الداعية الإسلامى الكبير د. عبدالله المصلح الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمى فى القرآن والسنة بمكة المكرمة ،ولد ونشأ بالرياض فى المملكة العربية السعودية، عمل عميداً لكلية الشريعة واللغة العربية فى «أبها» بالمملكة، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة فى رحلة علمية طويلة، تقلد العديد من المناصب والدرجات العلمية، وهو عضو المجلس التأسيسى والتفنيذى لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، ونائب رئيس مجلس أمناء جامعة «شيتا جونغ» الإسلامية فى بنجلاديش ورئيس المجلس التأسيسى للجامعة الأمريكية المفتوحة بنيويورك ومستشار كلية الدراسات الإسلامية بدبى، له العديد من المؤلفات ومنها: «المملكة الخاصة فى الشريعة الإسلامية ومقارنتها بالاتجاهات المعاصرة، ومنهج الإسلام فى صيانة المجتمعات وحقوق غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى، والإعجاز العلمى فى القرآن والسنة.. تاريخه وضوابطه والمنح الإلهية فى إقامة الحجة على البشرية»، فى زيارة خاطفة للقاهرة «الوفد» التقت فضيلته فدار هذا الحوار: بداية.. ما الرؤية التى ينطلق منها د. «المصلح» فى معالجة القضايا الفكرية فى جميع الأحوال؟ - أؤمن إيماناً راسخاً أن الأمة لم تصل إلى ما وصلت إليه من حضيض، إلا لأنها تركت إسلامها وقرآنها خلف ظهرها، ولذلك كل ما أحاول فعله هو تذكير الأمة بالعودة إلى الإسلام مرة أخرى وإلى كتاب الله وسنة النبى صلى الله عليه وسلم فى رفق ورحمة ولين، فأنا لا أؤمن بالعنف، فالقضية تحتاج إلى منطق، نحن نريد أن نقنع الناس بالمنطق أن الأمة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا لأنها انسلخت من تراثها وبدأت تحاكى أنماطاً غربية، وصحيح أن الغرب وصل علمياً وتقدمياً، إلا أنه أفسد أخلاقياً وسلوكياً، وأنا أكره أن ينساق العرب فى قطار الحضارة الغربية انسياقاً أعمى، فلابد من العودة إلى الإسلام والإيمان بالله ورسوله. هل ترى أن القرآن نزل ليكون مرجعاً علمياً؟ - أبداً.. فالقرآن فى الأصل كتاب هداية، ولكن بالإضافة إلى رسالته الأساسية وهى الدين بركائزه الأربع، العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات، وهى قضايا لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيها ضوابط صحيحة، ولكن بالإضافة لرسالة القرآن الأساسية وهى الدين فإن القرآن الكريم يحوى إشارات إلى العديد من حقائق الكون وظواهره، وهذه الإشارات الكونية فى كتاب الله التى تزيد على الألف آية صريحة جاءت لأهداف ثلاثة يمكن إيجازها فى الشهادة لله بطلاقة القدرة فى إبداع الخلق، الشهادة لله الذى أبدع هذا الكون بعلمه، وحكمته وقدرته، إنه قادر على إفناء ما قد خلق وعلى إعادة بعثه من جديد، وقد كانت قضية البعث عبر التاريخ هى حجة المعاندين والكافرين والمتشككين، هذه الآيات الكونية فى القرآن وفى أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم هى شهادة على أهل عصرنا الذين فتنوا بالعلم ومعطياته فتنة كبيرة وهى خطاب الدعوة فى هذا العصر لأنه لا يمكن لعاقل أن يتصور مصدراً لهذه الحقائق الكونية أو وصفاً للعديد من ظواهر الكون هذه الدقة العلمية الفائقة والشمول والكمال فى زمن لم تكن للإنسان فيه أى معلومات عن هذه القضايا، خاصة أنها قد نزلت على نبى أمى صلى الله عليه وسلم وفى أمة كان غالبيتها الساحقة من الأميين، ولذلك يقتضى المنطق السوى أن المصدر الوحيد لهذه الحقائق هو الله الخالق سبحانه وتعالى. فى رأيكم.. هل هناك تصادم بين العلم والدين؟ - الإسلام أصوله السماوية حفظت حفظاً كاملاً بنفس لغة الوحى، ومن هنا لا يمكن أن يكون هناك تصادم بين حقائق العلم ونصوص الدين، أما التصادم فيحدث بين العلم والأديان المحرفة. كثيرا ما يحدث لبس لدى البعض فى تحديد مصطلح الإعجاز العلمى والتفسير العلمى، فما الفارق بينهما من وجهة نظر فضيلتكم؟ - بالفعل.. كثيرا ما يحدث لبس لدى الكثير من تحديد مصطلح الإعجاز العلمى مما يعرضهم لشبهات إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبى، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولا يعد حقيقة إلا الشىء الذى له ثبات ووجود، أى أنه شىء ثابت قطعاً ويقيناً، أما الافتراض فهو تخمين واستنتاج زكى يصوغه ويتبناه الباحث مؤقتاً لشرح بعض ما يلاحظه من الحقائق والظواهر، وكثير من الباحثين يفرقون بين الإعجاز العلمى والتفسير العلمى، فمن ناحية العلاقة بينهما فإن التفسير العلمى أعم من الإعجاز العلمى، فكل إعجاز علمى فهو من قبيل التفسير دون العكس، ومن ناحية وضع كل منهما فإن الإعجاز العلمى خاص بما يتعلق بالتوفيق بين الحقائق الشرعية والحقائق الكونية، بينما التفسير العلمى يتناول النظريات والإشارات الضمنية، كما أن الإعجاز العلمى متفق عليه بين أهل التفسير، أما التفسير العلمى فمختلف فيه، بل إن من العلماء من يحرمه، كذلك فإن التفسير العلمى إذا لم تراع ضوابطه وشروطه يكون سبباً فى وقوع الخطأ فى فهم كتاب الله لسعة مجاله، وبالتالى فإن كثيراً من الباحثين المعاصرين انحرفوا فيه عن الصواب فوقعوا فى أخطاء شنيعة عندما حاولوا ربط فهمهم للوحى بنظريات وفروض خاطئة، أما الإعجاز العلمى، فهو أوضح من ذلك، والخطأ فيه أقل. هل هناك ضوابط لاستخراج وجه الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة؟ - نعم.. وتتمثل تلك الضوابط فى نقاط أهمها ثبوت النص وصحته إن كان حديثاً نبوياً، أما القرآن فهو متواتر، وثانى تلك الضوابط هو ثبوت الحقيقة العلمية ثبوتاً قطعياً، أى أنها تجاوزت مرحلة الافتراض والنظرية إلى مرحلة القانون العلمى، أما ثالث تلك الضوابط فهو وجود الإشارة إلى الحقيقة العلمية فى النص القرآنى أو الحديث النبوى بشكل واضح لا شك فيه. هل تعد تلك الضوابط بمثابة الحجر على الباحثين أو منعهم من التدبر فى كتاب الله؟ - ليس صحيحاً ذلك.. إنما هى محاولة لضبط مسيرة البحث وإرشاد الباحثين المسلمين إلى الطريق الصحيح لفهم كتاب الله تعالى فى جانب الإعجاز العلمى والتفسير العلمى، ويمكن للباحث غير المتخصص أن يراجع أهل الاختصاص فيما يخفى عليه أو يشترك مع متخصص من أجل الوصول إلى الحق بعيداً عن تقليد الآخرين وترديد أقوالهم. بالرغم من انتشار الحديث عن قضايا الإعجاز العلمى والسنة، إلا أن هناك الكثيرين من ينكرونه فما ردكم؟ - قضايا الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة لا ينكرها إلا مكابر أو جاهل، والجهل نابع من عدم الفهم أو العلم، فكثير من الحقائق المادية أصبحت من المسلمات غير القابلة للنقد أو الانكار عند العلماء، فالعلماء يقتنعون بمجرد المعرفة بما ورد فى القرآن الكريم، أما المشكلة الرئيسية فهى مع المتخلفين والجهلة الذين يجهلون الحقائق العلمية، كما أن بعض آيات الإعجاز العلمى التى وقف العلماء المحدثون أمامها مذهولين حيارى، ولم يملك بعضهم إلا أن شهد أنه «لا إله إلا الله» مصداقاً لقوله تعالى: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يُضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد فى السماء» (الأنعام: 125)، لكن الإعجاز يواجه كثيراً من المعوقات أبرزها اقتحام مجموعة من لم يقفوا على ضوابطه، لذلك فأنا أدعو كل مسلم غيور يخشى الله إن لم تكن لديه القدرة على خوض هذا المجال أو معرفة هذا العلم وضوابطه وقواعده ألا يتعرض لقضاياه، فربما أفسد أكثر مما يصلح، لأنه قد يستدل بغير المقصود فى لغة العرب، مما يأتى بنتيجة عكسية. وهل الغرب لديه قناعة بقضايا الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة؟ - نعم.. فالغرب لا يعرف إلا لغة العلم .. والمنصفون منهم هم الذين يحكمون العقل ولا يبحثون إلا عن الحقيقة ولذلك فأكثرهم يسلمون عند معرفة الحقيقة، فمثلاً عندما أخبر بها منذ نزوله، أيضا قضية إنزال المطر وتكوين السحاب، كل هذه القضايا لم يكن يعرفها الغرب ولم يتوصل لها إلا بعد اكتشاف الأجهزة الحديثة، أما كتاب الله فقد ضم بين دفتيه آيات الإعجاز العلمى منذ أن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذن ما المهمة الأساسية التى تقع على عاتق المهتمين بهذا المجال؟ - هى تنحصر فى أمرين، أولهما الدلالة العلمية المعاصرة على أن هذه الرسالة حق، وأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول من الله، والثانية أن تقبل أوامر الإسلام ما دمنا آمنا به، فى العقيدة والعبادة ونظم الحياة، لأن القبول بالإسلام كعقيدة وشعائر فقط دون الأخذ بمنهاجه فى تسير شئون الحياة هو دعوة علمانية تريد أن تطغى فى ساحتنا وأن تجعل لها حق التشريع وتسيير الأمور، ونحن نقول غير ذلك ودليلنا قول الله تعالى: «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير». أخيراً.. بعد هذه الرحلة التى قضيتها مع الحقائق العلمية والإعجاز فى القرآن والسنة بماذا خرجت من هذا المشوار؟ - أرى أن البحث فى قضية الإعجاز العلمى أصبح واقعاً وحقيقة ثابتة خاصة بعد أن أصبحت تدرس فى أغلب الجامعات والمدارس، وتعقد من أجلها المؤتمرات وآخرها المؤتمر الحادى عشر للإعجاز العلمى فى القرآن والسنة والذى نظمته الهيئة العالمية للإعجاز العلمى بمكة المكرمة بالمركز الثقافى بالعاصمة الإسبانية «مدريد» بحضور أكثر من 200 باحث ومفكر وعالم من مختلف دول العالم، والذى استعرض الكثير من الأبحاث التى تناولت جميع أنواع الإعجاز فى مختلف المجالات فى الطب والهندسة واللغة والقرآن والسنة والاقتصاد والذى شهد حضوراً مكثفاً من بقاع الأرض، كل ذلك يوضح مدى أهمية الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة ودراسة قضاياه بل والأبلغ من ذلك فقد شهد هذا المجال إسلام الكثيرين من البلاد الغربية من العلماء وغيرهم، إقراراً للحق والإعجاز الإلهى فى كل علوم القرآن والطب ومناحى الحياة المختلفة.