ينشرون فى الشوارع، ووسط أكوام القمامة يلتقطون أشياء، ويتركون أخرى.. تتفاوت أعمارهم فيما تتشابه أوضاعهم المادية المتردية، وأحوالهم الأسرية التى تحمل بين طياتها قصصاً مأساوية. تجولت فى بعض الشوارع وبين أكوام القمامة فى شبرا الخيمة فرأيت رجلاً فى العقد الخامس من عمره، يرقد بجوار قطة ميتة ومتحللة تحيط بها الحشرات من كل جانب، بينما تسيطر على المكان رائحة كريهة. أيقظناه لنسأله عن سبب نومه فى هذا المكان. إبراهيم محمد همام يروى قصته قائلاً: أبلغ من العمر 58 سنة وأسكن أنا وزوجتى وأربعة أولاد فى شقة غرفة واحدة وصالة بإيجار شهرى 200 جنيه. أستيقظ من نومى لأتجول بين مقالب القمامة أبحث عن البلاستيك أو أية معادن أخرى لأبيعها وأعود إلى منزلى بثمنها. يضيف «همام»: لأننا نعيش اليوم بيومه، ويشتد عليَّ المرض فى كثير من الأحيان ولا أستطيع الخروج من المنزل، اضطررت لإخراج أولادى من المدارس بسبب عجزى عن سداد المصروفات، لكننى لم أدفع بهم للخدمة فى المنازل رغم شدة فقرنا، واحتياجنا للمال. سألته عن الانتخابات البرلمانية ومرشحى مجلسى الشعب والشوري، فأجاب: كيف للفقراء والباحثين عن لقمة العيش أن يفكروا فى السياسة وأنهى كلامه قائلاً: ربنا يعدينا منها على خير، وعاد يستكمل بحثه عن البلاستيك وسط القمامة. رأيت رجلاً آخر يفتش فى أكوام القمامة لبضع دقائق، ثم أمسك بيديه مجلة بالية، وعقلة قصب انتظرت حتى انتهى من التصفح وإذا به «يستلقي» على الأرض مبتسماً. وإليه أسرعت لأعرف سر الابتسامة. قال اسمى حسن رزق - عاطل بالوراثة - من مواليد 1973 وحاصل على دبلوم التجارة.. أعيش مع عائلتى التى تضم سبع أخوات بغرفة واحدة داخل حارة بحى شبرا بالقاهرة حاولت الانتحار أكثر من مرة لكننى فشلت.. وأكثر ما يسعدنى هو الذهاب إلى أكوام القمامة لأتصفح المجلات والكتب، وأتناول ما تشتهيه نفسى من أطعمة «برتقالة نصفها مضروب والآخر يمكن أكله، تفاحة.. «عقلة قصب». انتقلت لقرية «نوي» بقليوب لنرى مشهداً مماثلاً بطله شاب معاق. حكى لنا مأساته فقال: اسمي: أحمد بيومي.. عمرى 20 عاماً.. يتيم الأم، أما الأب فلا أعرف عنه شيئاً.. لا أملك مأوي.. الجمعية الشرعية تساعدنى ب 20 جنيهاً، وأطمع فى مساعدة مماثلة من التضامن الاجتماعي. ويضيف بيومي: «بأكل عيش حاف لأرضى جوعى بدلاً من أن أتذلل للناس» ثم بادرنى قائلاً: نفسى أذوق طعم الفراخ. وبالقرب من مبنى محافظة القليوبية، وعلى الرصيف أيضاً رأيت كوخاً خشبياً بداخله رجلاً فى العقد السادس من عمره.. كان مستلقياً على كنبة خشبية، ويستند على وسادة بسيطة ويلتحف ببطانية، وعلى الرصيف المقابل وجدت كنبة أنتريه رثة، سمعت منه حكايته فقال: اسمى رجب محمد علي.. عمرى 60 سنة، أعمل حارساً بشركة الصرف الصحي.. متزوج ولدى بنتان، أعيش فى الشارع، ولا أعود لمنزلى إلا مرة كل شهر لأمنحهما ما أتقاضاه وهو يتراوح ما بين 400 إلى 500 جنيه لسداد إيجار الشقة والتكفل بنفقات علاج زوجتى المريضة بالكبد. طالب «رجب» المسئولين بأن ينظروا لحاله هو وغيره، ويرحموهم من غلاء الأسعار، وناشد وزير الصحة ليوافق على علاجه من إصابته بالغضروف على نفقة الدولة. وأكد أنه تراجع عن التقدم بطلب لوزارة الإسكان لتوفر له شقة بدلاً من شقته الضيقة التى يعيش بها حالياً بسبب عدم امتلاكه ثمن جدية الحجز الذى يبلغ خمسة آلاف جنيه.