في ذروة التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، فوجئ نتنياهو بصفعة قوية من شأنها أن تضاعف حدة الأزمة بين تل أبيب وأنقرة من جهة وتخفف الضغوط على طهران من جهة أخرى، ألا وهي العثور على حطام من طائرة "هيرون" التجسسية في محافظة أضنة. ففي 12 نوفمبر، كشفت صحيفة "يني شفق" التركية عن العثور على حطام طائرة تجسس تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية في محافظة أضنة جنوبي تركيا . وأضافت الصحيفة أن صيادا تركيا عثر على قطع من طائرة "هيرون" التجسسية وقام على الفور بإبلاغ قيادة خفر السواحل عن تفاصيل الحادث, حيث تم إرسال فريق مختص من رئاسة الأركان العامة التركية إلى المكان وعثر على كل قطع الطائرة التجسسية المحطمة تحت مياه البحر، وتم نقلها إلى مقر قيادة رئاسة الأركان في مدينة "مرسين". وتابعت "يني شفق" أن الفرق المختصة توصلت بعد إجراء التحقيقات والفحوصات اللازمة إلى أن الطائرة التجسسية المحطمة تابعة لقيادة القوات الجوية الإسرائيلية . ورغم أن إسرائيل اعتادت التجسس حتى على أقرب حلفائها, إلا أن الحادث السابق يبدو أنه لن يمر مرور الكرام ليس فقط لأنه جاء في الفترة التي تشهد فيها العلاقات التركية الإسرائيلية أزمة حادة وصلت إلى تعليق التعاون العسكري بين الطرفين وتخفيض مستوى التبادل الدبلوماسي بينهما, إنما لأنه تزامن أيضا مع اتهامات متصاعدة داخل تركيا حول دعم تل أبيب لهجمات حزب العمال الكردستاني التركي المحظور . وذكرت "يني شفق" أنه أثير على الفور العديد من الأسئلة بعد العثور على حطام الطائرة التجسسية الإسرائيلية داخل الأراضي التركية بشأن قيام تل أبيب بالتجسس على أنقرة . وتساءلت في هذا الصدد "هل هناك تعاون بين إسرائيل ومنظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية خاصة بعد حادث مقتل سبعة عسكريين في القاعدة البحرية العسكرية في بلدة إسكندرون والذي تزامن مع مهاجمة القوات البحرية الإسرائيلية سفينة مرمرة في 31 من مايو/أيار عام 2010 ومقتل تسعة أتراك على متنها". واستطردت الصحيفة "هل تصاعد العمليات الإرهابية خلال الفترة الأخيرة ناجم عن التعاون الإسرائيلي مع منظمة حزب العمال الإرهابية لمحاولة الانتقام من تركيا على إثر الأزمة المشتعلة بين الطرفين؟". وانتهت "يني شفق" إلى القول إن تلك المؤشرات، وخاصة العثور على حطام الطائرة التجسسية الإسرائيلية جنوبي تركيا، لا يمكن أن تكون عن طريق الصدفة، فالأيام القادمة ستوضح حقيقة الدعم الإسرائيلي لحزب العمال الكردستاني المحظور. وبالنظر إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان كان ألمح مؤخرا إلى أن تل أبيب تفكر في دعم حركة التمرد الكردي للانتقام من موقف أردوغان الداعم للفلسطينيين وحركة حماس وتوعدت تركيا على الفور حينها بالرد على أي محاولة إسرائيلية لإضعافها عبر دعم من أسمتهم بالانفصاليين الأكراد, فإن هناك توقعات بأن يتسبب حادث أضنة في إشعال الأزمة أكثر وأكثر بين الطرفين, خاصة أن هناك أدلة تتكشف يوما بعد يوم حول أبعاد المخطط الصهيوني الهادف للإطاحة بحكومة أردوغان . تفاصيل المخطط الصهيوني فوسائل الإعلام الأمريكية كشفت مؤخرا أن استراتيجية إسرائيل في الانتقام من حكومة أردوغان تقوم على ممارسة الضغوط الأمريكية من ناحية وإثارة الاضطرابات داخل تركيا من ناحية أخرى ، وأخيرا التلويح بموضوع "مذابح الأرمن"، حيث قررت لجنة العلاقات الخارجية في الكنيست الإسرائيلي العالم الماضي عقد جلسة خاصة لمناقشة ما وصفوه ب "مذبحة الأرمن" كيدا في تركيا وتشهيرا بها . ويبدو أن الهجمات المتزامنة التي شنها حزب العمال الكردستاني في 18 أكتوبر الماضي على ثمانية مواقع للجيش التركي في محافظة هكاري القريبة من الحدود العراقية والتي أسفرت عن مقتل 24 جنديا تركيا وإصابة حوالي 20 آخرين كانت أبرز دليل على بدء تنفيذ المخطط السابق على أرض الواقع . فمعروف أن النزاع المسلح مستمر في جنوب شرقي تركيا منذ أكثر من ربع قرن وأودى بحياة أكثر من أربعين ألف شخص وكلف أنقرة حوالي ثلاثمائة مليار دولار, إلا أن آخر عملية عسكرية تركية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق تعود إلى فبراير/شباط 2008 , كما أعلن الحزب المحظور منذ ذلك الحين هدنة من جانب واحد ولم يستأنف هجماته إلا بعد تحدي أردوغان لإسرائيل وهذا ما ظهر واضحا في مطالبة أفيغدور ليبرمان بوضع خطة لدعم الأكراد من أجل إقامة دولة لهم في جنوب شرقي تركيا . كما أن الأحداث التي استبقت وتلت مجزرة أسطول الحرية تدعم أيضا فرضية تورط إسرائيل في مجزرة هكاري، فما أن أعلن عن بدء انطلاق سفن الأسطول من قبرص باتجاه غزة ، إلا وفوجيء الجميع في 30 مايو / أيار 2010 بهجوم صاروخي على قاعدة بحرية تركية في ميناء مدينة الإسكندرونة المطلة على البحر المتوسط , مما أسفر عن مقتل ستة جنود أتراك وجرح سبعة آخرين . وبالنظر إلى أن الهجوم كان على مستوى عال من الدقة ووقع قبل يوم من مجزرة أسطول الحرية ، فقد اعتبر كثيرون أنه كان بمثابة رسالة تحذير مبكرة من قبل إسرائيل ، كما ألمح وزير داخلية تركيا إلى احتمال تورط الموساد ، وفي 3 يونيو، كرر أردوغان الإشارة الضمنية لاحتمال تورط الموساد عبر التأكيد أن الجهة المنفذة للهجوم تلقت مساعدات من جهاز استخبارات خارجي . وبعد مجزرة أسطول الحرية وما أعقبها من تهديدات تركية لإسرائيل، تصاعدت الهجمات داخل تركيا وتحديدا في مدينة إسطنبول ، حيث عثرت الشرطة التركية على سيارة مفخخة كانت موجودة بالقرب من مؤتمر التعاون وتعزيز بناء الثقة في آسيا "سيكا" الذي عقد بمدينة اسطنبول التركية في 9 يونيو وأدان بشدة الهجوم الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية . وفي 19 يونيو 2010 ، شن حزب العمال الكردستاني هجوما بإقليم هكاري أيضا أسفر عن مقتل 11 جنديا تركيا, فيما اعتبر حينها أكبر هجوم يوقع قتلى في صفوف الجيش التركي في السنوات الأخيرة من الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص منذ أن بدأ حزب العمال الكردستاني حملته عام 1984 بهدف إقامة دولة للأكراد في جنوب شرقي تركيا وبعد ثلاثة أيام من الهجوم السابق وتحديدا في 22 يونيو / حزيران ، أعلنت جماعة كردية مجهولة تطلق على نفسها "صقور الحرية الكردية" مسئوليتها عن تفجير حافلة عسكرية في مدينة إسطنبول أسفر عن مصرع خمسة أشخاص وإصابة 11 آخرين . وكان الانفجار وقع قرب مجمع سكني عسكري واستهدف إحدى ثلاث حافلات تقل عسكريين وذويهم في ضواحي إسطنبول ، مما أدى إلى مقتل أربعة من أفراد الشرطة العسكرية ، أما القتيل الخامس فهي فتاة "16 عاما" ابنة عسكري في الجيش كانت ترافق والدها. وأفادت مصادر أمنية تركية حينها بأن الانفجار نتج عن تفجير قنبلة عن بعد وأن منفذي العملية تمكنوا من الفرار، قائلة :" الانفجار وقع في منطقة هالكالي التي تبعد عدة كيلو مترات من مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول ". بل جاء إعلان "الكردستاني" في أوائل يونيو 2010 عن انتهاء الهدنة الأحادية التي بدأها في إبريل 2009 والذي تزامن مع مجزرة أسطول الحرية ليدعم أيضا الشكوك بأن إسرائيل تستخدم بعض الجماعات الكردية للانتقام من حكومة أردوغان ودفعها للتركيز على أزماتها الداخلية بعيدا عن الصراع العربي - الإسرائيلي والقضايا الإسلامية بل وقد يكون الهدف الأساسي هو إضعاف شعبية أردوجان للإسراع بالإطاحة به . والخلاصة أن هناك مؤامرة إسرائيلية تستهدف استقرار تركيا, ولذا فإن الكشف عن حادث أضنة في هذا التوقيت تحديدا من شأنه أن يوثق التعاون بين تركيا وإيران لمحاربة التمرد الكردي داخل أراضيهما , بل وقد يوفر أيضا فرصة ذهبية لطهران لتخفيف الضغوط الدولية عليها وإجهاض التهديدات الإسرائيلية عبر تسليط الضوء مجددا على الأزمة بين أنقرة وتل أبيب.