قال الدكتور عمار على حسن باحث علم الإجتماع السياسى لل" الوفد" أن الشعب المصرى هو أكثر الشعوب العربية التى تنظر إلى ثورة تونس بإمعان، وأنه أكثر الشعوب تأثرا وقربا لتجربة تونس الفريدة، نظراً لتشابه الأوضاع السائدة فى مصر حالياً مع أوضاع وظروف تونس قبل الثورة. مشيراً إلى إنه إذا كانت مصر تختلف في وجود هامش نسبي من حرية التعبير، فإنها تتطابق مع تونس في تلاشي هامش حرية التدبير و التخطيط ، حيث ألتحقت أحزاب المعارضة بالسلطة، وهبطت وظيفتها فى طرح التغيير إلى مجرد ديكور للتعددية الشكلية فقط، خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب الأخيرة وعادت البلاد إلى نظام الحزب الواحد، وابتعد الجميع عن السياسة خوفا من السجون المفتوحة على مصراعيها لكل من يسعى جاهدا في سبيل التغيير الحقيقي، و أصبحت النقابات والمجتمع المدني مقيدة بأغلال قوانين حديدية جائرة تمنعها من ممارسة أنشطتها بحرية ، كل ذلك بالاضافة الى وجود الإعلام الرسمي الذى يساند الرئيس الحاكم بعبارته المشهورة : "كل شيء يجري بفضل توجيهاته الحكيمة" ، فالاعلام المصرى يرضى ويدعم النظام الحاكم ويشد على يديه ويغض النظر عن انتهاكاته، فى حين يسب جماعة "الإخوان المسلمين" ويلقبها دائما ب "المحظورة "، في تطابق تام مع ما كان يفعله الرئيس بن علي مع "حركة النهضة الإسلامية". أوجه التشابه كثيرة وإستكمل عمار أوجه التشابه بين مصر وتونس والتى قد تؤدى إلى إندلاع ثورة فى مصر مثل ما فعل الشعب التونسى وهى ، ذهاب عائد التنمية إلى جيوب القلة من رجال السلطة و الأعمال، بينما يعانى معظم المصريين من الفقر والحرمان، بالإضافة الى اعتماد الدولة التام على "قوة الأمن" في التحكم بمقاليد الأمور، وأكد عمار أن تجربة تونس أحدثت فى مصر أربع إتجاهات يجب النظر إليها والتمعن فيها لمحاولة تجنب ما حدث فى تونس وهى : 1 أن تدرس السلطة في مصر ما جرى في تونس جيدا، لتصل إلى حيل وطرق تمنع تكرار التجربة فى مصر، وفي مقدمتها التجنب المؤقت لأي سياسات من شأنها رفع الأسعار مرة أخرى ، وعدم خنق حرية التعبير، وتوسيع هامش المناورة السياسية أمام المعارضة، وتخفيف القبضة الأمنية. 2 أن تدرس المؤسسات المعنية بمستقبل مصر وأمنها الوطني الظروف التي من شأنها أن تؤدي إلى هشاشة وضعف البيئة السياسية والإجتماعية، ومن هذه الأوضاع "غموض الوضع حول منصب الرئيس"، والإفراط في الاعتماد على الأمن، وحرمان المعارضة من التمثيل السياسي المناسب، وقمع قوى المجتمع المدني، حتى تصبح لهذه المؤسسات قدرة فى حسم أمور لصالح "الدولة" على حساب" النظام الحاكم" في الشهور المقبلة بعد اختلال طويل بين الكفتين لصالح الثانية، لتسد بذلك حدوث العنف فى التغيير ، وتفتح الطريق أمام تغيير طوعي يُصنع على أكتاف الشعب ، أو يأتي من داخل النظام عملا بمقولة : بيدي لا بيد عمرو. 3 أن تدرس قوى التغيير الجديدة، التي نشأت كحركات اجتماعية وسياسية التجربة التونسية بتعمق شديد، وتفتح نقاشا لإعادة النظر في " التكتيك " الذي اتبعته الثورة وقام على ضرورة "التغيير من أعلى".، فتجربة تونس بدأت من جوانب اجتماعية وتصاعدت لتشتبك مع السياق السياسي الطبيعي وإنتهت بخلع الحاكم، بينما بدأت الأحزاب السياسية فى مصر بدعوة الحاكم إلى الرحيل أو التغيير الجذري دون استحضار الشعب في المشهد، وتبنوا "أجندة" ليست واضحة للشعب المصرى والتى تتضمن ، الحريات العامة وتأسيس دستور جديد وإنهاء حالة الطوارئ، فانعزلوا عن الناس، كل ذلك جعل الاحزاب تدخل فى مرحلة "تآكل ذاتي" أورثتهم ضعفا في مواجهة السلطة، وما جرى في تونس قد يجعل النخبة المصرية المطالبة بالتغيير تعيد وضع " مشكلة الخبز" إلى جانب "الحرية" ، و إطلاق شعار "الطريق إلى الرئاسة يبدأ بالرغيف". 4 أن ما جرى في تونس يلهم الشعب المصري نفسه، فالتغيير هناك لم تصنعه أحزاب المعارضة ولا جماعات المثقفين، إنما بدأ بسواعد البسطاء واكتمل بهم، ودخل محترفو السياسة على خط الأحداث بعد أن اطمأنوا إلى قوة الدفع الجماهيري الرهيب، أما في مصر فقد تراخت ثقة الناس في قدرة المعارضين على صنع البديل والتغيير ، لكن شعب تونس يقدم نموذجا ناجحا في إمكانية أن يأتي التغيير من قاع المجتمع، ويتصاعد حتى يصل إلى رأس هرم السلطة. وأكد عمار على ضرورة قيام جميع من فى مصر بدراسة ثورة تونس دراسة شاملة واعية، لكل ما سيطر على الشعب التونسى ودفعه إلى القيام بتجربة يحلم بها معظم الشعوب العربية، محذرا من محاولة السلطة ومؤسسات الدولة إظهار عدم تأثير ثورة تونس على المصريين ، فى الوقت الذى تتنامى فيه الحركات السياسية الجديدة والجماهير الغفيرة بما جرى في تونس ، والتى تغمرها أماني عريضة فتقول " يرونه بعيدا ونراه قريبا " ، مذكرا بثورة المصريين على غلاء الأسعار فى عهد السادات ، الذى رضخ فى النهاية إلى إرادة المتظاهرين ، وألغي كل القرارات التى دفعتهم إلى التظاهر .