لم تكد تمر أيام قليلة على حادث "آر كيو 170 " ، إلا وفوجئ الرئيس الأمريكي باراك أوباما بضربة موجعة جديدة ولكن هذه المرة من سيشل وليس إيران. ففي 14 ديسمبر ، أعلن متحدث باسم القوات الجوية الأمريكية عن تحطم طائرة بدون طيار من طراز "أم كيو 9" في جزر سيشل بإفريقيا. ورغم أن المتحدث اكتفى بالقول إن الحادث وقع في مطار سيشل الدولي ولم يكشف تفاصيل أخرى ، كشفت شبكة "أي بي سي نيوز" الأمريكية أن واشنطن تستخدم طائرات بدون طيار لاستهداف العناصر المسلحة الموالية لتنظيم القاعدة داخل الصومال عبر جزر سيشل ، الأمر الذي يؤكد صحة التقارير المتزايدة حول مسئولية الولاياتالمتحدة عن غارات مجهولة تقع في الصومال بين الفينة والأخرى. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" كشفت في أكتوبر الماضي أن الولاياتالمتحدة تبني شبكة من القواعد السرية لطائرات بدون طيار في القرن الإفريقي و"شبه الجزيرة العربية" في إطار حملة نشطة ضد جماعات مرتبطة بالقاعدة في الصومال واليمن. وأضافت الصحيفة أن الجيش الأمريكي أطلق طائرات بدون طيار فوق الصومال واليمن من قواعد في جيبوتي وأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي اي ايه" تبني مهبطا سريا للطائرات في "شبه الجزيرة العربية" لتتمكن من نشر طائرات بدون طيار فوق اليمن. وتابعت أن الولاياتالمتحدة تستخدم أيضا مطارا مدنيا في إثيوبيا لإقلاع طائرات عسكرية بدون طيار في عمليات ضد حركة شباب المجاهدين في الصومال ، موضحة أن مطار "اربا مينش" الواقع جنوب إثيوبيا يدخل ضمن شبكة القواعد السرية لإقلاع طائرات أمريكية بدون طيار في القرن الإفريقي. وأوضحت "واشنطن بوست" أيضا أن سلاح الجو الأمريكي صرف ملايين الدولارات لتجديد المطار الإثيوبي لاستخدامه كقاعدة لتلك الطائرات التي أطلق عليها "ريبر" . وانتهت إلى القول إن واشنطن أنشأت واحدة من تلك القواعد السرية في جزر سيشل بالمحيط الهندي وإن أسطولا صغيرا من الطائرات الصائدة القاتلة بدأ عملياته انطلاق من الجزر في أكتوبر 2011. وبالإضافة إلى ما ذكرته "واشنطن بوست" ، فقد أكدت البرقيات الدبلوماسية الأمريكية السرية التي حصل عليها موقع "ويكيليكس" الإلكتروني أن طائرات بدون طيار نفذت مهاما لما سمته مكافحة الإرهاب فوق الصومال وأن مسئولين أمريكيين طلبوا من المسئولين في سيشل الحفاظ على سرية هذه المهام. وفيما رفض البيت الأبيض التعليق على التقارير السابقة ، اعترف مسئولون في جزر سيشل بوجود طائرات بدون طيار في بلادهم ، إلا أنهم زعموا أن مهمتها الأولى هي ملاحقة القراصنة. ويبدو أن حادث "أم كيو 9" جاء في توقيت مناسب جدا لفضح المزاعم السابقة وكشف المستور حول الحرب السرية التي تشنها واشنطن في الصومال ، هذا بالإضافة إلى أنه سيضاعف مأزق أوباما والبنتاجون خاصة بعد حادث "آر كيو 170 " في إيران. وكانت إيران أعلنت أن وحداتها الخاصة بالحرب الإلكترونية أسقطت في 4 ديسمبر طائرة "آر كيو 170 سانتينل" دخلت إلى الأجواء الإيرانية من أفغانستان، وأجبرتها على الهبوط بدون أضرار كبيرة على بعد 250 كلم من الحدود في منطقة طبس الصحراوية شمالي شرقي البلاد. وبعد حالة من الارتباك في الولاياتالمتحدة استمرت حوالي 10 أيام ، خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الملأ في 13 ديسمبر ليعلن أن بلاده طلبت من إيران إعادة الطائرة . وفي المقابل ، أكد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن بلاده لن تستجيب للطلب الرسمي الأمريكي الذي قدمته إدارة أوباما ، وقال في مقابلة مع التليفزيون الفنزويلي :" إن الأمريكيين قرروا على ما يبدو إهداءنا الطائرة التجسسية" ، مشيرا إلى أن في بلاده أشخاصا سيطروا على الطائرة ويستطيعون التحكم فيها وبالتأكيد تحليل محتوياتها ، بل واستنساخها أيضا لتجهيز القوات الإيرانية بها . ورغم أن بعض المسئولين الأميركيين عبروا عن شكوكهم في قدرة إيران على الاستفادة تكنولوجياً من الطائرة التي استولت عليها، إلا أن خبراء عسكريين حذروا من أن هذا الأمر يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر . فالطائرة مزودة بأكثر الكاميرات تطورا، وتحمل أجهزة استشعار عن بعد، يمكنها الاستماع لما يجري من محادثات عبر الهاتف النقال، كما أن بإمكانها أن تستنشق الهواء، وتتعرف على الجزيئات الكيميائية المنبثقة من أي مختبر نووي محتمل تحت الأرض. وظهرت قدرة هذه الطائرة خلال الغارة التي نفذتها قوات أمريكية خاصة على المجمع الذي كان يقطنه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان، حيث وفرت الرقابة اللازمة خلال تلك العملية التي قتل خلالها بن لادن. ويبقى الأمر الأكثر تهديدا للأمن القومي الأمريكي وهو أن حادث "آر كيو 170 سانتينل" أبرز الصراع الخفي أو الحرب الباردة الجديدة بين موسكووواشنطن والذي تميز دائما في سباق الطرفين نحو التسلح والتفوق التكنولوجي والعسكري . فقد كشفت وسائل الإعلام الروسية أن إيران أسقطت الطائرة الأمريكية بعد حصولها على نظام للتشويش من روسيا يدعى "أفتوبازا" ويستطيع الكشف عن الطائرات دون طيار والتشويش على اتصالاتها. أيضا ، فإن مصادر إيرانية كشفت أن وفدا عسكريا روسيا يضم خبراء في الهندسة العسكرية وصل إلى طهران للمساعدة في عملية فحص الطائرة الأمريكية وفك رموزها. والخلاصة أن الحرب السرية التي تشنها واشنطن على ما يسمى بالإرهاب تلقت ضربتين موجعتين في أقل من شهر في إيران وسيشل ، بل إن جدوى استخدام الطائرات بدون طيار بات محل شك كبير بين الأمريكيين ، خاصة وأن تكلفة إنتاجها مرتفعة جدا وتكاد تقترب من ميزانيات دول.