منذ نعومة أظافره وهو يعمل بكل جهد، ليؤمِّن لنفسه لقمة عيش شريفة، لم يكتف فقط بهذه الوظيفة التى بالكاد تكفى متطلبات أسرته اليومية، بل كان يعمل أكثر من 12 ساعة فى اليوم ما بين عمله الأساسى وعمل آخر إضافى، حتى يفى باحتياجات أسرته الأساسية، أملا أن يجد فيهما عوضه عن هذا الشقاء الذى لاقاه فى حياته، وأن تكون حياتهم وظروفهم أفضل منه. وبين عشية وضحاها تحول الحلم إلى كابوس، وتبدد الأمل على صخرة واقع أليم، دارت به الأرض وماجت، وفهم لحظتها حقيقة نظرات الجيران له، والتى لم يكن يعرف معناها، وكأنها تحمل سهامًا تغرس فى صدره بعد أن تلقى الطعنة من حيث لا يحتسب، غرس الخنجر فى قلبه بيد أعز الناس إليه، وأقربهم إلى قلبه، فشعر بأنه يقتل فى اليوم ألف مرة وقف لسانه عن الكلام وشل عقله عن التفكير، فبين لحظة وأخرى وجد نفسه أبا لابنة أهانته وأهالت التراب على رأسه، وداست شرفه تحت قدميها بعلاقاتها غير المشروعة مع شباب المنطقة. وجد نفسه بين طريقين أحلاهما أمر من الصبر، فإما أن يتركها ويتحمل سهام النظرات التى أصبحت كالسهام تغرس فى صدره ليل نهار. حتى أعياه المرض من التفكير بالأمر، حضرت شقيقته لتزوره ورفض الحديث، إلا أنها أصرت وضيقت عليه الخناق حتى عرفت السبب الذى نزل عليها كالصدمة التى ألجمت لسانها قالت له لابد أن تغسل عارك بيدك، وأكرم له أن يقتلها ويدخل السجن، من أن يحيا حبيسًا لجريمتها، أحضرا الابنة فى محاولة أخيرة أن تكذب ما سمعوه إلا أنها وبكل برود أكدته، بل اعترفت بحملها سفاحًا، ولن تستطيع تحديد والد الطفل الذى تحمله بين أحشائها لتعدد علاقاتها فصعق الأب والعمة، وقررا الخلاص منها ليحضر الأب حبلًا تمسكه شقيقته، ويلفانه حول رقبة الابنة وينفذان بها حكم الإعدام، ثم يبكيان على جثتها لا يدريان هل يبكيان عليها أم على ما أصابهما ولوث سمعتهما. توجه الأب بعدها إلى قسم شرطة العمرانية واعترف بجريمته، وأمر اللواء أحمد حجازى مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة بإخطار النيابة التى تولت التحقيق. داخل قسم العمرانية جلس محمد عبدالحميد واضعا رأسه على الجدران غير مهتم بالمصير الذى يلاقيه، وكأنه لم يرتكب أى جرم يستوجب العقاب، تحدثت «الوفد» إلى المتهم الذى تحدث بهدوء تام قائلاً: «أيوه قتلتها علشان أغسل عارى بإيدى بعد ما مرمطته فى الوحل» تدمع عينا المتهم وتتساقط منهما الدموع رغم محاولات إخفائها ومع كل ذلك لا تبدو عليه علامات الندم عما اقترفته يداه، وكأنه يتفاخر بما فعل ظنا منه ان الامور ستسير على هواه وان القاضى سيراعى ظروفه التى دفعته لارتكاب الجريمة ويحصل على حكم مخفف قائلا «أنا أستاهل البراءة لأنى دافعت عن شرفى»، ويتابع المتهم: كنت اقضى طوال يومى فى العمل لأوفر احتياجات ومتطلبات عائلتى، إلا ان ابنتى كافأتنى بأسوأ ما يمكن ان تكافئ به ابنة والدها كانت نظرات الجيران كالسهام تخترق صدرى، وفى بداية الامر كنت لا أفهم تلك النظرات وما وراءها، وفى أحد الأيام طلب منى أحد الجيران المقربين التحدث معى وأخبرنى بما تفعله ابنتى الكبرى، وقتها وقع الكلام على أذنى وقع الصاعقة، تمنيت ان تنشق الأرض وتبتلعنى شعرت ان قدمى لا تستطيعان حملى من الخزى والعار، بعد ذلك دخلت إلى غرفتى ورفضت الحديث مع أى أحد من أقاربى والجميع اعتقد بأنى مريض، حتى جاءت شقيقتى الكبرى وأخبرتها بما علمت فقررت مواجهة ابنتى ووقتها أخبرتنا بأنها حملت سفاحا من أحد الشباب، ولا تعلم من والد الجنين فخنقتها بعدها شعرت بالراحة.