كل سنة وكل مصري بخير.. حمدي رزق يهنئ المصريين بمناسبة عيد تحرير سيناء    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    حلقات ذكر وإطعام، المئات من أتباع الطرق الصوفية يحتفلون برجبية السيد البدوي بطنطا (فيديو)    ارتفاع سعر الفراخ البيضاء وتراجع كرتونة البيض (أحمر وأبيض) بالأسواق الجمعة 26 أبريل 2024    هل المقاطعة هي الحل؟ رئيس شعبة الأسماك في بورسعيد يرد    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    بقيمة 6 مليارات .. حزمة أسلحة أمريكية جديدة لأوكرانيا    حزب الله اللبناني يعلن تدمير آليتين إسرائيليتين في كمين تلال كفرشوبا    حركة "غير ملتزم" تنضم إلى المحتجين على حرب غزة في جامعة ميشيجان    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على جدول مواعيد عمل محاكم مجلس الدولة    عبقرينو اتحبس | استولى على 23 حساب فيس بوك.. تفاصيل    رئيس مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة: «تحقق الحلم»    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    بث مباشر لحفل أنغام في احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية بعيد تحرير سيناء    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    بعد 15 عاما و4 مشاركات في كأس العالم.. موسليرا يعتزل دوليا    رائعة فودين ورأسية دي بروين.. مانشستر سيتي يسحق برايتون ويكثف الضغط على أرسنال    ملف يلا كورة.. تأهل يد الزمالك ووداع الأهلي.. قائمة الأحمر أمام مازيمبي.. وعقوبة رمضان صبحي    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    عاجل - الأرصاد تحذر من ظاهرة خطيرة تضرب البلاد.. سقوط أمطار تصل ل السيول في هذا الموعد    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    تبدأ اليوم.. تعرف على المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمولات    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    ليلى أحمد زاهر: مسلسل أعلى نسبة مشاهدة نقطة تحوّل في بداية مشواري.. وتلقيت رسائل تهديد    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    بدرية طلبة عن سعادتها بزواج ابنتها: «قلبي بيحصله حاجات غريبه من الفرحة»    عروض فنية وموسيقى عربية في احتفالية قصور الثقافة بعيد تحرير سيناء (صور)    «تنمية الثروة الحيوانية»: إجراءات الدولة خفضت أسعار الأعلاف بنسبة تخطت 50%    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    الأغذية العالمي: هناك حاجة لزيادة حجم المساعدات بغزة    سفير تركيا بالقاهرة يهنئ مصر بذكرى تحرير سيناء    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفيدة «عمر مكرم» تروى أسرار أول زعيم شعبى
كرَّمه أعداؤه وحبسه أهل بلده فى «مواكب الجنازات»
نشر في الوفد يوم 08 - 12 - 2016

رائحة مسك تفوح من قبر الزعيم الأول فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، تدفعك دفعاً إلى التنقيب عن أثره فى المحروسة.. عن أثره فى نفوس أجيال، ضحى بالغالى والنفيس من أجل أن يعيشوا بكرامة على أرض قدرها طمع الطامعين على مر السنين.. وكان قدر السيد الشريف الزعيم «عمر مكرم» أن يقاوم، وأن يدعو الناس لمقاومة الغاصب المحتل الفرنسى، ويُعلِّم المصريين ألف باء الديمقراطية فيختارون ولأول مرة فى التاريخ حاكمهم، وليسير على نهجه من بعده زعماء آخرون أنجبتهم هذه الأرض الطيبة، وما زال رحمها عامراً بالمزيد.
عمر مكرم ليس مسجداً فى منطقة وسط البلد، تُشيَّع منه جنازات المشاهير، ولا تمثالاً طولياً لفه ثوار 25 يناير و30 يونيه بعلم مصر واستلهموا من شموخه حماستهم. بل هو رجل بحجم «أمة»، وصُناع التاريخ لا تنتهى سيرتهم بموتهم، ولا تطوى صفحاتهم من سجلات الشعوب، فيبقون فى الذاكرة والوجدان. وفى كل مرة تستحضر سطوراً منها تنكشف الأسرار، وتندهش، وتنبهر كأنما هى المرة الأولى.
«الوفد» التقت ب«الشريفة» راجية هانم محمود عمر مكرم، حفيدة الزعيم عمر مكرم. وهى ثمرة من شجرة جذورها ضاربة فى أعماق هذا الوطن مروية بعطر نسب النبى صلى الله عليه وسلم..
رائحة المسك
قبور العظماء تنطق بما منحوه من نور فى حياتهم، ولا تبوح بأسرار الثروات والكنوز، بل بما قدموه لأوطانهم.. قبل لقاء السيدة راجية عمر مكرم، زرنا قبر الزعيم فى مقابر المجاورين، وقرأنا الفاتحة على روحه الطاهرة، وكانت المرة الأولى التى نكتشف فيها وجود قبرين فى نفس الشارع يحملان اسم عمر مكرم.. الأول فى بداية الشارع ومغلق ببوابة حديدية تعلوها قبة خضراء ولوحة تعلو البناية بعرضها كتب عليها بخط كبير وواضح «هذا مقام المجاهد الأعظم السيد عمر مكرم».. وعلى الجانب لوحة قديمة من الرخام كتب عليها «هذا مقام المجاهد الكبير السيد عمر مكرم»، نقيب السادة الأشراف، وعلى الجانبين سبيلان مصنوعان من الرخام الأبيض، وكتب علي أحدهما «أنشأ هذا السبيل محمود حنفى مكرم عام 1417» والآخر عام 1327، وعلى اللوحة الرئيسية نقشت آية «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» صدق الله العظيم.. والبوابة مزخرفة بالحديد والخشب.. وعندما سألنا شاباً يسير بجوار قبر الزعيم عما يعرفه عن صاحب القبر قال «أنتم تقصدوا الزعيم عمر مكرم ده مش مدفون هنا ده فى آخر الشارع ده واحد من أحفاده».. وبالفعل توجهنا إلى آخر الشارع، فوجدنا ما يشبه القصر وليس القبر، فالأرض شاسعة، والقبر فى بناية بالداخل وفيه قبر عمر مكرم، ولكن فى هذه المرة اكتشفنا أن هذا القبر يخص عمر مكرم الصغير، أحد أحفاد الزعيم الوطنى كما علمنا فيما بعد.
الأهم من ذلك عندما سألنا أكثر من شخص عن الزعيم عمر مكرم، سمعنا إجابات مخزية ومحزنة من الشباب من نوعية «ما نعرفوش.. واحد غنى. باشا من بتوع زمان.. اللى بيخرج منه جنازات الناس المهمة». الأكثر من ذلك أن أكثر من شخص سألناه عن عمر مكرم، فقال أحد المارة أمام مسجده «ده ولى صالح من بتوع زمان مدفون فى الجامع ده»، مشيراً إلى مسجد عمر مكرم.
وقال شاب حاصل على دبلوم تجارة «واحد مهم وخلاص»، لم يذكر أحد معلومة صحيحة عن الرجل الذى قاد المقاومة ضد الحملة الفرنسية، وعلَّم المصريين كيف يختارون حاكمهم بأنفسهم للمرة الأولى.. الرجل الذى قاد ثورة القاهرة الثانية عام 1800 وناصب الفرنسيين العداء، وكرَّس نفسه مجاهداً ضد الاستبداد، تارة ضد المماليك وظلمهم، ثم الفرنسيين وحتى الإنجليز، ثم كافأه محمد على بعد أن وضعه على رأس الحكم فى مصر رغماً عن إرادة البيت العالى فى الأستانة، ونكل به ونفاه وصادر أملاكه؛ خشية خوفه من حب المصريين له والتفافهم حوله، وذلك بعد أن خانه أصدقاؤه المشايخ وأوعزوا للوالى بأنه خطر على ملكه.. لم يكن مطلوباً أو متوقعاً أن نسمع تاريخ الرجل ومعاناته وتضحياته بتفاصيل رواها المؤرخون، ولكن على الأقل ما اشتهر به، فمن العيب إلا تعرف الشعوب فضل زعمائها، فيما احتفى به أعداؤه الفرنسيون، وسجلوا الأفلام الوثائقية عنه، وعرضوا منها فى متحف اللوفر بفرنسا.
عظيمة يا مصر
«دقت ساعة الغضب الثورى فاتى جواب الوطن باهراً نبيلاً».. بهذه العبارة، وصف «الجبرتى» دور زعيم مصر الأول السيد عمر مكرم فى إرساء قواعد الديمقراطية فى مصر، لتبدأ مرحلة فى التاريخ يحكم فيها المصريون أنفسهم.. بعد طول استعمار من خلائق شتى وكيانات عاشت على استنزاف خيرات البلاد.. فضرب عمر مكرم أروع الأمثلة فى مقاومة المعتدى الفرنسى، وجمع قوى الشعب لمواجهته دفاعاً عن أرضه وعرضه، ثم ليولى للمرة الأولى فى تاريخ مصر حاكماً يختاره المصريون.. هذه هى عظمة الزعيم الشعبى الذى سجل المؤرخون صفحات من جهاده.
«عظيمة يا مصر.. يا من تمنحين العالم بأسره ضياء القيم وتزينين الدنيا بلآلئ من لحم ودم.. تشع من سنوات عمرك زعامات خالدة نورانية الذكرى.. وفى زمن تاهت فيه مفاهيم الشرف والعزة، وعزت فيه القدوة الحسنة. ونقب الناس عمن يعشقون تراب أوطانهم فعانوا وأعياهم البحث».. يصبح الحديث عن السيد عمر مكرم زعيم مصر الأول حديثا لخدمة «أم الدنيا»، فهو كما وصفه المؤرخون ليس بملك أو سلطان، ولكنه واحد من أبناء شعب مصر وعظيم من عظمائهم، يشعر بما يشعرون، ويطمح إلى ما يطمحون.. فالسيد عمر مكرم ليس سطراً فى كتب التاريخ بل فصل فى تاريخ أمة. وللأسف لا يعلم الكثيرون عنه سوى مسجد فى «سط البلد» تُشيَّع منه جنازات المشاهير وأصحاب المقام الرفيع، وتمثال اجتهد أحفاده فى أن يضعوه فى الميدان.
بيت العز
حملنا أحزاننا وصدماتنا وتساؤلاتنا، أيضاً، وتوجهنا إلى السيدة راجية حفيدة السيد عمر مكرم والتقيناها بشقتها الراقية بإحدى العمارات القديمة الفاخرة أيضاً بحى جاردن سيتى. وكان أول ما نطقت به حفيدة الزعيم جملة فخر بجدها زعيم الزعماء، وقائد الثورات الشعبية، قالت «جدى كان شوكة فى حلق الفرنسيين ورفض أن يشترى ولاءه العدو، وهناك خطابات كتبها نابليون باللغة العربية، ووجهها إلى السيد عمر مكرم يعرض عليه عضوية الديوان الأول».
سألتها: وطبعاً رفض الزعيم؟؟
- ابتسمت منتشية قائلة: «لم يرد عليه أصلاً، وكان هذا أبلغ رد على نابليون».
ما أجمل أن تلمح بقعة ضوء وسط الظلام.. ساعتها تدرك عظمة النور وروعته.. وعندما تسأل الشباب عن زعماء أفنوا سنوات عمرهم فى خدمة أوطانهم تكون الإجابة «ما نعرفش». فنحن أمام كارثة وتهديد حقيقى لتراثنا الإنسانى الذى صنعه أجدادنا ليس بثرواتهم أو بمكاناتهم ولكن بأرواحهم.. ومصر التى يبحث فيها شباب اليوم عن قدوة بين أرجائها فلا يرون إلا نجوم السينما ولاعبى كرة القدم، كانت وما زالت تلد العظماء القادرين على تغيير خارطة العالم من حولهم.
كان هذا ما يجول بخاطرى، وأنا فى انتظار سيدة تحمل أثراً واضحاً من عظمة هذا البلد عندما رأيتها قرأت فى ملامحها شموخ المجاهدين، فهى نبت من طيب ورغم كبر سنها، فإنَّها سيدة جميلة راقية أصيلة.. وذكريات الجد منتعشة طازجة حاضرة مسترسلة فى عقلها، وينطق بها لسانها بطلاقة وعزة وفخر، ورغم مئات السنين التى تفصلنا عن زمن عمر مكرم، فإنَّها تحفظ التاريخ ليس كونها مصرية وطنية فقط، بل إنها صلة الدم، أيضاً، التى تقوى شهادتها، وتعزز كل ما تنطق به..
البيت الذى ينطق بالفخامة والعز يؤكد ما قرأناه عن عمر مكرم الذى كان من الأعيان، وفضلاً عن كونه عالماً جليلاً من علماء الأزهر، فعمر مكرم صعيدى، ولد فى مدينة أسيوط فى عام 1755 ميلادية، ونشأ فى أسرة شريفة تعود إلى البيت النبوى الشريف، وقد وجد نسبه فى إحدى حجج الوقف عثر عليها مسجلة عام 1210 هجرية، وجاء بها «فرع الشجرة الزكية وطراز العصابة الهاشمية الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام السيد الشريف الطاهر العفيف مولانا سراج الدين عمر أفندى نقيب السادة الأشراف.. ووالده السيد حسين».. وكما قالت الحفيدة فقد عرف عن الجد أنه شديد الاعتزاز بنفسه، لا يرى أنه كبير بنسبه وبعظمة آبائه، بل بما يحسه من الكرامة والفضل للدراسة فى الأزهر الشريف، وعندما أنهى دراسته بدأ ينشغل بالحياة العامة، فعين نقيباً للأشراف سنة (1208 ه 1793م)، وكان متمتعاً بمكانة عالية عند العامة والخاصة، وله نصيب موفور من التقدير والاحترام.
سألت حفيدة عمر مكرم: تعتقدين ما هو سر التفاف المصريين حول عمر مكرم وقد كانوا تحت وطأة ظلم المماليك سنين طويلة؟
- قالت: عمر مكرم كان ثرياً، وأملاكه واسعة فى بلده أسيوط، وفى القاهرة والبحيرة وطنطا، وفى كل البلاد، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون ابن هذا الشعب الذى عانى الظلم والفقر، وعانى سنوات من التسلط والظلم فكانت داره مفتوحة للجميع، وكان يدفع عن التجار المتعثرين الضرائب المفروضة عليهم، هذا الظلم الذى تكرر فى عهد محمد على نفسه والذى اختاره العلماء والزعماء والشعب ليتخلصوا من ظلم المماليك، فإذا به يثقل عليهم بالضرائب، أيضاً، رغم اعتزازنا بمحمد على كرجل نهضة بنى مصر الحديثة.
محمد على، خان عمر مكرم، ونفاه أكثر من مرة وصادر أملاكه فكيف توازنين بين اعترافك بفضله وبغضك بما ألحقه بجدك من أذى؟؟
- السيد عمر مكرم كان عاشقاً لمصر، ورغم التفاف الشعب حوله ورغبته فى أن يكون هو رئيسهم فإنَّه كان رجلاً حكيماً، ورأى أن مصلحة الوطن مع حاكم قوى يمتلك جيشاً وسلاحاً، لذلك ساند محمد على، ورغم ما فعله بجدى فإننى لا أنكر أنه بنى نهضة مصر الحديثة، وهذا هو الفارق بين أن تكون القضية شخصية أو قومية، ثم إن كُتب التاريخ أكدت أن بعض زملاء عمر مكرم أوغروا صدره عليه، وطمعوا فى المناصب، وأوحوا له بخطة عليه.
وبالفعل بمراجعة كتب التاريخ، وخاصة ما سجله الجبرتى، ذكرت أن محمد على كان يخاطب عمر مكرم بشديد التوقير والاحترام، وفى أحد الخطابات عندما طلب عمر مكرم أن يسافر للحج خاطبه الوالى، قائلاً «مظهر الشمايل. سنيها. حميد الشئون وسميها سلالة بيت المجد الأكرم والدنا السيد عمر مكرم».
متحف منزلي
أخذتنى السيدة راجية إلى أكثر من ركن فى بيتها، فبدا لى كمتحف أثرى احتفظت فيه بلوحات زيتية رسمها فرنسيون ومصريون لعمر مكرم، وكأن بعضها يروى حكاية من حكايات الزعيم وأسطوانات مدمجة أطلعتنى عليها تحتوى مخطوطات لجوابات من نابليون لعمر مكرم يحاول فيها جذبه لصفه ورشوته بمناصب فى الديوان، مستغلاً ما يحظى به السيد عمر مكرم من مكانة فى نفوس المصريين.
وبجوار لوحة مرسومة لعمر مكرم هناك صور عديدة لأفراد العائلة من بهوات وباشوات وهوانم.. وعندما سألت السيدة «راجية» عن حكاية وجود قبرين لعمر مكرم قالت «هناك جدى الأكبر المجاهد عمر مكرم، والآخر حفيده من ابنته الوحيدة زوجها لابن أخيه محمد مكرم ويسمى «الطويل»، وبجوار قبر الجد الأكبر جدى الأصغر، وهو ما نسميه «عمر مكرم الصغير». وهناك وقف باسم جدتى «زنوبة هانم المهدى» عبارة عن 25 فداناً من أجود أراضى بركة السبع ننفق منها على القبر ونذبح لإطعام الناس.
ومن ابنة الزعيم الأكبر كانت زرية لأفراد العائلة عديدة، ونحن ننتمى لنسل الحسن والحسين ابنى السيدة فاطمة الزهراء، أما والدى فهو محمود بك مكرم جدى لأبى عمر مكرم الصغير، أما والدتى فهى فاطمة هانم على عبادى.. تضحك راجية هانم قائلة: «جدى وجدتى تم زفافهما بعربة ملكية نمنسرية الفريق على باشا العبادى بشارع خيرت إلى شارع الملكة نازلى».
وفيما كنت اتصفح بعينى قارئاً ليس مشاهداً لتاريخ مصور سألت السيدة راجية. كيف بدا اهتمامك بقضية تكريم عمر مكرم؟
قالت: العائلة كبيرة، وأنا الحفيدة الأكبر الباقية على قيد الحية، ومنذ سنوات طويلة، وأنا أقرأ تاريخ جدى، لكن بصراحة لا أجده يحظى بما يستحق بما قدمه لبلادنا.. وحتى سنوات قريبة كنت أتساءل لماذا لا يكون هناك تمثال له كباقى الزعماء أمثال سعد زغلول وعرابى.
وكنت ذات مرة فى باريس، وزرت متحف اللوفر، فوجدتهم يحتفون بالرجل، ويضعون له تمثالاً نصفياً، وعندما عدت أرسلت للرئيس الأسبق حسنى مبارك، وإحقاقاً للحق طلبوا منى صورة طولية له فوراً وبالفعل وُضع التمثال بحضور المحافظ وكبار المسئولين بالدولة.
وقد ساعدنى زوجى زايد بيه سامى، ابن اللواء محمود باشا سامى، على جمع ما يمكن جمعه عن جدى ولم شمل العائلة، وكان معى وثائق أتت لى بها إحدى صديقاتى بكندا، ولا أعلم كيف وصلت إلى هناك، لكن للأسف هناك وثائق سرقت!!
واستطردت قائلة: نحن لا نبحث إلا عن حق الزعيم فى أن يعرفه أهل بلده الذين وقف بجوارهم ضد الظلم، ولم يفكر فى مكانة أو زعامة مثل غيره، فهو أول من طبَّق الديمقراطية فى اختيار الحاكم، وفرضه على العثمانيين، وكانت مصر أول دولة تفرض واليها وليس الباب العالى، ثم نفاه محمد على، بعد أن طلب منه تخفيف الضرائب على الناس، بل وسدد عنهم فخشى منه ونفاه، وبعد أن عاش حياة هادئة فى بيت منعزل فى مصر القديمة أراد الناس أن يلتفوا حوله مرة أخرى، فأرسل محمد على ضابطاً طرق بابه، وقبَّل يديه، وطلب منه فى أدب واحترام أن يغادر إلى طنطا، ولم يمنحوه الفرصة ليعد لسفره، بل أخبروه أن المركب فى انتظاره، ورحل إلى طنطا فى هدوء حقناً لدماء شعبه، ولم يكمل العام حتى توفاه الله.
ما الذى يربط أحفاد عمر مكرم الآن؟
- نجتمع على خير فى كل المناسبات.
من ترينه الآن أشبه بالزعيم عمر مكرم؟
- أقرب الزعماء الذين مروا على مصر شبهاً من السيد عمر مكرم هو الرئيس عبدالفتاح السيسى.
فيمَ يشبهه؟
- فى عشقه لأرض هذا البلد، وفى انتمائه وإخلاصه لوطنه وأهل بلده وتضحياته من أجله، فعمر مكرم لم يطلب زعامة، لكن الشعب اختاره كذلك فخامة الرئيس السيسى الذى أتمنى مقابلته، وهو تنازل عن نصف راتبه لمصر، كما فعل عمر مكرم الذى كان فاتحاً بيته للناس، وزاهداً فى الثروة، وسدد عن المدينين، وقف كلا الزعيمين بجوار شعبه ضد الأطماع الداخلية والخارجية.
و«السيسى» يشبه عمر مكرم فى حب الناس له، واكتسب شعبيته منهم فهو زعيم وطنى وشعبى.
ما وجه القصور فى الاحتفاء بعمر مكرم؟
- عندما تسألين بعض الناس يجهلون مكانته، هناك تقصير سواء في كتب التاريخ أو الأعمال الدرامية، فلم يحصل على ما يستحق.
كيف ترى حفيدة زعيم مصر الأول ماهية حب الوطن بالشكل الحالى؟
- الوطن يحتاج لوطنية حقيقية بعيدة عن الفساد والنفاق، تحتاج لتحمل تنازلات وتضحيات من أجل المصلحة العليا نحتاج إلى رضا وقناعة وعمل وحماس وللأسف نفتقد كثيراً هذه القيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.