حضور قوي، وتزايد مستمر، لحزب الله اللناني، الذي يصنفه المراقبون بأنه الذراع العسكري لإيران في المنطقة، ورغم أن بدايته كانت في لبنان كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه لم يلبث أن تغلغل في الدول العربية واحدة تلو الآخرى. «النشأة»: عُرف حزب الله منذ نشأته في الساحة اللبنانية، بأنه حركة مقاومة إسلامية، بعدما اكتسب وجوده عن طريق المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياحه بيروت عام 1982، وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو عام 2000. كما تصدى له في حرب تموز 2006، وألحق في صفوفه خسائر كبيرة اعتبرت في إسرائيل إخفاقات خطيرة وتهديد وجودي لإسرائيل كدولة. إلا أن استخدام إيران لللحزب يدا لها في الدول العربية، وقيامه بالعديد من العمليات لصالحها دفع العديد من الدول الغربية والعربية لتصنيفه منظمة إرهابية، وكان آخرها جامعة الدول العربية التي صوتت خلال الأسبوع الماضي على إدراجه منظمة إرهابية، باستثناء أصوات الجزائر وتونس. «العراق»: نشأت كتائب حزب الله في العراق، عام 2003، بدعوى مواجهة الاحتلال الأمريكي للعاصمة بغداد، وإخراجه منها والدفاع عن مقدساتها، عقب سقوط بغداد في يد الاحتلال الأمريكي ومع تصاعد النفوذ الشيعي بعد الإطاحة بحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. ولكن بات كتائب حزب الله، رأس الحربة في مقاتلة تنظيم داعش الآن في العراق، وتمكنت من تأدية أدوار قيادية وعسكرية، حيث تشكل مقدار النصف أو أكثر من القوات الحكومية، بعد دمجها وحدات من قوى الأمن الداخلي، وارتباطها ارتباطًا مباشرًا بمسؤولين حكوميين، وتتلقى دعمًا لوجيستيًا من إيران. وهو ما أشار إليه الباحث فيليب سميث، في جامعة ماريلاند الأمريكية، من خلال أحد أبحاثه، التي تحدث فيها عن استخدام إيران لحزب الله في المنطقة، مؤكدًا أن كتائب حزب الله باتت تمضي في مسار تصادمي يتماشي مع المصالح الإيرانية. وأوضح خلال بحثه، أنها أسلوب تتبعه إيران لإحداث التداخل والفوضى في المنطقة، ما يتيح لطهران ولوكلائها إمكانية نفي ممارساتها وتمويه أفعالها الإجرامية، ونشر التشيع في المنطقة. ورأى أن الوفرة الكبيرة من الميليشيات في العراق، ستار لإيران، يسمح لها بإخفاء نفوذها، ولهذا تدعم طهران أكثر من 50 ميليشيا في العراق، ومثلها في سوريا. وأكد أن عمل حزب الله في العراق يراد به تعزيز السياسة الإقليمية لإيران في المنطقة، وتوفير نفوذ طهران في دول تضم أقليات شيعية. ولفت إلى أن المهارات القتالية التي تتوافر لدى عناصر حزب الله، هي في الأساس تدريبات تلقوها على يد الحرس الثوري الإيراني، وأعطى مثالًا بالتهديدات التي وجهها حزب الله إلى المملكة العربية السعودية، على خلفية حكم الإعدام الصادر بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر٬ بعد إدانته بتهم إشعال الفتنة الطائفية وجرائم مرتبطة بها في أكتوبر 2014. كما أن فليق القدس، وهو قوات حرس ثوري إيراني، تتولى التمويل المادي لحزب الله، حيث أنها مسؤولة عن عدة عمليات وقعت خارج طهران في الدول العربية، وتدرب عناصر حزب الله على زرع العبوات الناسفة، وتنسيق الهجمات بالأسلحة الصغيرة والمتوسطة، وهجمات القناصة وقذائف الهاون، والهجمات الصاروخية. ويقود وحدة القوات الخاصة، فليق القدس، قاسم سليماني، الذي يعدممثل المرشد الإيراني علي خامئني، في العراق. «سوريا»: وكانت سوريا، ثاني الدول العربية التي تدخل حزب الله فيها، بعد اندلاع ثورتها في 2011، وما تلاه من صراع بين النظام السوري برئاسة بشار الأسد، وقوات المعارضة، وبات هناك كفتان في تلك الأزمة، الأولى تدعم وجود الأسد والثانية، ترى رحيله هو حل الأزمة. وانضمت إيران إلى تأييد الأسد، بحكم كونه من أسرة العلويين وهي إحد الطوائف الشيعية، واستخدمت حزب الله من جديد في دعم الرئيس السوري، بحكم سعيها لتمدد الشيعة في المنطقة، وبالفعل تدخل حزب الله في الحرب السورية وشارك في عدد من المعارك إلى جانب النظام السوري، وأشهر تلك المعارك هي معركة القصير. واتهمت المعارضة السورية، حزب الله، بأنه يضم عناصر شيعية من إيرانولبنان، وأنه لا يقبل عناصر من غير أتباع المذهب الشيعي، بل إنه يرفض حتى قبول أبناء الطائفة العلوية. وأكدت المعارضة، أنها اكتشفت عناصر تنتمي إلى حزب الله، من بين القتلى الذين سقطوا للنظام على جبهات درعا والقنيطرة وحلب، وقد حملوا بطاقات ومهمات قتالية تشير إلى ذلك. كما نشر الإعلام العراقي في الفترة الأخيرة، مقاطع فيديو تتضمن اعترافات لعناصر قبض عليهم الجيش الحر في أكثر من موقع، بأنهم ينتمون إلى حزب الله السوري، وتم تجنيدهم خلال الشهرين الأخيرين برعاية إيرانية. وبات الحزب أمرًا واقعًا على الساحة السورية، بعدما صرح الجنرال حسين همداني، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني سابًقا، بأن إيران أسست حزب الله في سوريا على غرار حزب الله اللبناني. «اليمن»: ويبدو أن إيران تأبى أن تترك جزء من المنطقة العربية دون تدخل فعلي به، حيث استخدمت حزب الله اللبناني في تجنيد المئات من المقاتلين اليمنيين التابعين للحوثيين، فضلًا عن تأهيل طواقم إعلامية وصحفية عبر دورات تدريبية استضافتها بيروت، واعتمدت على تجنيد العشرات منهم لاستخدامهم في عملية الانقلاب. وهو ما أكده علي رضا زاكاني، مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، وقال إن 3 عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران عبر حزب الله، وأن صنعاء أصبحت العاصمة الرابعة. الأمر الذي أكدته الحكومة اليمنية، حينما صرحت بأن لديها العديد من الوثائق والأدلة المادية التي توضح مدى تورط أفراد ينتمون لحزب الله في الحرب، التي تشنها المليشيات الحوثية على الشعب اليمني. وأوضحت الحكومة اليمنية أن تدخل حزب الله لم بقتصر على الدعم المعنوي المعلن عنه رسميًا، بل تعدى ذلك إلى المشاركة الفعلية على الأرض، وذلك بتدريب أفراد الميلشيات الانقلابية على القتال والتواجد في ساحات القتال على الحدود السعودية، والتخطيط للمعارك وترتيب عمليات التسلل والتخريب داخل الأراضي السعودية. وكان العميد أحمد عسيري، المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي، قد أكد أن التحالف العربي الذي تقوده بلاده ضد الحوثيين، كشف ضلوع مرتزقة إيرانية وعناصر من حزب الله في تدريب الحوثيين، مشيرًا إلى أن تسجيلات صوتية تؤكد وجودهم على الحدود اليمنية السعودية، برعاية إيران. «لبنان»: وفي لبنان، تأسس حزب الله الشيعي عام 1982، لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه دخل معترك السياسة عام 1985، وقد ولد هذا الحزب من رحم حركة أمل الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران. وقد مثَّل وجود حزب الله على مدار عقود انتهاكًا صارخًا لسيادة الدولة اللبنانية وقرارها الداخلى، فلا وجود لجيش لبناني وطني قوي يمكن أن يفرض سيطرته في ظل استئثار الحزب بجنوب لبنان، فضًلا عن استمرار التدخل السافر له في الشأن الداخلى اللبناني معطلًا لمسار لبنان السياسى. وسعى حزب الله في لبنان نحو إزاحة القوى االسياسية لأخرى بالقوة، فهو لا يقبل أي شخص من مذهب أو طائفة أخرى، مهما كان موقفه داعمًا أو مؤيدًا للمقاومة، بالإضافة إلى استخدامه السلاح لفرض سياساته على اللبنانيين. فيما يبدو أن إيران أصبحت تكشف أوراقها لتؤكد على تغلغل وجودها داخل لبنان دون استحياء حيث أعلن زير الدفاع اللبناني «سمير مقبل» في تصريحات سابقة له، إنه سيطلب من الحكومة أن تأخذ في الاعتبار العرض الإيراني بتقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني، بعد قرار السعودية الأخير بوقف الهبة العسكرية للجيش المقدرة ب4 مليارات دولار.