من القاع إلى القمة ثم التذبذب في الأداء".. هكذا هو الحال مع الرجل الأول في تركيا، رجب طيب أردوغان، الذي بات اسمه مرتبطًا بالقضايا الشائكة وإثارة الجدل محليًا وعالميًا في الآونة الأخيرة، التى كادت أن تطيح به خارج القصر الرئاسي، وتحطم طموحة بدولة الخلافة الإسلامية على صخرة الانقلاب. وتعرضت تركيا بالأمس إلى محاولة للانقلاب العسكرى على حكومة أردوغان، لكنه فشل ولم تدوم قبضة الجيش التركى على الأوضاع بأنقرة سوى ساعات قليلة، وفي المقابل تمكن أردوغان من السيطرة على الموقف ومقاليد الأمور مجددًا. وفي لحظة واحدة كادت أن تتحول كل أحلام أردوغان إلى سراب، وهو ابن حى قاسم باشا بمدينة طرابزون التركية، وينتمى لأسرة فقيرة، وكان والده يعمل في خفر السواحل التركية في مدينة «ريزة» على البحر الأسود، وعمل في طفولته على بيع البطيخ والسميط، لمعاونة والده وتوفير أموال لتعليمه. وقبل انشغال أردوغان في العمل السياسي،عمل في مجال كرة القدم كلاعب شبه محترف بداية من 1969، ولعب لصالح نادي قاسم باشا إضافة إلى أندية أخرى لنحو 10 سنوات، قبل أن يعتزلها من أجل عيون السياسة. وبدأ أردوغان الانخراط في الحياة السياسية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، من خلال انضمامه إلى حزب "الخلاص الوطني" بقيادة نجم الدين أربكان، إلا أنه تم إلغاء جميع الأحزاب السياسية في تركيا بعد الانقلاب الذي شهدته في 1980، ومع عودة الأحزاب عام 1983 انضم أردوغان إلى حزب الرفاة باسطنبول. وفي 1989 ترشح أردوغان في انتخابات بلدية "باي أوغلو لكنه خسرها، ومع حلول العام 1994 رشحه حزب الرفاه إلى منصب عمدة إسطنبول، ونجح في الفوز بها، وفي الوقت الذي بدأ يلمع فيه اسمه في عالم السياسة تم حبسه. وجاء سجن أردوغان لمدة أربعة أشهر في 1998 بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، بسبب أبيات شعرية اقتبسها من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري، يقول فيه: "مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا". ولم تقتصر عقوبة أردوغان علي الحبس فقط، بل امتدت إلى منعه من العمل في الوظائف الحكومية وتطبيق الحظر السياسي عليه ل5 أعوام، وبعد ذلك أصدرت الحكومة التركية عفو تام عنه مع حظر حزب "الرفاه" الذي ينتمى إليه، فاتجهوا لتأسيس حزب آخر تحت اسم "الفضيلة"، لكن تم حله هو الآخر. وبعدها اتجه أردوغان لتأسيس حزب العدالة والتنمية في 2001، وأراد منذ بداية تأسيسه التأكيد على فكرة أنه لا صلة له بالتيار الإسلامى، الذى كان يغضب المؤسسات العلمانية في تركيا آنذاك، معلنًا وقتها أن حزب العدالة والتنمية سيحافظ على أسس النظام الجمهوري . وفي 2002 خاض حزبه الانتخابات التشريعية وحقق نتائج ايجابية، وتولى أردوغان في 2003 رئاسة مجلس الوزراء، وفي 2013 بدأ يظهر الوجه الأخر لأردوغان، وهو الوجه الذى لا يقبل بالمعارضة ويؤمن بالاستبداد، وهو ما بدا جليًا عند قمعه لمظاهرات ميدان تقسيم في قلب تركيا، إضافة إلى محاصرته لوسائل الإعلام المعارضة. وفي أغسطس 2014 انتخب رئيسًا للجمهورية، ومع حصوله على منصب الرجل الأول بتركيا سعى لبسط نفوذه والسيطرة على كافة الأمور داخل الدولة، لذا جاءت مساعيه لتحويل نظام الحكم من النظام البرلمانى إلى الرئاسي، حتى لا يكون منصب رئيس الجمهورية شرفيًا كما كان في السابق، وهو ما نجح فيه. وخلال فترة حكم أردوغان لم تكن الأوضاع في تركيا مستقرة وكانت علاقاتها مع دول الجوار مضطربة، وعلى رأسهم مصر بسبب دعمه لجماعة الإخوان واستقباله لهم في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، إضافة إلى تذبذب علاقاتها مع روسيا وغيرها من الدول مؤخرًا. أما على المستوى المحلى فلم يختلف الأمر كثيرًا، فهناك انتقادات عدة له بسبب سياساته واتباعه للأسلوب الأحادي في الحكم، وهو ما يخصم من رصيده لدى الشعب التركى، الذى رفض الانقلاب بالأمس ليس حبًا فيه ولكن حفاظًا على الديمقراطية، ليبقى أردوغان قصة وحكاية في الصعود والهبوط.