سنة تقريباً مرت على بدء جلسات مجلس الشعب، الذى انتظره الملايين بفارغ الصبر، لإقرار أهم القوانين التى طرحت فى ظل غياب البرلمان، إلا أن خيبة الأمل أصابت المواطنين، بعد أن اشتهر بعض النواب ب«التزويغ»، بعد أن وعدوا الشعب بتحمل المسئولية، وأغفلوا ممارسة دورهم الوطنى فى الرقابة والتشريع، وتناسوا ما تعانيه الدولة من أزمات طاحنة، وتهربوا من حضور الجلسات، ما يؤدى لتعطيل الموافقة على القوانين، التى تتطلب تصويت ثلثى الأعضاء، ويهدد مشروعات القوانين ب«العوار» لعدم اكتمال النصاب القانونى، ليبقى تساؤل: متى تنتهى حالة اللامبالاة ويستيقظ النواب من غفوتهم ويعاد للمجلس هيبته؟ تنص المادة 35 من القانون رقم 46 لسنة 2014، على أن يتقاضى عضو مجلس النواب مكافأة شهرية مقدارها خمسة آلاف جنيه، تستحق من تاريخ أداء العضو اليمين، ولا يجوز أن يزيد مجموع ما يتقاضاه العضو من المجلس تحت أى مسمى عن أربعة أمثال المبلغ المذكور، ولا يجوز الحجز على هذه المبالغ، وتعفى من كل أنواع الضرائب، أى لا يزيد إجمالى ما يتقاضاه النائب عن 20 ألف جنيه. وقد حدد دستور 2014 دور ومهام أعضاء مجلس النواب، حيث نصت المادة (101) على أن يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، وإقرار الموازنة، فضلاً عن الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وبذلك يقع على النائب دور كبير فى متابعة أداء الحكومة وخدمة الشعب. وبذلك يكون القانون قد أعطى للنواب الحق فى الحصول على مبالغ إضافية تتمثل فى صورة بدلات كالحصول على 150 جنيهاً نظير حضور الجلسة، و75 جنيهاً نظير المشاركة فى اللجنة الخاصة، و100 جنيه مقابل حضور اللجنة النوعية فى غير انعقاد الجلسة العامة ليحصل النائب على ما لا يقل عن 13 ألف جنيه شهرياً، هذا فضلاً عن امتيازات أخرى يحصل عليها النائب، على ألا تتجاوز الأموال التى يحصل عليها نظير عضويته عن 42 ألف جنيه. واشترط القانون تفرغ النواب، وعدم ارتباطهم بأى مهام أخرى تعوق أداءهم فى البرلمان، وعلى الرغم من حصولهم على امتيازات عديدة، إلا أن ظاهرة تغيب النواب عن حضور الجلسات، كانت من أهم المظاهر التى سادت مؤخراً، وأثارت استياء الكثيرين، وعلى رأسهم الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، الذى طالب مراراً بحصر أسماء المتغيبين عن حضور الجلسات لاتخاذ إجراءات رادعة ضدهم، وعلى الرغم من إلزام المادة (333) من اللائحة الداخلية للمجلس للعضو بالاستئذان قبل مغادرة الجلسة، وما نصت عليه المادة (334) أيضاً، والتى تعتبر العضو متغيباً وتسقط حقه فى المكافأة خلال فترة الغياب، إذا تغيب العضو بدون إذن، إلا أن ظاهرة تزويغ النواب مازالت مستمرة، ما جعل رئيس مجلس النواب يقرر مؤخراً، خصم 50٪ من قيمة المكافآت التى يحصل عليها كل نائب فى حالة عدم الالتزام. «شكل القاعة محزن».. تلك كانت أهم تعليقات الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس الشعب، بعد أن فرغت القاعات من النواب، الذين لم يهتموا بحضور الجلسات، والتى كان أهمها جلسات مناقشة «برنامج الحكومة» مؤخراً، وإقرار اللائحة الداخلية للمجلس، وهذا ما دعا رئيس المجلس لإطلاق تحذيرات عديدة للنواب بعد أن فرغ صبره منها التهديد بنشر أسماء المتغيبين فى الإعلام، وتطبيق اللائحة بحرمان النواب المتغيبين من مكافأة الجلسات والخصم من البدلات، إلا أن النواب ضربوا بتحذيراته عرض الحائط، واستمروا فى الغياب، يؤدى لتأخر افتتاح الجلسات العامة، وإنهاء بعضها بسبب عدم اكتمال النصاب، وقد شهدت دورة الانعقاد الأول للبرلمان مهازل عديدة، كان أهمها تأجيل رئيس البرلمان الموافقة على قانون الهجرة غير الشرعية، لعدم اكتمال النصاب القانونى، وتأخر جلسات مناقشة بعض القوانين مثل تعديلات قانون الشرطة، ومشروع قانون القيمة المضافة، وبيان الحكومة. تلك الحالة التى استمرت فى الدورة الثانية للمجلس، والتى لا تدل سوى على حالة الفوضى واللامبالاة بأهمية مشاكل المواطنين لدى النواب. غياب الضمير أكد المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، أن ظاهرة غياب أعضاء مجلس الشعب عن حضور الجلسات، لم يعد مقبولاً، فمن المفترض أن هناك لائحة داخلية للمجلس، تنص على ضرورة الالتزام بحضور الجلسات العامة، واللجان، للمساهمة فى أداء عملهم كنواب، والمتمثل فى الرقابة على الحكومة، أو التشريع، مضيفاً: أعتقد أنه لا يوجد مبرر للغياب سوى عدم وجود رد فعل رادع فى ممارسة أحكام اللائحة، وتنفيذ عقوباتها، والتى تتمثل فى توجيه الإنذارات، ولفت النظر، والحرمان من حضور عدة جلسات، وإذا لم تتم الاستجابة، فيتم اللجوء لتطبيق عقوبة إسقاط عضوية النائب، لأن الدستور حظر جمع النائب بين وظيفتين، ومن الواضح أن أغلب النواب يمارسون أعمال أخرى، رغم أنهم يتقاضون بدلات نظير حضور الجلسات العامة، وجلسات اللجان، وهذا الأمر يعد سوء استخدام للمال العام، ويعرضهم للمساءلة بسبب عدم أدائهم لواجبهم المسند إليهم. ويطالب المستشار حامد الجمل بضرورة تطبيق لائحة المجلس، وفرض جزاءات على المتغيبين، لأن الغياب يعطل سير أعمال البرلمان. عادة قديمة يرى أحمد عودة المحامى وعضو الهيئة العليا بالوفد، أنها عادة قديمة، لم نتمكن من التخلص منها، رغم قيام الشعب بثورتين، فقد كنا نأمل أن تختفى تلك العادات السيئة، وأن يكون هناك وعى لدى النواب بأهمية الدور الذى يمارسونه، إلا أن الأمر مازال كما هو عليه، فالتهرب من حضور الجلسات ما هو إلا غياب للضمير، وهذا الوضع لن ينتهى إلا بنشر الوعى، وتوقيع العقاب على المخالفين، لا التغيب عن حضور الجلسات المهمة، مثل جلسة مناقشة القوانين المهمة، وبيان الحكومة، سيكون له تأثير سلبى، فهو دليل على عدم الوفاء والإخلاص فى العمل، كما يؤثر سلباً على شرعية القرارات، لأن عدم اكتمال النصاب يؤدى لتأخير انعقاد الجلسة لبعض الوقت، كما يؤدى لرفع الجلسة، وعدم استكمالها، نظراً لأن عدم موافقة أعضاء البرلمان على القوانين، سوف يخرج تشريعاً يشوبه العوار، وهذا أمر مؤسف، ويحتاج للحزم والحسم فى تطبيق اللائحة الداخلية للمجلس، حتى تكون العقوبة رادعة، فالشعب اختار نوابه من أجل تمثيلهم فى البرلمان ومنحهم الثقة قدر المسئولية فى مناقشة القرارات المصيرية. تطبيق اللائحة وتوضح الدكتورة سوزى ناشد، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وعضو مجلس النواب، أن التشريع هو أهم اختصاصات المجلس، وقد اختار المواطنون النواب لكى يمثلوهم فى البرلمان، ولا يوجد تفسير لتغيب النواب عن حضور الجلسات، سوى عدم الاهتمام بمشروعات القوانين التى يتم مناقشتها، لأن النائب المهتم فقط، هو الذى يحرص على المشاركة، هذا فضلاً عن وجود وجوه جديدة داخل البرلمان، هذا العام وهناك الكثيرون منهم ليس لديهم خبرة فى الحياة النيابية، وتقول: هناك سبب آخر يرجع إلى غضب النواب من عدم إعطائهم الكلمة، ما يؤدى لعدم اهتمامهم بالحضور، لذا لابد من عودة البث المباشر وإذاعة الجلسات على الهواء، حتى يتم نقل الصورة واضحة للشعب، وهذا الأمر سيجعل هناك التزاماً بالحضور، مؤكدة أن من واجبات العضو هو الالتزام لمتابعة كل ما يدور تحت قبة البرلمان، ومن لا يلتزم لابد أن يحول للجنة القيم للتحقيق معه وتطبيق اللائحة على المتغيبين.