لمنطقة الحسين بالقاهرة، بريق خاص يختلف عن غيرها من المناطق بالمحروسة، بكونها عاصمة الدولة الفاطمية منذ مئات السنوات، فلكل حارة بها شاهدة على تاريخ لم يستطيع المؤرخين حصر لمن مر عليه من ملوك ووزراء ومواطنين حتى الآن، وتصدرت روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ، وتغني بها الفنان محمد عبد المطلب. فعند دخولك منطقة الحسين، وبالتحديد شارع المعز لدين الله، لن تسقط عينك إلا على الفنون المتاحف الإسلامية، ولن تسمع اذنك سوي أصوات المطارق الحديدية، التي تنبعث من الورش المنتشرة فيه والتي لا تكف عن الطرق من الصباح حتى المساء، وكأنها في عزف مستمر على أسطح النحاس المختلفة. اتخذ تجار النحاس بالدولة الفاطمية آنذاك، شارع المعز بالقاهرة، لتصنيع وبيع أواني الطهي للطعام، وأباريق المياه، ومستلزمات المقاهي، وقدر الفول، والنجف، بالإضافة إلى قطع الديكور التى تستخدم فى دور العبادة والمنازل، ورغم أهمية مهنة النحاسين التاريخية، إلا انها تحتاج إلي من ينقذها من الانقراض، وذلك لتضائل عدد الصناع والعاملين بها، وتراجعت نتيجة ارتفاع سعر النحاس مقارنة بمواد أخري تستخدم في وقتنا الحالي مثل الألومنيوم. خلال عقد الستينيات، كانت من عادات المصريين البسطاء، اقتناء الأواني النحاسية، التي لم يخل منها أي منزل، اما الان اختلف نمط حياة المواطنين، وباتوا يعتبرون ان المصنوعات النحاسية لا تعدو كونها قطع فنية للزينة فقط، وانحصرت زوارها الان على عليه القوم، والسائحين الأجانب، الهادفين في اقتناء الأنتيكات القديمة. الحاج محمد أشرف، أحد أقدم النحاسين فى المنطقة، يقول اثناء عزفه على قطع النحاس بمحلة الصغير، المليء بالقطع الفنية، وقد شاب عليه الزمان،« إن المهنة بتنقرض، والأجيال الجديدة متعرفش حاجة عنها، ولا يمتلكون الخبرة الكافية للحفر على النحاس، ووضع البيع أصبح قليل جدًا بعد 25 يناير، علشان مفيش سياحة فى مصر، وإحنا تعبنا من فصال المصريين». ويتابع أشرف، وهو منهمك فى عمله، قائلاً:« احنا كلنا دلوقتى شغالين على الزبون المصري إللى بيشتري القطع الصغيرة، أو بنعتمد على بعض الفلاحين من المحافظات المحتفظين بالعادات القديمة فى شراء أواني النحاس فى تجهيز العرائس».