يظن البعض أن توصيل نائب محترم إلى مجلس الشعب أو الشورى، كفيل ببدء ممارسة حياة ديمقراطية سليمة. لا يعلم حسنو النية أن الديمقراطية الحقيقية تحتاج إلى منظومة متكاملة، كي تنجح في الخروج بالبلاد من الكوارث التي أفرزتها فترة الحكم البائد، وأن اصلاح المؤسسة التشريعية، يجب أن يبدأ بتنظيف البيت من الداخل. قد لا يعى هؤلاء كم الفساد الذي تراكم داخل مجلس الشعب على مدار عقود طويلة، جعلت من تلاميذ الاتحاد الاشتراكي، وضباط الدولة البوليسية ذراعا قويا في إدارة كل شىء. وواصلت جبهات الفساد دعم شبكاتها في كل ركن من أركان البرلمان، فضموا أمثالهم، بل إن افراخهم أصبحت لها اليد الطولى في داخل اللجان والإدارات التي تهمين على عمل البرلمان، لدرجة أن نجاح النائب وفشله رهينة علاقته بهذه النوعية من البشر. زيارة واحدة لمجلس الشعب كافية لتتعرف على الوجوه التي ستحكم قرار البرلمان القادم، فآلاف منهم عرفت طريقها للوظيفة بالمحسوبية والمصاهرة، مع مسئولين سابقين أو نواب شاركوا في إفساد الحياة السياسية برمتها. فالكفاءة تكاد تكون معدومة أو محدودة عن فئة قليلة، تجدها مطحونة في العمل أو منبوذة من رؤسائهم لأنهم يقولون كلمة الحق في وجه السلطان الجائر. وليس عجبا أن تجد نفسك غريبا وسط هذه الكوكبة من الموظفين والضباط السابق والمسئولين المطلوب خروجهم على المعاش منذ سنوات، وتؤمن أنك في أي مكان آخر غير مؤسسة تشريعية محترمة تمثل الأمة. فالأجواء حولك تخبرك أن أقل برلمانات العالم شأننا أفضل مما نحن فيه، وأن نواب الشعب وإن جاءوا بإرادة الأمة كلها، لن يفعلوا شيئا طالما ظل الحال على ما هو عليه داخل البرلمان المصري، المخول بإعداد أول دستور للبلاد بعد الثورة. عندما كنت أسر للبعض عما يجري في البرلمان من قبل كنت أتعرض للطرد من قبل المسئولين، وإن أعجب ذلك النفر القليل من الشرفاء داخل المجلسين، ولكن أظهرت الثورة أفضل ما في هؤلاء، إذا طردوا الخوف من قلوبهم. فمن هؤلاء الشرفاء من خرج عن صمته وأرسل بالأمس ندءا لمشاركتهم في مقاومة الفساد داخل البرلمان، حتى يأتي النواب الجدد على وضع نظيف، وإلا فالحسرة والندامة على الثورة ومن شارك فيها أو مات في سبيلها. يذكر البيان المطول: في حين تعيش مصر الآن مرحلة تحول ديمقراطى نأمل جميعا أن يستكمل على الطريق الصحيح، بعد ثورة مجيدة كان أول أهدافها القضاء على ملف التوريث الذى كان يحاك في دهاليز نظام فاسد مستبيح كل قيمة وعدالة وممتهن لكل كرامة، نجد ملف التوريث ما زال قائما ومستمرا بقوة في الأمانة العامة لمجلس الشعب، التى مازالت خاضعة لسيطرة بقايا فلول فساد النظام المنهار. ففى ظل نظام مبارك لم تكن هناك ادنى رغبة في خلق مؤسسة تشريعية محترمة تستحق وصف «السلطة التشريعية». لذا لم يقتصر التلاعب على «تلفيق» ممثلين للشعب لا يمثلونه من قريب أو بعيد، بل تم استكمال ذلك بحرمان المجلس من وجود أمانة فنية متخصصة بكفاءات تتناسب مع مقتضيات العمل التشريعى والرقابى والمالى للبرلمان. وبدلا من ذلك أصبحت أمانة المجلس ساحة للمجاملات والوساطات والمحسوبيات، التى تهدر كل معايير العدالة والكفاءة والتخصص، فتوزعت وظائف الأمانة بين أبناء الأعضاء وأقاربهم ومحاسيبهم، و«مجاليب» رؤساء المجلس المتتابعين من محاسيبهم ومحاسيب كبار رجال الدولة من العسكر والشرطة والقضاء ومن على شاكلتهم في اطار مجاملات مصلحية وتزلفات إلى كل ذى نفوذ في كافة مؤسسات الدولة. يضيف البيان: عمد الدكتور أحمد فتحى سرور ومعه الأمين العام سامي مهران على مدى عشرين عاما عجاف إلى تخريب الأمانة العامة وتجريف ما بها من كفاءات لصالح مئات من العسكر والمحاسيب وأبناء السيدة زينب –دائرة رئيس المجلس السابق. ومع نهاية عهد سرور كانت قيادات الأمانة العامة للمجلس مجموعة من الرتب العسكرية والشرطية من أمثال:....... وغيرهم العشرات من الضباط وأمناء الشرطة الذين تم تعيينهم بالمجلس. بل إن إدارة مثل إدارة المخازن والمشتريات أصبح بها من أمناء شرطة الحراسة السابقين لسرور والشاذلى ما يزيد على أبناء الأمانة العامة الأصليين، ولو استعرضنا العاملين بمكتب رئيس المجلس المحبوس لرأينا صورة فجة للمجاملات والفساد في الاختيارات. وفى ظلهما تم تأبيد بعض المواقع القيادية بالمجلس لأشخاص بعينهم تم المد لهم في الخدمة لسنوات وسنوات بعد بلوغهم سن التقاعد. فلم يقتصر ذلك على شقيقة رئيس المجلس الذي اخترع لها قطاع «خاص» بها، بل امتد إلى عدد من رؤساء القطاعات المهمة بالمجلس لصلتهم ببعض القيادات الصحفية أو العسكرية أو السيادية، وبعض خبراء «تطريز» القرارات والتسويات المالية والإدارية. ولابد هنا من الإشارة إلى أنه تم تأبيد الأمين العام نفسه الذى تجاوز سن التقاعد بنحو خمسة عشر عاما. ويضيف البيان: بدأت أولى ملامح ترسيخ فساد النظام القديم في مؤسسة مصر التشريعية مباشرة أثر يوم الخامس والعشرين من يناير حيث وفد رئيس المجلس السابق وكبار معاونيه إلى مبنى المجلس ليتخلص من أوراقه، ويستف الأمور لمن بقى من أركان دولته بتعيينات لأبناء المحظيين وترقيات لرجاله المخلصين، وترتيبات للأوراق المالية والإدارية التى قد تدينه. ووصل الأمر ذروته يوم صدور قرار حل مجلسى الشعب والشورى حيث قدمت سيارة محملة بالأوراق والقرارات إلى منزله ليقوم بتوقيعها بتاريخ سابق وأعادها في ليل إلى المجلس لتسود من قبل أمينه العام سامى مهران وتفرغ في قرارات سابقة التاريخ كان منها قرارات مد لأمناء الأمانة- عبد الغفار هلال وأحمد السيد ومجدى شريف وغيرهم- وقرارات تعيين لأحباء الأبناء - أحمد مهران ومجموعته كل ذلك على غير أساس شرعى أو قانونى. وكان منها قرار مد للأمين العام المساعد عبد الغفار هلال رئيس القضاء العسكرى السابق والذى أشاع أنه على صلات قوية بالمشير وبالمجلس العسكرى، وهو ما ثبت مع مرور الأيام، حيث تم تثبيت المستشارين سامى مهران وفرج الدرى بوساطة منه وتطمين بعدم تركهما منصبيهما إلا إذا قامت قيامة صغرى تجبر المجلس العسكرى على إقالتهما. ومن هنا نشط الأمينان في رأب أى صدع وأى ثورة ضدهما تكشف عنهما غطاء الستر والرحمة العسكرية، رافق ذلك وجود د. يحيى الجمل ذو الصلات السابقة بفتحى سرور وسامى مهران والذى ثبته في ركنه المنيع مفوضا إياه فيما يعلمه منه وفيما لا يعلمه. و يذكر البيان: بعد فترة وجيزة حدث ما كان يخشاه سامى مهران وحذره منه الآخرون، إذ قامت حركات احتجاجية في الأمانة على الفساد وتردى الأوضاع، جابهها سريعا لوأدها في مهدها بأن استخدم ذراع الغطاء على الجميع فعين نسبة من أبناء العاملين الثائرين وغير الثائرين من خلال مسابقة كان المجلس قد أعلن عنها قبل الثورة واستخدمها الأمين خير استخدام، حيث أرضى فيها الجميع بتعيين أبنائهم فيها خاصة أبناء العاملين بالشئون المالية والإدارية وشئون العاملين المؤتمنين على دفن القرارات وتعديل التأريخات وهو ما لاقى نجاحا كبيرا. ذلك نذر يسير من البيان، الذي سنواصل نشر بقيته العدد المقبل، حتى يكون الناس على بينة مما يجري في برلمانهم الذي مارس الفساد قبل الثورة ويريد له البعض أن يكون كذلك أثناء الثورة وما بعدها.