"لبى النداء وكان اللّه داعيه، وأرخص العمر حين الحق ناداه، إنه الشهيد الحي عند بارئه مكرمُ بنعيم كان يهواه، مستبشر بنعيم ليس يدركه ، فهو الشهيد الذى تحدث البارى عن مزاياه ،أعطى الشباب دروسًا ليس يعرفها إلا الذي ارتفعت لله يمناه" .. "صورة فى برواز" معلق داخل منزل كان يسكنه، وأم ثكلى كان هو أملها الوحيد و ابًا كسر ظهره من بعد فارقه فمات الصديق والاخ الصغير.. هكذا حال منزل الشهيد محمد محمد جودة عثمان، بأحد شوارع منطقة الخانكة بالقليوبية، الذى استشهد فى أحداث فض اعتصام رابعة العدوية. "بوابة الوفد" التقت هدى كمال الدين محمد، والدة الشهيد محمد جودة والذى سردت الينا روايات ومواقف نبيلة تميز بها ابنها البار، والتى لم تكن تعرفها عنه الا بعد وفاته. "أسد العمليات الخاصة" كما لقبه البعض عقب تخرجه في كلية الشرطة عام 2010، عمل بالشرطة منذ ثلاثة اعوام وكان برتبة ملازم أول وقت استشهاده، وكان يتبقي على ترقيته كنقيب 8 أشهر، كان عازبًا. وقد ارتفعت روح جودة الطاهرة إلى السماء وهو يبلغ من العمر 24 عامًا و7 ايام وكان الابن الأوسط لأخ أكبر منه واختان. " اه يا ابا "هكذا بدأت والدة الشهيد حديثها عن ابنها مع "بوابة الوفد" ، بنبرة حزن ممزوجة بدموع أم ملكومة تخبئها عينها، متابعة "لو فضلت سنوات أتحدث عن المواقف النبيلة وعن أخلاق محمد مش همل، جميعها مواقف نبيلة ولم أكن أعلمها إلا بعد استشهاده، فقد اشتهر بين زملائه وجيرانه بحبه الشديد لأداء الصلاة في أوقاتها ولا يتوانى عن تقديم خدماته ومساعداته لكل من يطلب منه شيئا، ولكن العجيب فى الأمر أن الذين كانوا سبب فى استشهاده لم يكتفوا بهذا قط، فقد اتهموا بعد وفاته أنه إخوانى وأنه متزوج، ولكنه لم يخطب حتى، فقد تعرضوا إلينا مرارًا وتكرارًا اثناء خروجنا لمسيرات مويدة للجيش هنا فى شوارع الخانكة فلم يكتفوا بقتله بل شوهوا سمعته بانه لم يطلق النار على ميدان رابعة ليبتكروا كذبه جديدة باننا انا وابيه كنا داخل الميدان". وبعدما تنهدت بضيق، مستطردة "كان متكفلًا بأسر فقيرة كل شهر فضلًا على إنه كان يعامل العساكر على انهم أخوة له.. كيف أنسى هذا الوجه المبتسم الجميل، إنه كان أجمل شىء لى فى هذه الدنيا". وأكملت حديثها "محمد كان من ضمن الذين يقيمون بحراسة فيلا المعزول محمد مرسى، وكان دائما ما يقول إن الشعب المصري سيذوق من الإخوان الذل سواء قبل توليهم مقاليد الحكم أو بعدها" وقال لنا "هؤلاء الناس لو تولوا حكم مصر هيذلوا الشعب المصري"، وكل ما قاله رايناه بعد ذلك. وزادت بقولها "لحظة معرفة استشهاده كانت لحظة موت بالنسبالى انا أبوه، كانت الراحة الاسبوعية لابني يوم الاثنين قبل عملية فض رابعة وذاهب الى عمله يوم الثلائاء مساءً وكان والده لم يستطع النوم إلا بعد سماع صوته ولكن فى هذه الليلة لم يرد عليه، فاعتقدتنا أنه نائم واغلق الخط خوفا من ايقاظه، وفجر الأربعاء قبيل فض بؤرة رابعة اتصل بأخيه وقال له إنه ذاهب إلي مأمورية وطلب منه أن يدعو له، لانه لا يعرف مصيره وسلم علي "بابا وماما وأخواتي"، وكانت تلك المرة الأولى التي يطلب هذا أو يكون قلقا من مأمورية يخرج فيها، على الرغم من ذاهبه الى مأموريات كثيرة في العريش وغيرها وسجل فيها بطولات عديدة وكأنه كان يعلم أن روحه الذكية ستذهب إلى بارئها . وفي صباح الاربعاء اتصل ابن عمه بي واخبرنى بأنى افتح التلفاز لانه يذاع على إحدى القنوات أن محمد استشهد وكان خبرا صعبا جدًا و ارتفع صوت البكاء "حبيبى كان لسه جايب بدل جديدة لسه بكيسها لحد دلوقتي ". وقالت بكلمات ممزوجة بالدموع "ابنى أتقتل على يد قناصة من على عمارة فى الميدان لكن للأسف الداخلية لم تأخذ الاحتياطات اللازمة ولم تراعي وجود هؤلاء القناصة على تلك العمارة الموجودة برابعة ولا أعرف السبب الذي جعل الداخلية تتركهم فكان يجب ضربهم قبل أن يقوم هؤلاء القناصة بضربهم". وعن تكريم الشهيد، قالت الأم إنه تم تغير اسم مدرسة مصر الحديثة بنين الى مدرسة الشهيد النقيب محمد جودة، ولكن التكرم الحقيقى لها عندما يتم الحكم بالاعدام على كل الايادي الملطخة بالدماء، وعن القناصة التى لم نعلم عنهم شيئا حتى الآن وكل إرهابى ضحك على الناس باسم الدين . وعن سؤالنا لها عن عيد الأم وكيف كان يقضى نجلها معاها، قالت إنها لم تهتم قط بالهدايا على قدر ما كانت تهتم برجوعه بالسلامة فكان يعتبر بالنسبة لها اجمل هدية فى هذه الدنيا، ولكنى هديتى فى عيد الام هى "مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسى.. لقد طلبتها مرارا وأطلبها الآن فأنا أريد مقابلته".