجات المعيشة، مع ضرورة التركيز على التعليم. ولا تقتصر المشاركة على التعليم فقط، وإنما تمتد إلى الدعم الذى خصصته الدولة منذ سنوات طويلة للفئات المصرية الفقيرة ومحدودى الدخل الأكثر احتياجاً، وفى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة لاتخاذ مزيد من الإجراءات التقشفية، لا يدفع اللاجئون بمختلف جنسياتهم فاتورة الإصلاح الاقتصادى مع المصريين، رغم تمتعهم بجميع الخدمات، ورغم أن الملايين منهم أصبحت لهم أنشطتهم الخاصة، بل شكلوا فى الكثير من الأحياء تجمعات كبيرة للبيع والشراء، وبدأوا ينافسون المصريين فى أرزاقهم ومعيشتهم، خاصة السوريين الذين جاءوا إلى مصر ومعهم بعض الأموال التى مكنتهم من إقامة مشاريع ناجحة فى جميع المناطق الحيوية والتجمعات السكنية دون منح الدولة أية ضرائب نظير نشاطهم التجارى، وتمكنوا من فتح المحلات فى مناطق عديدة منها أكتوبر ومنطقة مصر الجديدة، وحدائق حلوان والهرم، كما غزت بضائعهم مناطق الأسواق التجارية الأكثر زحاماً فى مصر، فرفعوا أسعار المحلات بمجرد نزولهم فى أى منطقة، كما شاركوا المصريين فى شراء الوحدات السكنية، ورفعوا أسعار الإيجارات فى كثير من المناطق، والأكثر من ذلك أنهم يشاركون محدودى الدخل فى الحصول على السلع من المجمعات الاستهلاكية بالأسعار المدعمة، بل تمتعوا بركوب وسائل المواصلات بالأسعار نفسها كمترو الأنفاق والأتوبيسات التابعة للنقل العام. والأمر نفسه مع السودانيين والعراقيين واليمنيين وغيرهم من اللاجئين الذين أقاموا أنشطة تجارية فى مصر، وتناسوا حق الدولة فى الحصول على حقها من ضرائب، ليصبح المواطن المصرى وحده هو الذى يتحمل فاتورة التقشف الحكومية لينعم آخرون بدعم الفقراء، الأمر الذى بات يتطلب قاعدة بيانات توضح من هم المستحقون للدعم. سألنا الدكتور عادل عامر، مدير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، عن المستحقين للدعم المخصص للفئات الفقيرة، التى تستحق جميع أوجه الدعم، طبقاً لنظام التكافل والرعاية الاجتماعية التى توفره الدولة لمواطنيها، فالحكومة ملزمة دستورياً بتقديم الدعم للفئات الفقيرة، التى تحتاج للحد الأدنى من السلع المدعمة لعدم قدرتها على الإيفاء بمطالبهم اليومية، أما اللاجئون فى مصر فمن المفترض أنهم يتبعون المفوضية، ويحصلون على دعم مادى شهرياً، لا يقل عن 2000 جنيه تقريباً، وهو يعتبر حصص دعم تقدمها الدول القادرة على مساعدة اللاجئين، مقابل حصولهم على جميع أوجه الخدمات فى البلدان التى ترعاهم، وذلك بمجرد دخول اللاجئين للأراضى المصرية وتسجيل بياناتهم، وبالرغم من ذلك لا يوجد فى مصر فرق بين اللاجئين والمصريين، فهم يشاركون المصريين فى جميع الخدمات ويحصلون على الرعاية الصحية فى المستشفيات الحكومية، ويتعلمون فى المدارس الحكومية، وهذا الأمر من الممكن أن يزيد من الأعباء الاقتصادية للبلاد، خاصة أن الحكومة ملزمة بتوفير مساكن آمنة لهم، نظراً لعدم وجود مخيمات للاجئين فى مصر، كما هو معمول به فى باقى الدول التى تستقبل اللاجئين، فى حين أن الدعم المخصص لهم لم يعد يتلاءم مع العدد الهائل من اللاجئين، والذى يقدر بنحو 5 ملايين لاجئ فى مصر، بالمقارنة بما يحصلون عليه من خدمات، كما يصبح من الصعب تقنين أوضاعهم لأنهم مواطنون عاديون يعيشون فى مصر. ويقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى الاقتصادى المصرى: اللاجئون فى مصر أصبحوا كالمواطنين يتمتعون بجميع الحقوق، لكن الأزمة تكمن فى زيادة عددهم، خاصة أن هناك الكثيرين دخلوا للبلاد بطرق غير شرعية فى السنوات الماضية، ولم يتم حصرهم خلال فترات الفوضى، فمنهم من هرب عبر الحدود الليبية، وآخرون عبر الحدود السورية، وهذا الأمر جعل هناك صعوبة فى حصر أعداد اللاجئين، فضلاً عن عدم وجود قاعدة بيانات رسمية لتحديد أعدادهم، لكن بعد ثورة 30 يونيه، أصبح الوضع مختلفاً، حيث أصبحت هناك صعوبة فى دخولهم للبلاد بطرق غير شرعية، أما الموجودون منهم الآن فيرى أنهم من الناحية الإنسانية تعمل الدولة على توفير جميع الخدمات لهم، لحين انتهاء أزماتهم، وهذا ما حدث بالفعل، حيث أقام العديد من السوريين مشاريع، وخلقوا روحًا من المنافسة فى المناطق الحيوية، لكننا فى حاجة لكفاءة فى إدارة المنظومة، مع ضرورة وجود قاعدة بيانات دقيقة توضح أعدادهم الحقيقية.