الثورة هي ثورة الشعب، الشعب الأدبيّ في وجه الظلم والظلام الذي عم البلاد سنين عددا، الثورة باقية ما بقي الشعب، والشعب حي لا يموت. ويسألونك عن الثورة.. قل هي في يد الثوار؟؟ سأل سائل وترجمنا سؤاله في مقال سابق متسائلين في لهفة واضعي الأسئلة الحائرة: «إلي أين المسير يا سفينة القدر» واليوم أصبح التساؤل أكثر إلحاحاً، ثورتنا الكبري التي باركناها أين هي منا؟ وأين نحن منها؟ وإليها وإلينا المصير!! نقول إن الثورة استمدت وجودها من وثبة شعبية منقطعة النظير ثورة عملاقة اشترك فيها كل طوائف الشعب المصري، بإقدام وحماس فاق كل التصورات، وكأنه كان - أي الشعب العظيم - علي موعد مع القدر، حينما استيقظت الأمة علي المنادي ينادي: حي علي الكفاح حي علي الجهاد ضد الظلم و الظالمين، ضد ذلك «الحاكم الجاهل الذي استبعد كل القيم الإنسانية بغباء دونه غباء «عتاولة الأغبياء».. وكان أن أعلن الشعب المصري إرادته التي «ارتوت مع الحماس بدماء أعز الشهداء»، وكان الشهيد يسقط بعد الشهيد والحماس قائم، والهتاف صادر من كل القلوب «ودماء الشهداء خير شاهد وشهيد».. اليوم يوم الملحمة.. وانتصرنا.. انتصرنا وذهب اللصوص الذين سرقوا قوت الشعب وحطموا حاضره وماضيه ومستقبل الأمة خير شاهد وشهيد.. الثورة التي روتها وأينعتها وأثمرت كل مطالب الثوار وحققت أهدافها في فترة خيالية وكان أولها أن أسقطت الطاغية من فوق عرشه الذي حسبه أبدياً له ولأهله وولديه، ومعه سقط النقاب عن كل عصابته الواحد بعد الآخر، وهم الآن «كبيرهم والأربعين حرامي» في «مغارة طرة» علي ذمة تحقيقات قضائية عادلة، وسوف يعلم الظالمون جزاء من خرب البلاد وعم في عصرهم أبغض أنواع الفساد. الحرية عادت إلي عصمة الشعب، وهو الآن يعد العدة لحياة تشريعية تليق بثورته، فيها الصفاء وفيها الضياء وانتهي مع مولد الثورة «ليل الظالمين الأسود».. مصر عاد إليها كرامة المواطنين يخططون لعصر جديد، بدأت علاماته وآياته في كل ما يقوم به من تخطيط حكيم هو لصالح كل الناس في حاضرهم وعاطر مستقبلهم وكل هذا النصر المبين، لم يكن - كما رأينا - مفروشاً بالورود والفل والياسمين، بل كأي عمل عظيم، بدأ علي الشاطئ الآخر محاولات مستميتة من أنب «فلول وبقايا النظام المقهور ليطفئوا نور الثورة» تلك التي أفقدتهم وعيهم، وفي محاولات ضالة ومضللة باذلين فيها من الأموال المسروقة لرشوة «البلطجية وضعاف النفوس، وفاقديّ مراكزهم الوهمية التي كانوا يتمتعون بها زورا وبهتاناً» ولكننا نري كل يوم كيف انكشف أمرهم وسقط عنهم القناع بيقظة مبصرة لكل أبناء الشعب في وقفات عملاقة دفاعاً عن ثورتهم العملاقة، تلك التي ستظل في القمة باقية ما بقي الشعب، خالدة أبداً خلود شهدائها. وكان عنوان الثوار مواصلة الرسالة الوطنية التي قدموا فيها الشهداء قرباناً لبقائها، فداء ولبقاء ثورتهم والدفاع عنها «بالنفس والروح - إذا ضن الشجاع بها- والفداء بالروح أسمي غاية الجود». مصر مقدمة بفضل الثورة والثوار علي عصر جديد، وحياة سياسية وتشريعية واقتصادية واجتماعية جديدة تتفق تماماً مع «فلسفة الثورة» بقيادة الثوار وهم «فتية آمنوا بربهم من أجل غاية لن يحيدوا عنها سلامة الوطن، وعودة مصر العظيمة، مصر الحضارة إلي سابق عهدها وفي كلمة هي وجيز كل عبارات الثناء حقاً وصدقا». «مصر أم الدنيا» منها وضع التاريخ الإنساني عناصر حضارته، ومنها انطلق شعاع هذه الحضارة ليعم العالم أجمعين. ومهما حاول «المخلوعون وعصابتهم» ومهما حاولوا طمس عبقرية الثورة، ومعها دبروا بليل الرجوع بالتاريخ إلي «ماضيهم الأسيف» لن تقوم لهم بعد اليوم قائمة، الثورة في يد الثوار وفي قلوبهم وفي عقولهم، والثورة الإنسانية «ثورة الشعوب لا تموت» تحيا بهمتهم بتضحيتهم، وثورتنا وبرهان ذلك «دماء شهدائنا لم تجف» وفيه النور وفيه كل الأمل.. وكنت في طريقي أبغي أن يتوج هذه المعاني في باقة من باقات الفكر تعبر عن مكنون ما في الصدور. إذ وجدت - وكان اليوم يوم مصر يوم انتصرت الإرادة المصرية في 6 أكتوبر - وقع نظري علي عنوان للشاعر أمير شعراء هذا العصر والذي نحبه «فاروق جويدة» تحت عنوان: «العزل السياسي.. وأعداء الثورة» قال في بلاغة أخّاذة: رغم كل ما يحدث في الشارع المصري الآن من مظاهر الانفلات والارتباك والحيرة إلا أن كل الشواهد تؤكد أن هناك ميلاداً جديداً لوطن جديد.. والجنين حين يخرج إلي الحياة ويري نور الصباح يصرخ ويستغيث.. وهكذا الأوطان حين تخرج من كهوف البطش والاستبداد والقمع تحاول أن تطهر نفسها أولاً من براثن عهد بائد.. الأنهار تحمل الشوائب وتلقيها بعيداً.. والأرض تلقي ركامها المخزون في صورة براكين وزلازل حتي الأشجار تتخلص من كل ثيابها الشاحبة في انتظار ربيع قادم. وهذه هي مصر الآن تستعد لميلاد عصر جديد تتخلص فيه أولاً من اللصوص الذين نهبوها والسماسرة الذين باعوها.. والمرابون الذين تاجروا فيها.. هناك جبال تتحرك ودماء تتدفق في شرايين أجيال جديدة لم تتعفن ولم تترهل ولا تعاني من تصلب الشرايين.. وهناك شعب خرج إلي الشوارع ولن يعود مرة أخري إلي قفص الأفاقين واللصوص الذين سرقوا عمره واستباحوا تاريخه. وما أكثر شواهد هذا الصبح القادم أن البعض يتساءل كيف أكون متفائلاًوسط هذه الإحباطات والانفلات والفوضي.. وأقول ابحثوا عن هؤلاء الذين يدبرون ذلك كله. وما أكثر الشواهد. نري أنه مهما حاولوا أن يطمسوا وقود الثورة المقدس، أو يطفئوا نورها الأبدي لباءوا بالخسران المبين.