الذى يدخل فى التفاصيل ليس ببعيد أن يغرق فيها، والرجل ليس من محبي ذلك، لكن تكفيه الرؤية الواضحة حتى يتخذ قراره، وهذه الفلسفة ملكة لا تتوافر للكثيرين. الصبر والتضحية أسلوب حياة لديه، كان أمامه مشواران اختار أصعبهما، أراد المشقة حتى يشعر بطعم النجاح. يعتبره أصدقاؤه مقاتلاً شرساً، لا يعرف الاستسلام من أجل الوصول إلى الهدف، يتفاخر بدور والدته معه، وقدرتها على غرس الطموح غير المحدد بسقف بداخله، وكذلك المسئولية والقيادية المستمدة من والده. محمد سعيد كامل، العضو المنتدب لشركة القاهرة للاستثمارات والتنمية، ليس سهلاً أن تتكشف شخصيته من أول مرة، لديه إجادة نادرة فى اصطياد الفرص، قمة سعادته عندما يراقب من القمة حتى يتكشف المشهد بكل جوانبه، ليكون القرار الحاسم الذى لا يستغرق وقتاً طويلاً معه. على مسافة أمتار من نهر النيل، وعلى كورنيش المعادى، وفى الطابق الأعلى تغلف جدران مكتبه مجموعة من الصور التى تسجل مشوار حياته، بدأ حديثه بنبرة صوت هادئة، وقبل الوصول إلى مقعدى، تمتم بكلمات تحمل الصبر الذى يؤمن به، بأن المشهد الاقتصاد لا يزال صعباً. «ما زلنا فى مرحلة انتقالية وعلينا النظر بصورة شاملة، والإجابة عن عدد من التساؤلات، أين نحن الآن؟ وماذا حدث؟ نعم هناك تراكمات أوصلتنا إلى الأسوأ فى النفق، ولا بديل عن المرور بسلام والوصول إلى بر الأمان، لأن أى بدائل سوف تكون نهايتها ما لا يحمد عقباه» من هنا بدأ الحوار مع الرجل. إذن من يحمل مسئولية المشهد المعقد سؤال طرحته؟ قال لى «الحكومات المتتالية منذ عام 1952، هى وراء المشهد المرتبك حالياً اقتصادياً، فالكل كان ينظر إلى الخلف كلما أرادت الإصلاح، وبالتالى تتراجع إلى أن وصل بنا الحال إلى أننا اتخذنا هذه الإجراءات الإصلاحية مضطرين؛ لإنقاذ ما يمكن، فالرؤية المستقبلية لم تكن متواجدة على خريطة الأنظمة السابقة، والتضحية تأخرت سنوات عديدة حتى تتحملها الأجيال القادمة التى لا ذنب لها». نبرة الحزن فى حديث «كامل» لا تعنى اليأس بل تفاؤله المستمد من المحطات التى مر بها أبناء الشعب وتجاوزها فى أوقات الحروب المتتالية منذ القرن الماضى، والحكومة تسعى جاهدةً للمرور من هذا الاختبار الصعب». «كامل» يسعده دائماً الصفات المكتسبة من عائلته الصغيرة، ولا يزال يعتبر أن المرحلة الانتقالية فى بدايتها، وسوف تستغرق وقتاً لا يقل عن 5 سنوات، حتى نجنى ثمار هذه الإصلاحات. دائماً تتصدر السياسات النقدية والمالية المشهد لدى خبراء الاقتصاد، ولكن «كامل» له وجهة نظر واضحة فى هذا الملف، يعتبر أن الحكومة اتخذت سياسة الصدمات، فالحكومة ظلت قرابة العام ونصف العام تستبعد تخفيض قيمة الجنيه إلى أن قامت بين «عشية وضحاها» بقرار التعويم، دون أي مكاشفة، غير المقبول من وجهة نظره أن هذه الإجراءات والخطوات الاقتصادية تتم دون الإفصاح بصورة دقيقة أمام الجميع، الأمر الذى يخلق نوعاً من عدم الوضوح للمشهد، بأن لديها خطة واضحة عن الاقتصاد، والتعويم ولم تحمل المكاشفة بالقدر الكافى وتسببت فى ارتباك المشهد». يظل ملف السياسات المالية مثار اهتمام فى مجتمع الاقتصاد، لكن «كامل» له وجهة نظر أخرى تبنى على أن الملف الضريبى مر بأفضل فتراته فى ولاية الدكتور بطرس غالى، وزير المالية الأسبق، لأن رفع الضرائب على شريحة محددة لن تجدى، وإنما استقطاب شركات جديدة والتوسع فيها هو الذى لا بد أن يكون فى اعتبارات الحكومة، حتى تتضاعف الأعداد بما يحقق المطلوب، ويتحقق المستهدف». الإلهام والرؤية الواضحة لهما دلائل عند «كامل» ربما لتأثره الكبير بشخصيات وزعماء سطروا التاريخ، ومن هنا كانت رؤيته الواضحة فى الملف الاستثمارى، وشغله الشاغل، فهو يعتبر أزمة جذب استثمارات، لا تتوقف على القوانين، وإنما بيئة العمل التى تبدأ مع وصول المستثمر إلى أرض المطار، فالقوانين وحدها لا تصنع استثمارات. «كامل» يبدو أكثر حماساً وجدية حينما يتحدث عن العناصر الذى يجب توافرها فى البيئة الاستثمارية، وتنحصر فى 6 محاور تتمثل فى خريطة واستراتيجية استثمارية واضحة للمستثمرين، والعمل على تقديم تيسيرات ضريبية ومحفزات، وكذلك العمل على بيئة تشريعية ملائمة، بالإضافة إلى تحديد جهة واحدة لفض النزاعات الاستثمارية، وتحقيق الأمن والأمان فى كل شبر من المحافظات، وكذلك شبكة مواصلات قادرة على تحقيق حرية الانتقال، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها واحدة من أهم القطاعات القادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية، مع قطاع الطاقة والعقارات. يظل سوق المال من الملفات المهمة لدى «كامل» لذا يأمل تحقيق المعادلة الصعبة بالعمل على تخفيض الضريبة على الشركات المقيدة بالبورصة والعمل على استقطاب آلاف الشركات من السوق المحلى حتى تعبر البورصة عن الاقتصاد بصورة حقيقية لأن نسبة الشركات ضعيفة للغاية، على الأقل أن يتم استقطاب 10% من العدد الكبير من الشركات العاملة بالسوق المحلى، والأمر الأكثر أهمية أن يكون منصب رئيس البورصة بالانتخاب، وإعادة الرقابة المالية النظر فى المستشارين الماليين المستقلين. إذ كانت الصدفة رسمت طريق الرجل، فإنه نجح فى المساهمة بتحقيق قفزات مع مجلس إدارة الشركة لعل آخرها مشروع 31 عمارة الذى أطلقته الشركة بالتجمع الخامس على مساحة 48.4 ألف متر بسعر 8.8 ألف جنيه للمتر لصالح شركة إسكوير للاستثمارات والتنمية التابعة ومستهدف مبيعات 499.8 مليون جنيه، بل متوقع زيادة قيمة المبيعات بدعم حالة الرواج فى قطاع العقارات. «كامل» عاشق للرياضة ويهوى لعبة التنس التى يجد فيها ضالته فى التحدى والقدرة على التفكير والتركيز، وسرعة التعامل، بما يحقق الهدف، لكن يظل سعيداً بمحطات حياته التى ساهمت فى تشكيل شخصيته العملية، ويظل هدفه الأكبر أيضاً الوصول بشركة القاهرة للاستثمارات إلى قمة الهرم العقارى.. فهل ينجح فى ذلك؟