في أحد دواوين قرية «أبو حزام» التابعة لمركز نجع حمادي، شمال قنا، كانت التجهيزات تجري على قدم وساق لإتمام مراسم صلح ثأري بين عائلتين في القرية المشهورة بالخصومات الثأرية، وأثناء العشاء وقعت مشادة بين طرفي العائلتين وتطور الأمر إلى مشاجرة بالأسلحة النارية وكاد الصلح أن يتحول إلى مأتم كبير! بالتزامن كان المنشد «أمين الدشناوى» حاضرًا لإحياء ليلة إنشاد احتفاءًا بإتمام الصلح، لم يجد «الدشناوى» سبيلا للاحتماء من وابل الرصاص سوى منضدة في الديوان، وكان مذعورًا مما يحدث، لم يكن «الدشناوى» وحده تحت المنضدة كان معه مرافقه الشيخ «أحمد أبو الحسن» الذي نصحه أن يبدأ الوصلة الأولي من الإنشاد تحت المنضدة، وبتحسب شديد نجح أمين الدشناوى في الحصول علي الميكروفون، وبدأ ينشد منفردًا دون فرقته حتى أجبر من يطلقون النار علي التوقف، وعاد الهدوء إلى الديوان ليجد «الدشناوى» جزءًا من الحائط الذي يجاوره دمر تمامًا من فرط إطلاق النار. «ريحانة المداحين» الشيخ أمين نصر الدين الدشناوى، شخصية تملك جماليات الحكى عنها، تلك الجماليات التي رافقت ذلك الصبي منذ أن كان في التاسعة من عمره، حيث انعزل عن ذويه ليمدح بعفوية وفطرة الصغار النبي محمد «صلى الله عليه وسلم»، كان يستيقظ مادحًا وينام مادحًا، حتى أصبح مثل عود الريحان الذي يفوح شذاه في الأرجاء والبلدان ليؤلب العشاق على التنسم من عبيره الفواح النقي الذي يحيل الروح أن تصفو، عود الريحان الذي نبت في مركز دشنا بمحافظة قنا، وتفتح في إدفو على يد معلمه الشيخ «أحمد أبو الحسن» ملهمه وأستاذه وكاتب قصائده الرائعة التي تفيض بالمعاني الصوفية، فاح شذاه في كل مصر في مدنها وقراها ونجوعها محبيه وعشاقه من كل الطبقات بدءًا من الجالسين على المقاعد الوثيرة وحتى الجالسين على المصاطب الطينية في الدواوين الصعيدية وحتى المارة في ميدان «الشانزلزيه» في فرنسا. جذب الإنشاد الديني أمين الدشناوى، وهو في عمر الثالثة عشر، واستغرق فيه علي حساب دراسته، مما دفع والده إلى عدم التصريح له بالخروج من المنزل، وكانت أسرته تقدم له الطعام من نافذة الغرفة لفترة طويلة، يروي «الدشناوى» أنه ظل فترة حبيس المنزل، إلى تقابل والده مع أحد الصالحين الذي نصحه بالتصريح له بممارسة نشاطه وقال له « أمين ده بتاعنا اتركه من مصلحتك»، وتتلمذ علي يد الشيخ أحمد أبو الحسن في ساحته في قرية «الكلح» التابعة لمركز إدفو في أسوان، ويعتبر الدشناوى الشيخ أحمد أبو الحسن هو من ثقله وألهمه في الإنشاد. لم يدرس «الدشناوى» المقامات الموسيقية، ولكنها أتقنها من الخبرة والممارسة، وهو يستعير في أحيان كثيرة ألحان أغاني «أم كلثوم» لينشد عليها القصائد الصوفية، وهو يفسر ذلك أنه يأتي بمحض الصدفة من خلال تراكم سماعه لتلك الألحان في الشوارع والمقاهي، ولا يرى في ذلك انتقاصًا من القصائد أو منه، وربما ذلك سبب من أسبابه شيوعه الكبير في الأوساط الشعبية، كون اللحن قريبًا علي الأذن، وكان أداء أمين الدشناوى التلقائي سببًا في ظهور الكثير ممن يقلدونه في الإنشاد والأداء الحركي، وهو يري نفسه صاحب حنجرة خاصة ويرحب في الوقت نفسه بمن يقلدونه! في فترة رئاسة «جاك شيراك» للجمهورية الفرنسية، دعت وزارة الثقافة الفرنسية أمين الدشناوى لحفل يقام في مسرح «شاك ليه» وهو أحد أعرق وأضخم مسارح فرنسا ويوازي دار الأوبرا المصرية، بمناسبة عيد إعلان الجمهورية الفرنسية، وحضر الحفل الرئيس الفرنسي ورجال الدولة وأنشد «أحجارًا إذ مر تسلم عليه بل تؤدى له التحية، دعا للشجرة أتته تسعى تفج الأرض مسرعة قوية، غزالة له اشتكت والضب سلم وذئبا حرس غنم الراعية» ونقل له معاوني «شيراك» إعجابه به، وتكررت زيارات الدشناوى إلى أوربا حيث أنشد للجاليات الإسلامية في السويد وألمانيا كما تكررت زياراته إلى فرنسا 4 مرات. يلفت نظر الحاضرين حفلات أمين الدشناوى قيامه بإخفاء عينيه بيده أثناء الإنشاد الذي قد يمتد إلى 5 ساعات متواصلة، وهو يفسره ل «الوفد »، قائلا «هناك أشياء كثيرة أراها ولا يراها غيري وأحاول أن أكون في حالة اندماج كامل وانتظر فضل الله فتأتي الكلمات والألحان دون اتفاق مع أحد حتى الذين يعزفون ورائي لا يعرفون ماذا سأنشد وكيف يأتي اللحن، فإذا ما أتي اللحن اندمجت الفرقة معي وكأننا اتفقنا وتدربنا مرات عديدة ويأتي الحفل أن شا الله تعالى عالي المستوى». كان استقرار أمين الدشناوى لفترات طويلة في ساحة الشيخ أحمد أبو الحسن في إدفو في بداياته سببًا في أن يتعرف علي شيخ يدعي «العربي» وهو يعتبره من تنبأ بنجاحه، يقول «كنت اذهب لإدفو وأنا أحمل الدف بخجل شديد، بشرني الشيخ العربي بأشياء حدثت لي قال سوف تصبح مداحًا للرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المشاهير ويعلو صوتك ويصدح بالقصائد في كل مصر، وأنني سوف أزور بلادًا بعيدة مداحًا سيدنا النبي، وقال لي هي بلاد نصف شهورها ليل والآخر نهار، وقد تحقق ذلك فقد دعوت لزيارة السويد وأنشدت في مجمع إسلامي كبير ولا تندهش إذ قلت لك أنني رأيت بعيني في ذلك البلد، مجذوبًا في الشارع يقول نصف شهورها ليلا والنصف الآخر نهارا مدد يا شيخ عربي !.