هذه النظرة جاءت واضحة فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم، التى تؤكد حقيقة مهمة وهى أن الإنسان مكون من روح وجسم، فالجسم هو هذا الهيكل المحسوس، أعنى المركب المؤلف الترابى، والروح: هو الجوهر الذى ليس من شأنه إلا التذكر والحفظ والتفكير والرؤية، كما يعبر عن ذلك الإمام الغزالى فى الرسالة اللدنية: «الجسم من عالم الشهادة، والروح من عالم الغيب، والإنسان مكون منهما معاً، فطبيعته مزيج من الروح والمادة، ولذا فهو مطالب بخدمة الجسم والروح، ولبقاء كل منهما فى حدود ما قررت له الحكمة الإلهية من الحق دون تطرف أو غلو..» (ص 100). ويقول الحق عز من قائل: «وإذا قال ربك للملائكة إنى خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون. فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين» الحجر: 28-29 ويقول سبحانه: «الذى أحسن كل شىء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون». السجدة 7 - 9. فهذه الآيات تؤكد أن الإنسان خلق من عنصرين: الأول مادى وهو الجسم المحسوس المكون من المادة الأرضية (الطين) والاختلاف فى وصف المادة بأنها تراب أو غيره فى خلق آدم إنما هو كما ذكر الرازى وغيره من المفسرين - قد يكون إشارة إلى الأطوار والمراحل التى مرت بها المادة فى تحولاتها قبل نفخ الروح. وهذا القول ينفى ما ذهبت إليه بعض المذاهب السابقة على ظهور الإسلام والتالية له، حيث تواضعت بالإنسان حتى جعلته ضمن سائر فصائل الحيوان، بل من هذه المذاهب ما يعد الإنسان تطوراً من تطورات الخلية الحيوانية - كما سبقت الإشارة إلى ذلك فى حلقة سابقة- وبالتالى فليس له فى غير الأرض بداية، وليست له على غير الأرض نهاية. وأنه محكوم فى تطوره بحركة التاريخ وتداول الأيام، فهو ابن الدهر والدهر آكله: «وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر». الجاثية 24. ومما يجب التأكيد عليه أن الإسلام كرم الإنسان فى البر والبحر، وكرمه بإرسال الرسل ليقطع الحجة على الناس ولم يتركه لملكة العقل، كل ذلك لكى يكون للبعث والحساب والجنة والنار، وخلود الحياة الأخرى مما يرقى بقيمة الإنسان، وبعدل الله الذى لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، وهو أعظم رد على أصحاب نظرية أن الدهر نهاية الإنسان، أو كما قالوا، ما هى إلا أرحام تدفع، وقبور تبلع، حاشا وكلا على حكمة العادل الحكيم سبحانه وتعالى. وللحديث امتداد.