لم يتخيل فتحي سرور في يوم من الأيام أن يكون في موقع بعيدا عن رئاسة مجلس الشعب، لذا عندما سئل قبيل الثورة عن وجود نية لحل البرلمان تمهيدا لتوريث جمال مبارك كان رده: «هذا كلام حشاشين»، وبعدها بأسابيع سقط البرلمان والنظام برمته وانتصر «الحشاشون» على سرور ولكن يبدو أن سهامهم لا تطول رفاقه من الفلول، فعلى عكس كل ما يثار على الساحة السياسية وفي الأوساط الإعلامية منذ هبوب رياح ثورة 25 يناير وحتى الآن، جاءت الساعات الأولى للترشح لعضوية مجلس الشعب لتعلن للقاصي والداني أن فلول الحزب الوطني قادمون لا محالة بعد حسمهم السباق علي المقاعد الفردية, خصوصا في دوائر الوجه القبلي وعدد من دوائر الوجه البحري وباقي محافظات مصر، هذا بخلاف تسلل رموز الوطنى في البرلمان السابق إلى الأحزاب الوليدة باعتبارهم رجال كل العصور. وليس خافيا على أحد ما أثارته موافقة لجنة الأحزاب السياسية على إشهار حزبى «مصر القومى» و«البداية» ضمن الأحزاب القائمة من ردود فعل غاضبة على المستويين السياسى والشعبى، حيث اعتبره البعض الباب الخلفى للتسلل للبرلمان عن طريق القائمة النسبية، بالإضافة إلى استفادتهم من النظام الفردى وخاصة مع قرب الانتخابات، واعتبره البعض الآخر التفافًا على مطالب الثورة والتلاعب بها، وطريقة جديدة لاستنساخ الحزب الوطني تحت مسمى حزب «البداية» و«مصر القومى» وقبلهما حزبا «الحرية» و«المواطن المصرى». ومن بين ما أثير في هذا الصدد أن حزب «المواطن المصرى» يضم أكثر من 14 ألفاً من أعضاء الحزب المنحل من مختلف المحافظات. يزداد الوضع اضطرابا اذا علمنا أن النظام الانتخابي الجديد مستنسخ من نظام 1986 المطعون في دستوريته، والمعروف أن مصر مرت بثلاثة من أهم الأنظمة الانتخابية خلال الفترة ما بين عام 1984 - 2005 وهي: نظام القائمة الحزبية النسبية (عام 1984)، ونظام القوائم الحزبية مع وجود بعض المقاعد الفردية (عام 1987)، والنظام الفردي ( انتخابات أعوام 1990 و1995 و2000 و2005)، كما جرت الانتخابات البرلمانية منذ أن وضع دستور 1923 وحتى عام 1984 وفقاً للنظام الفردي. على أن هذا النظام اختلف تطبيقه من وقت لآخر، حسبما يوضح الدكتور عمرو هاشم ربيع في دراسته العلمية حول تقييم نظم انتخابات مجلس الشعب، في محاولة من جانبه للبحث عن نظام انتخابي أمثل، يتحقق حوله حد أدني من التوافق. ما يهمنا في هذه المسألة هو دوامة عدم الدستورية التي عاشتها مصر طوال عقد الثمانينيات، وكان بطلها المحامي القدير كمال خالد رحمه الله الذي نجح في حل مجلس الشعب لدورتين متتاليتين، ومن واقع معاصرتي لهذه المعركة بحكم عملي محررا برلمانيا آنذاك أرى أننا نقف على أعتاب هذه الدوامة من جديد. هل يذكر أحد قانون الانتخاب رقم 114 لسنة 1983 الذي نص على أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية النسبية؟ فقد رأت المحكمة الدستورية العليا عام 1986 عدم دستورية القانون بسبب ما يؤدي إليه انتخاب أعضاء المجلس بالقائمة النسبية من حجر على المواطنين غير المنتمين للأحزاب في ترشيح أنفسهم. هل يذكر أحد أيضا قانون الانتخاب 188 لسنة 1986 الذي تشابه مع القانون السابق المطعون في دستوريته، وأرى أنه قريب الشبه أيضا مع قانون الانتخاب الجديد الذي يتشكل على أساسه برلمان الثورة، إذ أكد أن يكون الانتخاب عن طريق الجمع في كل دائرة انتخابية بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، وعلى الرغم من أن هذا التعديل قد جاء بأكبر نسبة من المعارضين في تاريخ مجلس الشعب (100 عضو تقريباً). إلا أنه كان تعديلاً شكلياً إلى حد كبير، لأنه لم يعط المستقلين سوى مقعد واحد في كل دائرة انتخابية، وهو أمر لم يتناسب مع الوزن السياسي الضخم للمستقلين. وعلى أية حال أصدرت المحكمة الدستورية العليا قراراً بعدم دستورية قانون المزج بين القوائم والفردي، ومن ثم صدر القرار بقانون رقم 201 لسنة 1990، حيث أصبح نظام الانتخاب هو النظام الفردي، الذي يتيح لكافة الأشخاص المؤهلين للترشيح خوض الانتخابات دون أية قيود، بما ينهي عملياً وجود الأحزاب السياسية في مجتمع نام لا زال يأمل أن تكون الأحزاب السياسية إحدى أهم وسائل التنمية السياسية فيه. باختصار، نحن أمام معضلة سياسية اسمها سباق الفلول على المقاعد الفردية، وشبهة عدم دستورية قد تطول البرلمان القادم وتؤدي الى بطلانه وحله قياسا على تجربة برلمان 1986 لعدم تكافؤ الفرص بين المرشح المستقل ومرشحي القوائم، وبصرف النظر عن الجدل الدستوري المرتقب فإن صدور قانون العزل السياسي قد يدخلنا في سلسلة أخرى من الطعون لاستبعاد الفلول الذين تسربوا الى برلمان الثورة، أي أننا على حافة دوامة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والتشريعي تتطلب وقفة جادة ومعالجة حكيمة بعيدا عن ضغوط الجدول الزمني أو ابتزاز القوى الخارجية.. اللهم قد بلغت.