ما من حكومة حكمت مصر إلا وألقت شماعة فشلها على «حدوتة الانفجار السكانى»، وقد كانت هذه الشماعة جاهزة دائماً فى عهد مبارك بل استخدمها هو بنفسه وكثيراً ما طالب بتحديد النسل وكثيراً ما وجه الرجال المصريين عبر خطاباته بأن «يخفوا شوية» على حد قوله، إشارة إلى أهمية مواجهة الزيادة السكانية بل كان يعتبرها خطراً على ما كان يسميه إنجازات. واليوم.. يعيد رئيس الوزراء شريف إسماعيل نفس الحكاية والرواية ولو بشكل آخر. متهماً الزيادة السكانية بأنها وراء كل كوارث مصر وأزماتها المستعصية، ويبدو أنه يريد بنا العودة إلى الإعلانات إياها والخاصة ب«حسانين ومحمدين» فهى التى ستقضى على أزمة الدولار وستسد عجز الميزانية وستحفظ ماء وجه الحكومة. نعم لا يختلف اثنان على أن الزيادة السكانية مشكلة ولكنها ليست سبب كل المشاكل والأزمات الاقتصادية التى يعانى منها المصريون. وصحيح أن عدد المصريين تجاوز ال91 مليون نسمة وسيصبحون فى نوفمبر القادم نحو 100 مليون نسمة ولكن هذه الكثرة التى تعتبر ميزة كبيرة فى دول أخرى لا ينبغى أن نجعلها وحدها سبب ما نحن فيه من بؤس وفقر وتآكل حاد للطبقة الوسطى وانهيار تام للطبقة المعدمة والفقيرة. فهذه الزيادة وكما يؤكد الخبراء يمكن الاستفادة منها إذا ما تم استغلالها بشكل أمثل، أما إذا أهملت دون برامج تشغيل واستخدام للطاقات ستصبح هذه الزيادة شوكة صلبة فى ظهر كل جهود التنمية وستلتهم كل ما يأتينا من موارد، فهل هي نعمة أم نقمة؟ وهل نجح تنظيم الأسرة فى حل المعضلة بعد أن أنفقت على حملاته الملايين. كل المؤشرات تؤكد أن مشكلة الزيادة السكانية فى مصر لم تتم مواجهتها بالشكل الجيد، وما زلنا نتعامل معها بأفكار تقليدية بليدة من داخل الصندوق رغم أن هذه الزيادة أو ما يطلق عليها الانفجار يمكن أن تتحول إلى ثروة قومية كبيرة ومصدر أساسى لدفع عجلة التنمية للأمام مثلما حدث فى الصين والهند. المشكلة كما يؤكد الخبراء تحتاج إلى تشريعات وقرارات جريئة لا تتعارض مع الأديان السماوية. وكما يقول الدكتور صلاح الدين الدسوقى رئيس المركز العربى للدراسات الإدارية والتنمية يمكن تحويل الزيادة السكانية من محنة إلى منحة بالاستغلال والاستثمار الأمثل للكتلة البشرية وتحويلها إلى مورد وعامل داعم ومحفز ودافع للاقتصاد المصرى وهو ما سبقنا إليه دول كالصين والهند من خلال تأهيل الإنسان وتنمية قدراته الخاصة عندئذ تصبح تلك الزيادة السكانية من أهم الموارد الإنتاجية وتصبح سبباً مباشراً من أسباب ارتفاع معدلات النمو والناتج القومى ولكى يتم ذلك يسبقه عدة خطوات -بحسب صلاح الدسوقى- تبدأ بتحسين منظومة التعليم وتدريب الخريجين وربطهم بسوق العمل إلى جانب العمل على توسيع الرقعة العمرانية وعدم اقتصارها على منطقة الدلتا وهو شريط ضيق حصر فيه الوجود السكانى منذ عهد الفراعنة. بتلك الخطوات يحدث وسريعاً التوازن المنشود بين عدد السكان والموارد والخدمات ولا يكون هناك أى مشكلة من زيادة عدد السكان، ولذلك وجدنا بعد 25 يناير 2011 معدل نمو لم يتعد 2٪ فى مقابل 2٫5٪ معدل إنجاب. وينهى صلاح الدين الدسوقى كلامه بأن العلاج الجذرى لمشكلة الزيادة السكانية يبدأ من علاج مشكلة التوظيف وزيادة الإنتاج، دون النظر للفترة الاستثنائية الحالية التى تمر بها البلاد ومن ثم فعلى الحكومة مستقبلياً أن تبحث كيفية رفع الإنتاج وطرح المزيد من فرص العمل وتحفيز الاستثمارات المحلية خاصة فى قطاعات تتمتع فيها مصر بقدرة تنافسية مثل الغزل والنسيج والصناعات الغذائية مع اتباع أساليب إدارية حديثة تطبق الثواب والعقاب على العاملين، فالدول التى اهتمت بالإنتاج خفضت معدلات الإنجاب ليس فقط وإنما استثمرته كالهند والصين. المصيبة الأكبر الدكتور أبوزيد راجح رئيس مركز بحوث الإسكان والبناء السابق ورئيس شعبة الإسكان بأكاديمية البحث العلمى يصف الزيادة السكانية الحالية بالكارثة الجغرافية والتاريخية، وأنها مصيبة وأن المصيبة الأعظم والأكبر أننا وللآن بمصر غير مدركين لخطورة هذه الكارثة والتى تعنى بحسب تعبير «شكسبير» «نكون أو لا نكون»، وللأسف فالمؤشرات والمعطيات تؤكد أننا متجهون إلى حيث «لا نكون». فالقضية -بحسب الدكتور أبوزيد- تكمن فى أهمية وجود اتزان بين عدد السكان ومساحة المكان وهو ما يعنى الحيز المعمور ولذلك الخلل بدأ يصيب هذا الاتزان فى منتصف القرن العشرين إلى أن تقلصت مساحة الحيز فى الوادى والدلتا بنسبة 30٪ نتيجة الامتداد العمرانى للمدن والقرى على الأراضى الزراعية، ولذلك المطلوب أن نصل المساحة المشغولة بالسكان من ال6٪ حالياً إلى أربعة أضعافها لتبلغ 24٪ من أرض مصر القادرة وإقامة صناعات بمختلف أنواعها وكذلك كافة الأنشطة، فالتعمير خارج الوادى والدلتا لاستيعاب هذه الزيادة السكانية هو الأمل والحل.. وخلاف ذلك فالصورة فى مصر والتى يعرفها العالم جغرافيا وتاريخياً سوف تأتى إلى نهاية محزنة أشبه بانتحار ذاتى وسوف تختفى الأراضى الزراعية فى عام2070 وفيما يخص مستوى جودة الحياة الذى يتغير من خلال 40 مؤثراً كالتعليم والصحة. وبحسب الدكتور أبوزيد نحن الآن فى الخمس الأخير منه وقد تجاوزنا دول كثيرة نامية فى حين أننا بالفعل نقترب من النهاية التى نتوقعها ما لم نتجه فوراً لبناء مصر الجديدة ومفاهيم جديدة، ومما لا شك فيه أن تلك الزيادة السكانية سوف تقل معدلاتها مع زيادة نسبة التعليم وفرص العمل والتوعية وارتفاع مستوى جودة الحياة. المكان الجغرافى من جانبها تري الدكتورة آية ماهر أستاذ الموارد البشرية وعضو المجلس الأعلى للثقافة لحل المشكلة السكانية والتعامل معها خطوات يجب أن تسبقها تبدأ بجعل مصر مركزاً استثمارياً للشركات العالمية لتوفير فرص عمل، وذلك من خلال العمل باستراتيجية الفرص التوسعية وهى تعنى التأكيد على المكان الجغرافى الممتاز لمصر فى أفريقيا والسوق العربى وهو الأمر الذى حتماً سيتبعه تصدير منتجات هذه الشركات للسوق الأفريقى والعربى. ولذلك -وبحسب الدكتورة آية- قوة مصر تكمن فى عدد أبنائها فهم قوة بشرية كبيرة ولكن المهم كيفية توظيف هذه الأعداد واستخدامها بشكل إيجابى. أفواه جائعة الدكتور على ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس يرى الخطأ فى النظر لمشكلة الزيادة السكانية من أن هؤلاء السكان مجرد أفواه جائعة دون النظر كما فعلت الصين والهند والبرازيل والأرجنتين إليهم على أنهم أيدى عاملة تحتاج إلى نخبة اقتصادية واجتماعية تحولهم إلى ثروة بشرية تملأ منتجاتهم الأسواق، ولذلك وبدلاً عن إنفاق المال على الدعاية والإعلانات للمطالبة بالحد من الإنجاب أن تشكل مجموعات تقوم بصناعات صغيرة للسوق المحلية أو العالمية واستغلال أن الشعب المصرى تغير وأصبحت لديه الطموحات والآمال والحماس للعمل مما يستدعى الحاجة إلى تفكير مبدع لحل مشاكلنا، فالتعليم ورفع الوعى وتوفير فرص العمل سيؤدى إلى تحديد النسل تلقائياً وهو ما يستلزم مشروعات كبيرة تقوم بها الدولة وأخرى صغيرة تقوم بها المحليات. القوانين والتشريعات قلة الوعى المجتمعى وضعف المستوى التعليمى وتدنى الثقافة عوامل مؤثرة ومسببة للزيادة السكانية بمصر -بحسب الدكتور طارق توفيق مقرر المجلس القومى للسكان- الذى أكد أن الزيادة السكانية بمعدلها الحالى أكبر معوق للتنمية الشاملة فى الدولة وستؤثر بشكل سلبى على كل الخطط المستقبلية التى تهدف إلى تحسين معيشة المواطن، ومن ثم فإن تعداد مصر الحالى والمقدر بأكثر من 91 مليون نسمة وبمعدل الزيادة السنوى والذى يبلغ 2٫6٪ بما يعنى أكثر من 2 مليون و360 ألف نسمة زيادة، رقم يحتاج لبنية تحتية وخدمات أساسية لا يسعفه معدل النمو الحالى فى الاقتصاد المصرى، وهو ما يستوجب تضافر جهود جميع الجهات المعنية فى الدولة لمواجهة هذه المشكلة السكانية والتى حلها يعنى حل جميع مشاكل وأزمات المصريين، فالقوانين العقابية ليست حلاً والتشريعات التحفيزية الأجدى. وتبقى كلمة فهل يعى المسئولون الكلام الرسمى وغير الرسمى أم سنستمر على سياسة «انتهى الدرس يا غبى»!