قضت قيادات الحزب الوطني الأيام التي سبقت الإعلان عن أسماء مرشحي الحزب لانتخابات مجلس الشعب القادم، في اقناع أحد أمناء الحزب بمحافظة حدودية بالعدول عن يمين الطلاق الذي أقسمه بأنه لن يوافق علي المرشحين الثلاثة الذين قدموا أوراقهم للمجمع الانتخابي، وأخطر قيادات الحزب، بأنه سيختار غيرهم، من بين المرشحين الثلاثة نائب حال وكان علي خلاف مع المحافظ السابق، وأقام الأفراح عندما تم استبعاده في حركة المحافظين السابقة، أما النائب الآخر في الدائرة فقد توفي قبل فتح باب تقديم أوراق الترشيح، ووصلت المفاوضات مع أمين الحزب بالمحافظة إلي طريق مسدود.. وفشلوا في اقناعه بالموافقة علي المرشحين الثلاثة، وبحث أزمة يمين الطلاق مع فضيلة المفتي، إلا أن الأمين تمسك بموقفه، وقدم ثلاثة أسماء جدداً بينهم نائبان سابقان، ووافق عليهم الحزب بدون تردد!! النائب الحالي الذي استبعده الأمين قرر خوض الانتخابات مستقلاً معتمداً علي نفوذه المالي، وتأييد عشيرته له، أما النائب السابق الذي حاز رضا الأمين فيعتمد علي أنه كان التلميذ النجيب لرؤسائه في البرلمان السابق! هذه الواقعة هي واحدة من عشرات الوقائع التي تقدم بها المستبعدون من ترشيحات الحزب للقيادة السياسية، والتي دللوا فيها علي غياب الشفافية في اختيارالمرشحين في عدد كبير من الدوائر، وحل محلها المحسوبية والشللية وخفة الدم وشيكات التبرع! لم يقف المستبعدون عند هذا الحد من فضح أساليب الحزب الوطني في خداع أعضائه فقد قرروا الرد عليه من خلال اتجاهات عدة، فالبعض لجأ إلي القضاء للحصول علي أحكام بفك الارتباط مع الحزب بعد قيامهم بتوقيع توكيلات بعدم الترشح مستقلين في حالة عدم اختيار الحزب لهم وحصلوا علي أحكام. والبعض قرر الانضمام إلي صفوف المعارضة لمؤازرة مرشحيها ضد مرشحي الحزب الوطني، كما حدث من بعض قبائل أسوان. والبعض قرر طلب تعويض عن الإهانة التي لحقت بهم من قيادي كبير في الحزب عندما أعلن أن الحزب استبعد من أحاطت بهم الشبهات ورشح القادرون علي تحمل المسئولية دون الإعلان عن أسماء هؤلاء مما وصم الجميع بالصفات السيئة. وإذا كان عدد كبير من المستبعدين من الترشيحات غير معروفين للرأي العام، إلا أن قوائم الوطني شملت أسماء حوالي 46 نائباً حالياً تم استبعادهم من الترشيح هم: محمد جويلي وياسر صلاح ومحمد الحسيني ومحمد عبدالنبي ويحيي وهدان وكرم الحفيان ويسري مهنا وسمير جبر وعبدالمنعم عبيد وسيد زغاورة وأحمد البنا وعبدالقادر شرنوبي وأحمد عبدالقادر وأحمد عبده علية وصفوت القاضي وحمام عابدين وأحمد راغب شريف وأحمد جادالله ومحمد المتولي وأحمد الجبلاوي ومحمد أبوالمجد ومحمد مندور وطارق السباعي وعبدالحافظ هريدي وشمس الدين أنور وإيران النيفاوي والسيد زيد وعادل حموري وأحمد فتحي نعمان وأحمد شاكر وخالد زروق ونايف خيرالله وإسماعيل عطوان وسليمان عامر وصبري طنطاوي، وجميع نواب دمياط، وبلال أحمد بلال وسليمان هامل وحسين آدم. وقد يكون الحزب الوطني محقاً في استبعاد بعض هؤلاء النواب لأنهم انزلقوا إلي مواطن الشبهات مثل وهدان وعبدالنبي في باب الشعرية اللذين اتهما بمحاولة بيع أملاك الطائفة اليهودية في وسط البلد وياسر صلاح الذي يحاكم بتهمة لعب القمار وتهريب أجهزة المحمول من الخارج، وشمس الدين أنور المتهم في قضية نواب العلاج. إلا أن الحزب الوطني قد تخلي عن بعض النواب لأسباب حزبية تدخلت فيها المجاملات.. فمثلاً ضحي الحزب بالنائب أحمد راغب شريف لترشيح ابن عمه سيد الشريف في أخميم وهو نقيب الأشراف، كما تخلي الحزب عن نائبه القوي الدكتور حمام عابدين، ورشح الدكتور نصرالدين علام وزير الري بدلاً منه، كما تخلي الحزب الوطني عن المستشار محمد جويلي الذي لقب بترزي القوانين، مستغلاً مرضه رغم أنه أبقي علي مرضي آخرين، ورشح بدلاً منه اللواء السابق فادي الحبشي في دائرة شبرا. كما أبقي الحزب الوطني علي رضا وهدان رغم القضية الصارخة المثارة أمام مجلس الدولة بمخالفة للدستور في قبول رئاسة شركة السوبرجيت، وهو مما يتعارض مع قبول النائب تعييناً جديداً في الحكومة أو الشركات المساهمة فيها، وإذا كان الحزب الوطني قد استبعد محمد مندور نائب دشنا علي أثر اتهامه باقتحام مركز الشرطة خلال خناقة اتهم فيها أحد أقاربه، إلا أنه أبقي علي نائب الC.D، كما أبقي علي نائب الرصاص في سيناء والمتهم بتحريض الداخلية بإطلاق الرصاص علي المواطنين. ولن تكون أزمة المستبعدين هي الوحيدة التي تواجه الحزب الوطني في الانتخابات القادمة، فهناك أزمة أخطر أدت من الآن وحتي إعلان نتائج الانتخابات إلي أقض مضاجع قيادات الحزب وهي أزمة الدوائر المفتوحة التي رشح الحزب فيها ثلاثة وأربعة وخمسة مرشحين ينافسون بعضهم، بخلاف منافستهم للمعارضة والمستقلين، هذه الأزمة شاركت في صنعها فيها القيادات الجديدة المعروفة بالحرس الجديد والقيادات القديمة المعروفة بالحرس القديم، وتبين أن كل فريق حاول الخروج من أزمة النظام الجديد لاختيار المرشحين عن طريق المجمعات الانتخابية علي طريقته فظهرت الدوائر المفتوحة، التي كان من أهدافها ترضية أكبر عدد من المرشحين، ومن نتائجها الخبيثة التضحية بالمرشحين ليفوز الحزب علي طريقة التضحية بالجنين من أجل الحفاظ علي حياة الأم، ولكن هذه الطريقة قد تقلب بغم علي الحزب الوطني وهو ما سنتناوله في السطور التالية: الفكر القديم في الحزب حاول غسل يديه من الأزمة، وأكد أنها نتجت عن مغالاة أصحاب الفكر الجديد في خطوات الترشح، وأكد علي لسان قيادة كبيرة أن الدوائر المفتوحة تمس فكرة الالتزام الحزبي، وتسمح بتحالف مرشحيه مع المعارضة ضد زملائهم عندما يكون المطلوب فوز مرشح واحد من بين ثلاثة أو أربعة رشحهم الحزب علي مقعد واحد. ورد عليه قيادة كبيرة أخري من الحرس الجديد قائلاً: إن كل مرشح من هؤلاء يستطيع أن يجمع أصوات مؤيديه، ويحرم المعارضة منها، وإذا لم يحصل أي من مرشح وطني علي النسبة المرجحة لفوزه فتكون الإعادة بين مرشحين عن الحزب الوطني، وأضافت القيادة الشابة: انتظروا حتي نهاية الانتخابات.. صحيح ستكون الإعادات كثيرة، ولكن الغلبة لنا، وليس في الإمكان أبدع مما قررناه، واتفق الطرفان علي تأجيل المواجهة التي فجرت الحزب من الداخل ليلة إعلان الأسماء إلي حين الانتهاء من إجراء الانتخابات، فإذا كانت أغلبية كبيرة فهذا نصر للحرس الجديد، حتي ولو كانت بالصدفة، وعلي الحرس القديم أن يصمت وإذا كانت النسبة أقل من ذلك فعلي الحرس الجديد أن يستمع إلي الخبرة ويجلس ليتعلم، وسيكون للنجاح أو الإخفاق حسابه خلال مؤتمر الحزب الذي تأجل لحين إجراء الانتخابات، وكل الشواهد تؤكد أن الحزب الوطني سيدفع ثمن ترشيح مثني وثلاث ورباع في الدائرة الواحدة إذا نفذ الحزب تعهدات القيادة السياسية بإجراء انتخابات نزيهة يكون فيها الرأي الأول والأخير للناخب الذي يدلي بصوته في صناديق الاقتراع لمن يريد من المرشحين، وعلي الحزب الوطني تحمل مسئولية الفاشلة. الحزب الوطني رشح في عدد كبير من الدوائر عدداً من العمال بين اثنين وثلاثة أمام أهم قياداته في السيدة زينب ومحرم بك وجهينة ومنوف وحلوان، كما رشح في بعض الدوائر اثنين من الفئات علي مقعد واحد.. في هذه الدوائر وهي كثيرة قد تسقط هذه القيادات بسهولة شديدة، فكل قيادة ستبحث التنسيق مع مرشح عمال لينجحا معاً، وسيضطر مرشح العمال الآخر الذي هو زميلهما في الدائرة إلي التنسيق مع فئات معارضة لينجح هو أيضاً، وبالتالي قد يرسب الفئات وطني أو العمال وطني أو كليهما، كما قد يتسق مرشحا العمال وطني ضد زميلهما الفئات لينجحا معا، ويسقط هو في إطار نسبة 50٪ عمالاً وفلاحين والتي تجيز فوز مرشحين اثنين عمال في الدائرة الواحدة.. ويتردد أن الحزب الوطني يحاول اقناع اللجنة العليا للانتخابات بالموافقة علي إعلان فوز مرشحين فئات في بعض الدوائر إذا كان الأمر يسمح بتوفير نسبة العمال والفلاحين في دوائر أخري، وبذلك يكون الحزب الوطني قد طبق ما رفضه في أحد الفصول التشريعية السابقة عندما فاز مرشحو المعارضة فئات، وكان معظمهم من حزب الوفد، وأسقطهم الحزب الوطني في لعبة الفئات والعمال لاستكمال نسبة العمال والفلاحين. وأصابت هذه الاختيارات بعد وضوحها قلق قيادات الحزب الوطني المرشحة للانتخابات ومنهم وزراء سيواجهون معارك شديدة من زملائهم في الحزب الوطني وفي مقدمتهم الدكتور سيد مشعل وزير الإنتاج الحربي الذي ترشح وأمامه ثلاثة عمال وطني ومن خلفه المرشح المستقل مصطفي بكري، وإصرار عائلة الدكتور حمام عابدين في جهينة علي عدم التخلي عنه أمام وزير الري الدكتور نصر الدين علام. رشح الحزب الوطني عدداً من القيادات ليفوز واحد منهم فقط علي زميله إذا نجا الاثنان من مواجهة المعارضة القوية، إلي جانب قوتها وأرضيتها في هذه الدوائر ستلعب علي صراعات النيران الصديقة بين مرشحي الحزب الوطني، وقد يضمن أو لا يضمن الحزب الوطني فوز قياداته البرلمانية كما حدث من اخفاقهم في انتخابات عام 2005 خلال المرحلة الأولي التي سقط فيها قيادات الحزب مما دفعه إلي تزوير الانتخابات في المرحلتين الثانية والثالثة، ومن قيادات الوطني التي تواجه أزمة شديدة في الانتخابات الحالية بسبب الترشيحات المزدوجة الدكتور مصطفي السعيد، وماهر الدربي وعبدالرحيم الغول ومحمود صبح وهاني أبوريدة وإبراهيم الجوجري وشريف عمر وخليل قويطة وهم من النواب الحاليين والسابقين. وبدأت أولي المواجهات في الدقهلية حيث طعن مرشح الوطني طلعت مطاوع علي ترشيح زميله علي نفس مقعد الفئات واتهمه بارتكاب جرائم مالية مما دفع زميله يسري المغازي للرد عليه، وبذلك يجدد مطاوع والمغازي أزمة مجلسي 2000 و2005 عندما كان مطاوع نائباً يحمل الجنسية الأمريكية ونجح مغازي في إزاحته عن المقعد ورد عليه مطاوع في انتخابات 2005 وكان مطاوع مستقلاً منافساً لمغازي وحالياً يحمل الاثنان صفة الحزب الوطني علي مقعد الفئات ليفوز واحد منهما أو يسقط الاثنان ويفوز مرشح المعارضة ولن تتوقف المواجهات المبدئية بين مرشحي الوطني علي تعدد المرشحين في الدائرة الواحدة ولكن امتدت إلي الرموز الانتحابية، فقد حصل الحزب الوطني علي 6 رموز لاستيعاب عدد من المرشحين الذين زادوا علي 800 مرشح بدلاً من 508 وهذه الرموز هي الهلال والنجمة والقمر للفئات والجمل والحصان وغصن الزيتون للعمال، واعتقد المرشحون أن الذين يحصلون علي رمز الجمل أو الهلال هم المرشحون الأصليون والذين يحصلون علي الرموز الأخري احتياطيون، وانتقل هذا الاعتقاد إلي الدوائر وبدأ الناخبون يتعاملون مع الحاملين لرمزي الهلال والجمل علي أنهم هم مرشحو الحزب الوطني والباقون لا يمثلون الحزب، وروج حاملو رمزي الهلال والجمل دعايات في الدوائر بأن هناك تعليمات من الحزب بدعوة الناخبين لاختيار رمزي الهلال والجمل فقط واستبعاد باقي الرموز، ويبقي أن نقول إن الانتخابات لن تكون فسحة لمرشحي حزب أو آخر في ظل خوض قرابة 6 آلاف مرشح للانتخابات من الأحزاب والمستقلين وكوتة المرأة لرغبة كل منهم في حجز مقعد تحت قبة البرلمان، فهل يفعلها الحزب الوطني ويجعلها انتخابات نزيهة وشفافة وشريفة ويكون الحكم فيها للشعب نرجو ذلك.