وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    بالصور.. انطلاق أول أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى الأراضي المقدسة    سينتكوم يعلن إسقاط 5 مسيرات أطلقها الحوثيون فوق البحر الأحمر    شيكابالا يطلق مبادرة للصلح بين الشيبي والشحات، واستجابة فورية من نجم الأهلي    هدوء يشوبه الحذر، الأرصاد تحذر المصريين من 3 ظواهر تقتل المتعة بطقس اليوم    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    فيديو ترويجي لشخصية إياد نصار في مسلسل مفترق طرق    الحوثيون أطلقوا 5 صواريخ بالستية مضادة للسفن في البحر الأحمر    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    إسرائيل تسير على خط العزلة.. والاعتراف بدولة فلسطين يلقى قبول العالم    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    اليوم.. الحكم علي المتهم بقتل طليقته في الشارع بالفيوم    حزب الله يبث لقطات من استهدافه تجهيزات تجسسية في موقع العباد الإسرائيلي    ادخل اعرف نتيجتك..نتائج الشهادة الإعدادية في محافظة البحيرة (الترم الثاني) 2024    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    ارتفاع أسعار اللحوم في مصر بسبب السودان.. ما العلاقة؟ (فيديو)    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    إصابة 6 أشخاص في حادثي سير بالمنيا    كريم العمدة ل«الشاهد»: لولا كورونا لحققت مصر معدل نمو مرتفع وفائض دولاري    حسين عيسى: التصور المبدئي لإصلاح الهيئات الاقتصادية سيتم الانتهاء منه في هذا التوقيت    إلهام شاهين: "أتمنى نوثق حياتنا الفنية لأن لما نموت محدش هيلم ورانا"    هل يمكن أن تدخل مصر في صراع مسلح مع إسرائيل بسبب حادث الحدود؟ مصطفى الفقي يجيب    شيكابالا يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن زيزو    «مستعد للتدخل».. شيكابالا يتعهد بحل أزمة الشحات والشيبي    «خبطني بشنطته».. «طالب» يعتدي على زميله بسلاح أبيض والشرطة تضبط المتهم    إرشادات للتعامل مع مرضى الصرع خلال تأدية مناسك الحج    نشرة التوك شو| تحريك سعر الخبز المدعم.. وشراكة مصرية عالمية لعلاج الأورام    باختصار.. أهم أخبار العرب والعالم حتى منتصف الليل.. البيت الأبيض: لم نر أى خطة إسرائيلية لتوفير الحماية للمدنيين فى رفح.. النمسا: مبادرة سكاى شيلد تهدف لإنشاء مظلة دفاع جوى أقوى فى أوروبا    3 أبراج تجد حلولًا إبداعية لمشاكل العلاقات    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    شعبة المخابز تكشف حقيقة رفع الدعم عن رغيف الخبز    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    طريقة احتساب الدعم الإضافي لحساب المواطن    تراجع سعر الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    «الأعلى للآثار» يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بعد ترميمه.. صور    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    الوقاية من البعوضة الناقلة لمرض حمى الدنج.. محاضرة صحية بشرم الشيخ بحضور 170 مدير فندق    «زي المحلات».. 5 نصائح لعمل برجر جوسي    ما حكم الصلاة الفائتة بعد الإفاقة من البنج؟.. أمين الفتوى يجيب    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات العربية.. وحقوق الإنسان
نشر في الوفد يوم 19 - 12 - 2011

مفعمة بحيوية الثورات العربية مرت الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من الشهر الجاري، ليس لأن الانتهاكات المريرة لحقوق الإنسان العربي كانت الدافع الرئيس والمحرك لهذه الثورات، وأوضح صورها إذلال البوعزيزي وقتل خالد سعيد وتعذيب أطفال درعا، بل بسبب الملامح
الجديدة التي بدأت تتشكل في ظل هذه الثورات وتعطي حقوق الإنسان معانيها الأصيلة كجزء طبيعي من القيمة المعنوية والدلالية للإنسان وكعامل ناجع في مواجهة ما تعانيه مجتمعاتنا من أزمات وأمراض!
الحقيقة، لقد هزت الثورات العربية في العمق مكانة الآيديولوجية الوصائية في حياتنا التي كانت تعطي الأفضلية المطلقة لتصوراتها المسبقة وقيمها الثابتة على حساب الإنسان وحقوقه، وتعتبر هذه الحقوق مسألة كمالية ونافلة لا تحتاجها مجتمعاتنا، وتروج لثقافة مشوهة وذرائع مضللة تخلق تعارضا بين مبادئ حقوق الإنسان، والبرامج التنموية والسياسات الوطنية والقومية، فباسم الكفاح من أجل التحرير والوحدة العربية برر التيار القومي رفضه لمبادئ حقوق الإنسان على أنها وسيلة استعمارية لتمكين النفوذ الغربي ومطامعه، ووقف التيار الاشتراكي ضدها لأنه رأى فيها بوابة تستخدمها الليبرالية للتفريط بالعدالة الاجتماعية، بينما رفضها تيار الإسلام الأصولي لأنه يراها في حسابات الخصوصية العربية والإسلامية بدعة غربية وغريبة عن مجتمعانا وكونها تمنح البشر القدرة على تقرير مصائرهم وتجعلهم مصدر السلطات بينما تقول مرجعيته بأن الحاكمية هي لله، والأسوأ الطعن بأهلية الناس في ممارسة هذه الحقوق وأن إطلاقها يهدد أمن المجتمع واستقراره، أو استغلال ما تمارسه بعض الدول الغربية وإسرائيل على وجه التحديد من انتهاكات لحقوق الإنسان كحجة لحرمان المواطن العربي منها!
وأن نعترف بوجود خصوصيات ثقافية يجب مراعاتها، لا يعني إنكار حقيقة أن الناس في عموم الأرض هم بشر متساوون ولديهم حاجات مشتركة يتعين تلبيتها، فحق الإنسان في الحياة وضمان حريته والحفاظ على كرامته قيم لا تتغير أبدا، بل هي ثابتة في كل وقت وفي كل مكان، وجوهرها يتخطى التنوع والتعددية الثقافية، بل إن الخصوصية الحضارية والدينية لمجتمعاتنا التي يدعو البعض للتمسك بها هي، بداهة، خير من يرسخ شعور الإنسان بالحرية والكرامة والمساواة!
رسالة الثورات العربية واضحة في رفض مقولة أن لا معنى للحرية مع الفقر ولا لحقوق يعجز السواد الأعظم عن التمتع بها بسبب الأمية والحرمان، وفي إرجاء تمكين المواطنين من بعض حقوقهم المشروعة بحجة أولوية أهداف التنمية والقضية الوطنية. والدليل تقدم شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي رفعت في كل ساحات التظاهر والاعتصام، وقد استشعر الناس ربما بحسهم العفوي أن نيل هذه الحقوق هو الخطوة الصحيحة التي توفر فرص استقرار الحياة السياسية ونجاح النهضة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
إذا كان من الخطأ أن تقتصر فكرة التنمية على البعد الاقتصادي لأنها، ومن دروس التجارب الملموسة في عصرنا الحديث، محكومة بالفشل إن لم تتسع لتتضمن دولة القانون وحقوق الإنسان والحريات، فمن الخطأ أيضا وضع تعارض بين حقوق الإنسان وأي مهمة قومية أو هدف وطني، بل التأكيد على أن تمكين الناس من حقوقهم هو السند الحقيقي والداعم للانتماءين الوطني والقومي، وأن الذود عن البلاد وصيانة الاستقلال والواجب القومي لن يستقيم إن سادت روح قهرية تحجب حقوق البشر وحرياتهم أو تسحق شعورهم الإنساني بالمواطنة والمساواة!
وبالفعل، دفعت الثورات العربية مفهوم المواطنة إلى الصدارة وهتف أهلها بالمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والقومية، وأيضا بمساواتهم أمام القانون كأحد أهم مبادئ حقوق الإنسان، ولعل خير بادرة في هذا السياق، إصرار الشعوب، وعلى الرغم مما عانته من حكامها، على مبدأ المحاكمات العادلة سبيلا وحيدا للحساب والعقاب بعيدا عن الثأر والانتقام، ولا يغير من جوهر هذه الحقيقة ما حصل مع القذافي وأولاده، كما لو أن هذا الحدث هو أشبه بالاستثناء الذي يؤكد القاعدة!
والنتيجة، فقد قالت الثورات العربية كلمتها بأن أوضح عنوان لتخلفنا ولحالة الضعف والارتباك التي نعانيها هو عندما ذهبت مجتمعاتنا العربية منذ فجر الاستقلال حتى اليوم إلى اعتبار حقوق الإنسان قيما غريبة عن ثقافتنا، واختارت معاداتها ومواجهتها بمناخات لا تؤمن بالإنسان وحريته ومشاركته، بل تسوغ، على النقيض من ذلك، أساليب القوة والاضطهاد والعنف.
في ضوء ما سبق، وعلى الرغم من النقلة الكبيرة التي حققتها الثورات في معاني حقوق الإنسان العربي، يبدو أن ثمة الكثير من المهام لا تزال أمامها لنصرة هذه الحقوق وتمكينها، تبدأ بالتشديد ودون تهاون على أن الأعلى والأنبل في دنيانا هو الكائن الإنساني الماثل من جسد وعقل وروح في مواجهة طغيان الآيديولوجية وغطرسة المصالح الضيقة وحماقة العنف والقوة، وتتجه للتأكيد على أهمية ثقة البشر بأنفسهم وبجدوى دورهم في انتشال مجتمعاتهم من الحال البائسة التي وصلت إليها.
وبعبارة أخرى، لقد تبدل العالم بسرعة كبيرة وكذلك أنماط الحياة والأفكار وباتت حقوق الإنسان تحتل مركز القلب من كل اهتمام، لكن ثقافتنا العربية وللأسف بقيت عموما أسيرة ثوابت وأصول، محاصرة بالعقائد والشعارات العتيقة وتتعامل مع مهام المجتمع الملحة على أنها أمر يمكن القبول به أو رفضه بناء على المرجعية الآيديولوجية، وبقي قطاع مهم منها يحمل الأمراض ذاتها في موقفه من الكائن البشري، ويستسهل التضحية به وبحقوقه على مذبح رؤية سياسية أو فكرية، أو في أحسن الأحوال، مترددا أو مقصرا في إحداث فك ارتباط مع أفكار الماضي وتصوراته، لجهة الدفاع عن جديد العلاقة بين الأهداف الوطنية والقومية وبرامج التنمية وبين حقوق الإنسان وإعطاء هذه الأخيرة الأولوية التي تستحقها، مما يتطلب ولحماية حلم الثورات العربية، الاستمرار في تنظيف البيت من الوعي الإقصائي العتيق، ورفض أي تحديد أو تحجيم لمفهوم حقوق الإنسان بحجة الخصوصية أو تحت أية ذريعة كانت، والتأكيد على أن هذه الحقوق تبدأ من حيث الجوهر بالاعتراف بالإنسان بصفته روحا بشرية جديرة بالحياة والاحترام التام، بغض النظر عن اللون والجنس والعرق والمعتقد، وتصل إلى حد الاعتراف به بصفته ذاتا حرة وندّا ذا حقوق متساوية في الحرية والكرامة والعمل والاجتهاد.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.