تُهنا وسط أزمة القضاة والمحامين. اعتدنا أن يقف شخص واحد ليفض مشكلة بين طرفين. ولكننا اليوم نقف بالملايين نحاول فض الاشتباك الذى وقع بين القضاة والمحامين. مصر بأكملها تريد فض هذه الخناقة التى حولها البعض الى صراع على «الهيبة» وفرض السيطرة. الواضح لأى متابع هنا هو أن الطرفين الآن ينظران الى المشكلة على انها قضية كرامة شخصية. ولن يتنازل أي طرف للآخر. القضاة بعد أن كان من الممكن إقناعهم بإعادة صياغة المادة 18 موضع الخلاف عادوا لرأيهم السابق بعد الأحداث التى أطلق فيها الرصاص على أعتاب الجمعية العمومية لنادى القضاة. أى أن تمسكهم بالقانون كما تم اقتراحه واضح جداً، والمسألة هنا أنهم يشعرون بالإهانة من التلميحات والشعارات والهتافات التى انتشرت طوال أيام الأزمة... ووصلت الى أن يرفع بعض المحامين الأحذية فى وجه القضاة. لقد بلغ غضب القضاة وحزنهم على ما يحدث درجة أنهم طالبوا الجهات المختصة فى الدولة بتشكيل لجنة تقصى حقائق حول الأزمة والخسائر التى نتجت عنها لمصر. المحامون على الجانب الآخر أيضاً غاضبون للغاية، وبعضهم استغل هذه الأزمة لاستعراض قوته قبل انتخابات نقابة المحامين التى كان من المقرر ان يشرف عليها القضاة. تحولت القضية لدى المحامين أيضاً الى قضية كرامة. وهم يشعرون أن المادة 18 مهينة لهم ولدورهم فى تحقيق العدالة. مهنة بأكملها تشعر أنها فى خطر.. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو ماذا بعد؟ إلى أين تذهب بنا هذه الأزمة؟!. القضية ليست زوجاً وزوجة لا يريدان التنازل و«نقحت» عليهما كرامتهما فقررا هدم بيت الزوجية... القضية هنا هى القضاء والعدالة فى مصر. قضية تهم الدولة بأكملها، والطرفان يعترفان بأن هناك سلبيات داخل كل طرف منهما، ويعلنان انهما يحترمان بعضهما البعض.. عجيبة.. إذن ما هى أسباب الاحتياج للجنازير والأحذية والمظاهرات والمواجهات؟ تحول خلاف فى الرأى إلى كارثة تهدد مصر كلها وإلى حرب يصر كل طرف فيها على الفوز بأى ثمن. لا أحد يريد أن يتنازل ولو جزئياً.. والمحامون لا يريدون اعطاء فرصة لتهدئة الوضع والقضاة لن يقبلوا بأن يعتبر المحامون أنهم انتصروا وكسروا هيبة القاضى؟! هناك طرف ثالث صامت حتى الآن فى هذه المعادلة الكارثية هو الجهات المختصة فى الدولة. والمقصود بهذا التعبير هو المجلس العسكرى والحكومة. نعم.. والله العظيم عندنا حكومة ورئيسها اسمه عصام شرف وكان يجب ان يكون لها دور ليس فى صياغة القانون ولكن فى الأزمة المشتعلة وعدم قدرة القاضى على الدخول الى قاعة المحكمة لأنه غير آمن والمحكمة غير مؤمنة. وإذا كنا نعلم جميعاً مقدرة الحكومة ورأينا فيها... فهذا يجعلنا ننظر الى المجلس العسكرى باعتباره الآن يتولى رئاسة مصر. عدم وضوح دور المجلس فى تأمين القضاء والقضاة أمر يحتاج الى إعادة نظر وتوضيح. وأنا لا أستعدى الجيش ضد المحامين بل أقف أمام نقطة جدلية يجب أن نطرحها، لا يجب أبداً ان تقدر طائفة أو حزب أو كتلة أو نقابة على إيقاف سير العدالة فى مصر... ايقاف سير العدالة تدمير للدولة وانقاص من حقوق المجتمع، ولا يجب أن تكون هناك فئة أو حزب أو كتلة فوق القانون أو أن تتسلط على فئة أخرى بقانون... مصر بأكملها تسأل وماذا بعد ياسادة... ماذا بعد يا قضاة مصر ويا نقابة المحامين...؟! إلى أين تذهبون بنا؟