لم تكد تمر أيام على إعلان رئيس الوزراء الليبى الجديد عبد الرحيم الكيب تشكيلة حكومته, إلا وفوجئ الجميع باندلاع اشتباكات بين مجموعات من الثوار في طرابلس, الأمر الذي فجر بركان الغضب بين سكانها ودفعهم لتنظيم احتجاجات, بل والتهديد أيضا ببدء اعتصام مفتوح لحين إنهاء فوضى السلاح في العاصمة. ففي 7 ديسمبر, شهدت طرابلس مظاهرات حاشدة دعا إليها ائتلاف 17 فبراير، تدعو لحل المجالس العسكرية وكتائب الثوار والتشكيلات المسلحة وعدم حمل السلاح إلا بتصاريح صادرة عن وزارتي الدفاع والداخلية. ورفع المشاركون في المظاهرة شعارات تطالب بسيادة القانون وإخراج الثوار الذين قدموا من خارج العاصمة واستقروا فيها بعد أن شاركوا في إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي. وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "أخي الثائر شكرا لك اترك سلاحك وخذ كتابا", و"العاصمة لجميع الليبيين ولكن من سيسكنها هم المدنيون" , و"لا للكتائب المسلحة داخل طرابلس وضواحيها". ومن جانبها, نقلت قناة "الجزيرة" عن أحد القيادات في المجلس المحلي للعاصمة القول :" في حال عدم الاستجابة لدعواتنا فإن سكان طرابلس سيعتصمون في مدينتهم إلى حين خروج جميع المسلحين من الثوار", مشيرا إلى أن العاصمة شهدت مرارًا في الأيام الأخيرة اشتباكات مسلحة بين مجموعات من الثوار السابقين أوقعت قتلى وجرحى. ورغم أن المجلس الانتقالي وحكومته الجديدة كانا تمكنا الشهر الماضي من إيقاف خلافات بين مدينتي الزاوية وورشفانة بصعوبة بعد أن استخدم الجانبان الأسلحة الخفيفة والمتوسطة, إلا أن الوضع يبدو أكثر صعوبة في طرابلس . ولعل ما يدعم صحة ما سبق، أن إعلان عبد الرزاق العرادي نائب رئيس اللجنة الأمنية العليا حول صدور قرار بحل كتائب الثوار والتشكيلات المسلحة، وعدم حمل السلاح إلا بتصاريح صادرة عن وزارتي الدفاع والداخلية , لم يجد آذانا صاغية على أرض الواقع . وكان العرادي أشار في وقت سابق إلى أن هذا القرار اتخذ خلال الاجتماع الذي عقد بين رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل ووزير الدفاع أسامة الجويلي ومجلس طرابلس المحلي، مؤكدا أنه سينفذ قبل نهاية ديسمبر . وسرعان ما نفت الحكومة الليبية الانتقالية ما تناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام من أنها حددت مهلة أسبوعين حتى أواخر ديسمبر للمجموعات المسلحة كي تغادر مدينة طرابلس، مؤكدة أنه لم يصدر بيان عنها بهذا الخصوص. وفيما أشادت بالدور الذي قام به الثوار في تحرير البلاد، دعتهم إلى المساهمة في المرحلة القادمة وهي مرحلة بناء ليبيا الحديثة بما يحقق أهداف ثورة 17 من فبراير. وأبدت الحكومة استياءها من بعض الممارسات التي تسيء للثورة، داعية المواطنين إلى الالتفاف حول شعارات "نعم للعدل ونعم للداخلية ونعم للدفاع ونعم لمؤسسات الدولة". ولعل ما زاد المخاوف حول احتمال تدهور الوضع في طرابلس أن سكانها أغلقوا معظم الشوارع الرئيسية، وفرضوا إجراءات مشددة على دخول السيارات المحملة بميليشيات مسلحة , ما أدى إلى إحداث حالة من الشلل التام , وسط تحذيرات من احتمال اندلاع اشتباكات أيضا بين الأهالي والثوار . بل وذهب البعض إلى التحذير أن مهمة إنهاء المظاهر المسلحة في طرابلس قد تستغرق شهورا, بالنظر إلى خريطة الميليشيات التي تتقاسم السلطة وأماكن النفوذ في العاصمة والتي تتلخص في ثلاث: الأولى هي كتائب الزنتان القادمة من الجبل الغربي، وتستولي حاليا على مطار طرابلس، والثانية كتائب مصراتة وإن كان وجودها أقل، والثالثة كتائب المجلس العسكري لمدينة طرابلس بزعامة عبد الحكيم بلحاج. وذكرت صحيفة "القدس العربي" اللندنية أن الميليشيات السابقة ، وخاصة كتائب الزنتان والمجلس العسكري، في صراع مستمر، ويكنان لبعضهما البعض الكثير من الكراهية، بلغت ذروتها عندما أوقفت كتائب الزنتان بلحاج في المطار لساعات تحت ذريعة سفره بجواز سفر يحمل اسما مستعارا. ويبدو أن استبعاد الإسلاميين وعلى رأسهم بلحاج من الحكومة الجديدة زاد من الصراع بين بعض كتائب الثوار السابقين , وهذا ما ظهر في الخطة التي اتبعها المجلس الانتقالي للقضاء على فوضى السلاح بتعيين أسامة الجويلي قائد كتائب الزنتان وزيراً للدفاع، وقائد ثوار مصراتة فوزي عبد العال وزيراً للداخلية , إلا أنها لم تعط ثمارها. بل وأدت الفوضى الأمنية أيضا إلى تعليق معظم شركات الطيران العالمية لرحلاتها إلى مطار طرابلس، ودفعت الحكومة التونسية إلى إغلاق معبر رأس جدير الحدودي الذي يعتبر المنفذ البري الأشهر بالنسبة إلى الليبيين في المناطق الغربية. وأمام ما سبق , يحذر كثيرون من أن المهمة الأكبر لحكومة عبد الرحيم الكيب هي حفظ الأمن، وفرض النظام، وإعادة بناء هياكل الدولة، لن تكون سهلة , في ظل وجود الميليشيات المسلحة وتفاقم صراعاتها . ويبقى الأمل معقودا على أن يتوحد الليبيون مجددا حول هدف بناء الدولة بعد نجاحهم في التخلص من ديكتاتورية نظام القذافى.