مع تقديم الحزب الديمقراطي، في مؤتمره الذي ينعقد الاثنين، هيلاري كلينتون كمرشحة للسباق الرئاسي في الانتخابات الأميركية، تراقب الدوائر الدبلوماسية نهج السياسة الخارجية الذي ستمضي كلينتون في تبنيه خاصة فيما يتعلق بدول الشرق الأوسط، سيما أن سجل هيلاري "الصقوري" في سياستها تجاه الصراعات الدولية بات معروفًا لدى الجميع. وترى مؤسسة "غلوبال ريسيرتش" الفكرية أن سياسة هيلاري لن تحظى بعنصر المفاجأة وأنها لكن تكون جديدة فهي ستواصل العمل على منهج الرئيس السابق جورج بوش عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولاياتالمتحدة، كما ستواصل في الوقت ذاته سياسة الإدارة الأميركية في عهد أوباما. فهيلاري كانت قد صوتت لصالح الحرب على العراق وقامت بالترويج لأسلحة الدمار الشامل لدى النظام العراقي، ودعمت فكرة الوجود العسكري الأميركي في العراق. كما أنها هي أيضا من دفعت نحو التدخل الغربي العسكري في ليبيا، كما كانت من الآراء الداعمة للتدخل العسكري ضد نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا دون الحاجة إلى تفويض من المنظمة الدولية، وإضافة إلى ذلك لم تبد خلال حملتها في الانتخابات التمهيدية أي تصريحات منددة لإظهار معاناة الشعب الفلسطيني على حساب مناصرة حملات إسرائيل. ودوليا، دفعت هيلاري زوجها بيل كلينتون لقصف العاصمة بلغراد في أواخر التسعينيات، وفيما يتعلق بالاتفاق النووي مع طهران، لم تكن كلينتون من المناصرات للاتفاق بين إيران والقوى الدولية. وبحسب محللين، إذا ما رغبت كلينتون في تعزيز حملتها الانتخابية ضمن الدوائر السياسية والعامة فإنه يتوجب عليها طمأنة الناس بأن سياستها ستحذو حذو سياسة أوباما في ضبط النفس، رغم سجلها في التعاطي مع القضايا الدولية من خلال الحل العسكري. ويعتبر نهج كلينتون في سياستها "الصقورية" إحدى المشاكل التي ستواجهها خلال حملتها الانتخابية التي ستنطلق في أعقاب اختتام المؤتمر العام للحزب، خاصة أن منافسها بيرني ساندرز اعتبر أقرب إلى سياسة أوباما التي تغلب لغة الحوار والدبلوماسية على اللجوء إلى الحل العسكري لحل القضايا الدولية الشائكة. ويرى مراقبون أن اعتماد كلينتون على القوة الخشنة لتحقيق المصالح الأميركية هي سلعة لن تحظى بالقبول لدى الناخبين، الذين يفضلون سياسة التخندق في "المعسكرات" بدلا من التقدم العسكري. إلا أن البعض ينظر إلى سياسة كلينتون الحاسمة بأنها ربما تكون "رمانة الميزان" في حسم الأمور في الصراعات الدولية وترجيح الكفة نحو تحقيق السلام والأمن العالميين. فخلال السنوات الأولى من الصراع في سوريا، اقترحت كلينتون فرض منطقة حظر جوي، كان من الممكن أن تنهي الأزمة في سوريا وتضع حدا لظهور تنظيمات متطرفة، وتمنع التدخل الروسي على خط الأزمة. وبالإضافة إلى ذلك فإن سياسة كلينتون لو طبقت كان يمكن أن تدرأ ظهور شبح أكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث، من خلال إنشاء ممرات آمنة للمدنيين. أما فيما يتعلق بالتدخل العسكري في ليبيا، يرى البعض أن فشل المجتمع الدولي في التعاطي مع الأزمة في ليبيا خلال العامين الذين أعقبا إطاحة نظام الزعيم الراحل معمر القذافي، وخاصة تقديم الدعم للحكومة التي تشكلت ما بعد الانتفاضة ودعم الاستقرار المدني على التراب الليبي، هو ما أدى إلى ظهور ميليشيات متطرفة وعلى رأسها داعش، التي اختطفت البلاد سياسيا وعسكريا. وحول عودة الدب الروسي إلى الساحة الدولية، فإن من شأن عقيدة كلينتون السياسية السعي لردع الروس من تهديد الدول الأوروبية من خلال تعزيزها لمبادرة التطمين لأوروبا الشرقية عبر تعبئة عسكرية أوسع نطاقا وأكبر عتادا وعودة لقوة الردع التقليدي في القارة العجوز، سيما أن الدبلوماسية الناعمة لإدارة أوباما واجهت انتقادات لاذعة في تعاطيها مع أزمة القرم في أوكرانيا. وعلى الجبهة الانتخابية الأخرى ، فإن دونالد ترامب، خصم كلينتون الشرس في الحزب الجمهوري، قد بعث برسائل عدة مضمونها أن الولاياتالمتحدة الأميركية تتحمل أعباء كبيرة في إرساء قواعد الأمن والسلم العالمي دون الحصول على مزايا مقابل ذلك- على حد تعبيره. واستطاع ترامب من خلال هذا الخط الانتخابي - الذي يرى أن سياسة الولاياتالمتحدة اللامتناهية عسكريا في الشرق الأوسط ما هي إلا استنزاف للدم الأميركي وثروات البلد - أن يحظى بالدعم داخل أوساط الحزب الجمهوري بالإضافة إلى الدعم الشعبي الساخط على الدوائر السياسية الأميركية. وبحسب المحللين فالراجح من القول أن تتصاعد باطراد الصراعات والنزاعات العالمية في الأعوام المقبلة، إلا أن سلاح كلينتون السياسي يعد الأفضل للكثيرين في التعامل مع معطيات القضايا الدولية، خلافا لنهج أوباما أو حتى خصمها ترامب. وفي حال دخول المرشحة الديمقراطية البيت الأبيض في يناير المقبل، فإن هذا الأمر وفقا لمراقبين سيعتبر من أسوأ الخيارات المتاحة، إذ ترى أوساط سياسية أن الوضع سيكون كارثيا وكابوسا على الصعيدين الداخلي والخارجي.