عندما ينجح الكاتب فى أن يصنع حالة من التوحد بين إبداعه وبين الجمهور، بالتأكيد ينتمي لشجرة الموهبة والقدرة على الخيال والابتكار، وعندما تتعايش وتصدق كل أحداث مسلسله وتتأثر وتتفاعل مع شخصياته فهو صانع ماهر ومجتهد، والسيناريست مجدي صابر هو أحد ورثة الموهوبين في الدراما، نجح خلال مشواره أن يصنع مكتبة متميزة من الأعمال التي كانت ومازالت لها تأثير عند الجمهور. وحصل مسلسل «سلسال الدم» الذي عرض منه جرآن ونشاهد جزءه الثالث، والرابع قريبًا علي أعلى نسبة مشاهدة موثقة بحجم الإعلانات التي تعرض قبل وأثناء وبعد العمل وأعاد للخريطة الدرامية مسلسلات الأجزاء. «صابر» يعترف لأول مرة أن مسلسل «سلسال الدم» هو نتاج تجربة شخصية عايشها وهو طفل في قريته بسوهاج التي ينتمي إليها، وسافر أكثر من 15 مرة ليعايش الواقع الذي يري أنه أكثر قسوة في سيناريو مسلسله.. وقال: الجزء الثالث الذي يعرض حالياً يحمل كثيراً من القضايا المهمة في الصعيد ويطلق صرخة درامية للمسئولين الذين غاب هذا المجتمع عن عيونهم وحساباتهم حتي الآن. حاورنا السيناريست مجدي صابر حول المسلسل وما يحمله من قضايا ومشاهد العنف وما الذي سيضيفه في الجزء الرابع وهل سيكرر التجربة بشكل مختلف مع دراما الصعيد وكيف عايش كل هذا العنف الذي نسمع عنه في الجنوب.. وآراء أخري عن مستقبل مصر وسلبيات وإيجابيات المرحلة التي نعيشها بعين المبدع. بداية.. ما هو الاختلاف بين الجزء الثالث والجزأين السابقين في «سلسال الدم»؟ - مازلنا نرصد ونحلل أسباب الصراع في الصعيد المرتبط بميراث الدم والمعروف كمصطلح «سلسال الدم» وتأثيره علي الأجيال المتعاقبة فهو الخط الرئيسي الممتد في العمل، والجزء الثالث يحمل مضموناً مختلفاً وهو رصد لحالة الاحتقان والكبت التي عاني منها المجتمع قبل الثورة، خاصة في الصعيد وكيف أمتدت يد التغيير في الصعيد للشكل فقط، بينما بقي الفكر المتوارث والعادات الرصينة موجودة وانتشار عادة «الثأر» اللعينة التي لم تتأثر بتعليم وتغير شكلي وتكنولوجي.. وأضاف: نرصد السلبيات وأيضاً الإيجابيات وأهمها زيادة نسبة التعليم بالصعيد، خاصة تعليم البنات ودخولهن في منافسة مع الرجال في مهن لم تكن معروفة للمرأة هناك مثل «البيزنس» والمحاماة والصحافة وغيرها، أما السلبيات فكانت استمرار الثأر وتجارة السلاح واستخدام العزوة والنفوذ والعصبية والقبلية، خاصة في توارث مقعد البرلمان وكأنها جزء من نسيج المجتمع هناك، وكل هذه الأحداث الدرامية بها إسقاط علي عهد مبارك ونصل في هذا الجزء إلي قيام الثورة. لكن العمل حمل أحداثاً ومشاهد صعبة من قتل واغتصاب وتسلط بشكل كبير.. لماذا؟ - لك أن تتخيل وأنت صعيدي مثلي زيادة مساحة العنف والقتل في الصعيد وأكثرها ضراوة حوادث الثأر التي خرجت علي المألوف بسبب وجود القبلية والعصبية وغياب الأمن وتفشي البطالة وانعدام الاستثمار وفرص العمل.. وأضاف: لو تتبعت الحوادث التي تقع في الصعيد من قتل وانتقام تجدها أشد قسوة من الموجود في «سلسال الدم» تم فلترة هذه الحوادث وكل ذلك راجع لغياب الأمن فهل يعقل الآن نري سكانها أكثر من 10 آلاف و20 ألف نسمة، يحكمها عمدة و7 غفراء فقط، ولعل ما حدث في قرية أولاد علام وبين الدابودية والهلالية في أسوان خير دليل. دراما الصعيد تحتاج لمعايشة الواقع فماذا فعلت لتوقع الأحداث؟ - أنا في الأصل صعيدي وعائلة والدتي مازالت هناك وبحكم نسبي متابع جيد لما يحدث ويدور الآن في الصعيد ثم أنني سافرت أكثر من 15 مرة لسوهاج وتجولت منفرداً في بعض أماكنها وسافرت قنا ونجع حمادي وبحكم عملي كمؤلف لست بعيداً عن الأحداث.. وأشار إلي أن فكرة «سلسال الدم» التي كتبها منذ عام 2005 هي تجربة عايشها والدي وأنا طفل لم أكمل عاماً وحكي لي عن قسوة ما يجري في الصعيد والعنصرية الشديدة والطبقية التي مازالت قابعة في العقول. الصراع بين هارون ونفوذه وبين نصرة صراع لا يخلق كل هذه المساحة من الدراما.. كيف تري ذلك؟ - بالعكس الصراع بين هارون ونفوذه يرمز لنظام اضطهد شعبه 30 عاماً ويرمز للنظام وحكامه ونصرة وهي ترمز لمصر بحكمتها وصبرها وهدوئها وتماسكها رغم الظلم والقهر الذي عانته علي يد هارون ورأيت أن يبدأ الصراع منذ بداية الثمانينيات وهي بداية فترة عصر مبارك وفي النهاية تستطيع بذكائها أن تصل لمكانة كبيرة في المجتمع وتنتصر لعائلتها التي ترمز للشعب.. وأضاف لو الصراع بين هارون وشخص آخر فهو تقليدي في الدراما لكن غير التقليدي أن يستمر الصراع بين شخص قوي وآخر لا يملك إلا الصبر والحكمة يزيد من مساحة الدراما، وفي النهاية لو قدر للعمل أن يري النور قبل الثورة، لكان أول عمل يتنبأ بها.. وأضاف نصرة نموذج متكرر في الصعيد فهي نموذج لسيدة تقود عائلة بحكمتها ومن ينكر ذلك فهو لا يعرف الصعيد وزاد حكمتها مع زيادة مصادر قوتها من مال وعائلة نجحت في حياتهم. لكن هناك نماذج نسائية مثل «علا غانم» بعيدة عن واقع الصعيد؟ - علا غانم هي النموذج الأنثوي في حياة العمدة الذي تربي في بيئة مليئة بالعنف والقتل، لذلك استغلت هذه الزاوية في محاولة بسط نفوذها علي «حمدان» العمدة أحمد سعيد عبدالغني ووالده وتدخل في صراعات كثيرة. العمل تشابكت أحداثه وشخصياته.. هل هذا خدم العمل أم شتت قضيته؟ - هذا كان من الصعوبات التي واجهتني في العمل، خاصة أنني أول مرة أكتب دراما الأجزاء وكان مخططاً لذلك وتعدد الشخصيات والقضايا مقصود وليس «نهماً درامياً» لجذب المشاهد لأنها مرتبطة ببعض وتدور في إطار التيمة الرئيسية للعمل وهو «الثأر» ومثل هذه الأعمال تحتاج لعمل بانوراما للشخصيات حتي نضيف عناصر ووجوه جديدة لدماء الدراما من خلال نقلات زمنية وتطور في الشخصيات والأجيال وهي حرفية يجب أن يراعيها الكاتب وهذه الشخصيات وتنوع القضايا خلق نوعية جديدة من جمهور الدراما لدرجة أن نصف جمهور المسلسل أصبح من الشباب مع طرح أدوار مثل المحامية والصحفي ونفوذ أعضاء مجلس الشعب في الصعيد وتجارة السلاح بجانب اهتمام «نصرة» بالاستثمار في الصعيد من خلال إقامة مصنع للمعلبات. التشعب في القضايا هو الذي دفعك لكتابة الجزء الرابع؟ - لا يزال هناك كثير من القضايا يمكن مناقشتها، فبعد انتهاء الجزء الثالث بقيام الثورة سنقدم مفاجأة في الجزء الرابع وهو خريطة الصعيد وقت حكم الإخوان لمصر وكيف تغلغل الإخوان هناك وكيف تعاملت معهم «نصرة» وما هو مصير «هارون» ويستمر الصراع ملتهباً في كل الأطر مع طرح قضايا أخري مهمة وجريئة عن الصعيد ستطرح لأول مرة. كيف تري رد الفعل تجاه المسلسل الآن؟ - لا أقول لك انظر لحجم الإعلانات التي تعرض في العمل، لكن الحمد لله نجحنا في خلق مساحة مشاهدة كبيرة ومهمة وتنوع الجمهور بين الشباب والكبار وحتي الصغار وفتح العمل موسماً درامياً جديداً لم يجرؤ عمل علي الخوض فيه خارج رمضان ونجح «سلسال الدم» في تقليل مساحة الدراما التركية علي الفضائيات وفتح شهية باقي الأعمال الأخري للعرض خارج رمضان، وقدمنا دراما شيقة ونظيفة ولا يوجد فيها مشهد عنف غير مبرر أو بدون منطق. هل هذا النجاح يدفعك لتقديم دراما أخري عن الصعيد؟ - ليس بالضرورة نجاح عمل يجعلني متخصص في الدراما الصعيدية لكن بالتأكيد هناك أكثر من فكرة وقضية عن الصعيد ومشاكله تحتاج لأعمال كثيرة، خاصة أنها أعمال جذابة للجمهور. وما أمنياتك كصعيدي للصعيد بعدما قدمت «سلسال الدم»؟ - أتمني من كل قلبي أن يتخلص الصعيد من هذه العادة الذميمة «الثأر» وأن تمتد يد التنمية والاستثمار وخلق فرص عمل لهذا الجزء المنسي من الوطن لأن الفقر والجهل والبطالة هي التي تنمي هذه العادات. تحدثت عن العنصرية والطبقية في الصعيد.. فهل تري أننا مجتمع عنصري؟ - لا يزال هناك بقايا عنصرية لاحظتها بقوة قبل ثورة 25 يناير وطبقية أيضاً وكان ومازال هناك فوارق كثيرة بين طبقة الأغنياء والفقراء ولم يعد هناك ما يسمي بالطبقة المتوسطة التي هي تبني وتعمر وتنجح.. وأضاف: زادت هذه العنصرية في عهد الإخوان مثل ازدراء بعض مشايخ السلفية للأقباط، وحتي الآن بعد الثورة مازال بعض شيوخ يحرمون تهنئة الأقباط في أعيادهم. ما السلبيات والإيجابيات التي تراها بعد ثورتين؟ - أهم إيجابيات المرحلة أننا تخلصنا من بقايا حكم تعفن فوق الكرسي ونشر هذا «التعفن» في نواحي كثيرة في الوطن وعادت الدورة الدموية من جديد للوطن وعادت مصر شامخة قوية وأثبتنا للعالم أننا شعب اختار طريقه ورئيسه بالإجماع وليس بالانقلاب، وعدنا علي يد الزعيم السيسي لعهد عبدالناصر ولم تعد أمريكا وإسرائيل ترهبنا بل تعمل لنا مليون حساب. وأضاف «صابر» أما العامل السلبي فهو أن بعض الحريات مازالت منقوصة وهناك حالة تربص وتخوين يبثها الإعلام بشكل كبير ويبقي علينا أن نستنهض ضميرنا وعزيمتنا ونعود للعمل وأن تكون كفاءة الحكومة علي قدر خطوة وحماس الرئيس الذي يسبقها بخطوات لأنه يقوم أحياناً بعلاج أخطاء الحكومة بنفسه وعلينا أن نتعامل جميعاً ونخضع لدستور واحد وقانون واحد. كيف تري غياب الدولة عن الإنتاج الدرامي؟ - مؤثر بدرجة كبيرة جداً وأحدث خللاً في نوعية الدراما والسينما التي نراها ويجب أن تقود الفكر والإبداع في هذه المرحلة المهمة لأن صناعة الإبداع خطيرة ومؤثرة في تنمية الوجدان والمشاعر وتقويم السلوك.. وأضاف: أعطيت مثالاً للشر في «سلسال الدم» بهارون ومثالاً للخير والعطاء بنصرة وهي الحياة يظل الصراع فيها بين الخير والشر، لكن علينا دعم الخير والعمل والإبداع.