"الأستاذ والمعلم.. الصحفي والكاتب.. رجل السياسة القريب من مراكز اتخاذ القرار" أدوار كثيرة لعبها محمد حسنين هيكل خلال حياته، الذي بدأ عمله في بلاط صاحبة الجلالة في بداية الأربعينيات من القرن الماضي. وتمكن "هيكل" في وقت قصير أن يثبت جدارته كونه صحفي موهوب له مستقبل من خلال خبطاته الصحفية، بالإضافة لمشاركته في تغطية الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين. ومن أهم المحطات في حياة "هيكل" دوره في تطوير جريدة الأهرام، والذي لا يمكن لأحد أن ينكر فضله فى إعادة الروح والحياة لها، حيث تولى رئاسة تحريرها في وقت كانت عاجزة فيه عن المنافسة، فلم يكن توزيعها يتخطى آلاف النسخ. وحمل العدد رقم 2600 من جريدة الأهرام، الصادر في 1 اغسطس 1957 اسم الأستاذ هيكل كرئيس تحرير لها، بعد أن تم تعيينه فى 31 يوليو من نفس العام، واستمر فيها 17 عامًا حتى 1974، وحقق نجاحًا هائلًا، جعلها من ضمن أفضل 10 صحف في العالم. وحين تولى هيكل رئاسة تحرير الأهرام، كان أصغر من تولى هذا المنصب على مدى تاريخه الطويل، فيقول "توزيع الأهرام حينما دخله 68 كان ألف نسخة يوميا، والخسائر قرابة المليون ونصف المليون جنيه، ومتوسط عمر العاملين فى التحرير 51 عاما، ومطبعة الأهرام فى بولاق يرجع عمرها إلى سنة 1928. عدل "الكاتب الصحفي" من منظومة العمل داخل جريدة الأهرام ، فقام بتطوير التحقيقات الصحفية، وأصبح لأول مرة فى الأهرام صفحة كاملة للتحقيقات، وقام أيضا بتطوير قسم الأخبار، بالإضافة لتطوير الإخراج الصحفى، فأعاد تصميم الصفحات من الشكل التقليدى القديم إلى شكل عصرى، جعل الأهرام يتحول فعلا إلى صحيفة عالمية. وأنشأ هيكل أرشيف الأهرام ليكون ذاكرة الصحيفة والصحفى، وكان يستعين به للحصول على المعلومات، وخلفية الأخبار والأحداث، ولم يكن اهتمامه بأرشيف المعلومات فقط، ولكن امتد إلى أرشيف الصور، وإلى قسم التصوير. وأسس هيكل لأول مرة فى تاريخ مصر مركز للدراسات السياسية والاستراتيجية تابع لجريدة الأهرام، كان يتم التركيز فيه على دراسات حول الصراع العربى الإسرائيلى، واختار لرئاسته حاتم صادق، زوج هدى عبد الناصر. والفضل يرجع أيضًا لهيكل في أن يكون مبنى الأهرام فى شارع الجلاء وهو أول مبنى لصحيفة فى العالم العربى، من عشرة أدوار وكله مكيفا تكييفا مركزيا، وفيه قاعات للمكتبة، والأرشيف، والاجتماعات وصالة تحرير على أعلى مستوى. "النظام والوقار والهدوء" كانوا سمة أساسية ميزت الأهرام وقت تولى الاستاذ هيكل رئاسة تحريرها، فحولها إلى مؤسسة لها نظم، وقواعد، وتقاليد، ولائحة، وقيادات، ورئيس مجلس الإدارة يضع السياسات ويتابع تنفيذها، ومعه قيادات كفء. وكان لرجال الأمن زى موحد، والصحفيين يرتدون البذلة أثناء عملهم بالجريدة، وتليفونات صالة التحرير بدون أجراس ولكن تضاء فيها لمبات صغيرة بدلا من الجرس للهدوء، والحديث بالهمس. وانتقل هيكل بالأهرام لكى تصبح صحيفة خبر ورأى، فكانت سبّاقة بكل خبر، ولأول مرة أصبح الوزراء الحاليون والسابقون يكتبون مقالات للرأى فى الأهرام، كما أنه بدأ بتعيين عناصر شابة لتطعيم الأهرام بدماء جديدة. كلها امور جعلت من "هيكل" السبب في ان تصبح الاهرام في المقدمة، لدرجة أن بائعو الصحف كانوا يطلقون عليها "أهرام هيكل"، وارتفع توزيعها من 60 ألف نسخة إلى 350 ألف، وعدد الجمعة كان يصل توزيعه إلى 750 ألف نسخة. وأصبح مقاله «بصراحة» من أهم المقالات المقروءة في الوطن العربي، وما فعله هيكل في تطوير الأهرام جعله محل اهتمام الجميع، فأعدت عنه 17 رسالة ماجستير ودكتوراه فى جامعات هارفارد بالولايات المتحدة والسوربون فى باريس وأكسفورد وكامبردج فى بريطانيا، والجامعات المصرية.. وزاد عدد الكتب التى صدرت عنه فى مختلف اللغات على 80 كتابا.