حاولت إيقاظه إلا أنه بدا مستغرقا فى النوم، فاعتراها إحساس بالإشفاق عليه، عدلت وضع الغطاء فوق جسده الصغير، ثم نظرت إلى طفليها وقد وقفا ينتظرانها فى زيهما المدرسى، وأشارت إليهما بأن يتبعاها قائلة: - إنه نائم.. هيا بنا حتى لا تتأخرا. أحكمت إغلاق باب الشقة وهى تتمتم لنفسها: - حسناً فعلت يا صغيرى.. سوف تمهلنى اليوم فرصة لشراء احتياجات البيت بعد توصيل الأولاد للمدرسة، دون أن يشغلنى اصطحابك معى. قالتها وعادت لتتأكد من إغلاق الباب جيداً. -ماما.. ماما.. أين أنت؟ صاح بها الصغير بينما راح ينهض من فراشه متململاً، جال ببصره أرجاء الغرفة، ثم أسرع يغادرها إلى غرفة أمه وارتفع صوته منادياً، هاله أن اكتشف عدم وجود أمه، بل أفزعه أكثر وجوده وحيداً فى الشقة بأكملها. راح يطوف المكان باكياً وهو يصرخ باسم أخوته دون جدوى، كيف أخرج من هنا.. سوف يأكلنى الوحش الضخم مثلما أكل «جاك» فى الفيلم لأنه كان وحده. استرجع مشهد الوحش أمام عينيه، فانتفض نحو باب الشقة حاول فتحه وانهار عندما وجده مغلقاً. أجهش بالبكاء وقد تكور فى أحد الأركان وأخذ جسده يرتعش خوفاً. رفع نظره نحو باب الشرفة ولمعت عيناه، أسرع يفتح بابها ويدلف إليها، أحس بالاطمئنان عندما أبصر المارة فى الشارع من بين فتحات السور وتناهت إلى سمعه أصواتهم. مسح دموع عينيه وحاول أن يصل بجسده الصغير ليعتلى السور حتى يشاهد الشارع بأكمله إلا أن قامته القصيرة أشعرته بالعجز. أضاء وجهه بابتسامة فرحة عندما أبصر أحد الكراسى، جره وأسرع يقف عليه وقد تجاوز نصف جسده السور. لمح بعض الأطفال فى مثل سنه يلهون بكرة وقد راحوا يتقاذفونها بينهم، أخذه المشهد تماماً، وتنقل بصره بين أيديهم يراقب الكرة وكأنه بينهم. لم يشعر بجسده الذى صار أغلبه متدلياً خارج السور وهو يهتز مشجعاً الأطفال. صاح منادياً أحد أصحابه، و... واختل توازن الجسد الصغير، صرخ ويداه تضربان الهواء باحثاً عن شىء يتشبث به، طار جسده فى الهواء وقد راح يصرخ باسم أمه و... وارتطم جسد أحمد بالأرض بعنف وسكنت حركته للأبد.. وتحلقت عيناه بالسماء وقد سكنتهما نظرة رعب وألم.