في الوقت الذي يوجه فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكومة لمواصلة الجهود الرامية لتعزيز الاستثمار وتوفير بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية المباشرة، تضرب مصلحة الضرائب بسياسات الدولة عرض الحائط، وتقوم بإجراء غير مسبوق تفسد مناخ الاستثمار وتضر بسمعة الاقتصاد المصري أمام المستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء، حيث لجأت المصلحة إلى أقسى أنواع الحجز الإداري لتحصيل الضريبة الملغاة والمسماة ب»ضريبة الأغنياء»، وفوجئ عدد كبير من المستثمرين وممثلي فروع الشركات الأجنبية العاملة بمصر من كبار الممولين بتوقيع الحجز الإداري على حساباتهم لدى البنوك، لصالح سداد تلك الضريبة التي تعد «إضافية»، بل وتم إلغائها!! وشهد اجتماع الرئيس السيسي منتصف الأسبوع الماضي مع أشرف سالمان وزير الاستثمار مناقشة الإجراءات التي يجب اتخاذها لتبسيط إجراءات الاستثمار، وذلك على صعيد استحداث مسار سريع لتأسيس الشركات، إلى جانب تكثيف جهود فض المنازعات الخاصة بالاستثمار. وأمام تلك الخطة الاستثمارية تنفذ وزارة المالية متمثلة في مصلحة الضرائب خطة مضادة للجباية على حساب تشجيع حركة الاستثمار داخل مصر، حيث أشعلت المصلحة أزمة تطبيقات الضريبة الإضافية المعروفة «بضريبة الأغنياء» والتي كان معمولا بها بالقانون رقم 44 لسنة 2014 بواقع 5% على ما يزيد دخله عن مليون جنيه من وعاء الضريبة على صافى ربح الشركات، والتي تم إلغاؤها بالقانون رقم 96 لسنة 2015 بعد سنة واحدة من التطبيق، واتخذت مصلحة الضرائب مؤخراً قرارًا مفاجئًا ضد أصحاب شركات الأموال، وقامت بتوقيع الحجز الإداري على حساب شركاتهم لدى البنوك لصالح سداد هذه الضريبة. وتسود حاليًا موجة غضب شديدة بين أوساط المستثمرين وكبار الممولين ضد إجراءات المصلحة والتي وصفوها بالتعسفية، حيث أكدوا أن المصلحة تجاهلت بهذه التعليمات الجديد الإجراءات الضريبية المتبعة في توقيع إجراءات الحجز الإداري، وأوضحوا أنها لجأت إلى الاعتماد على اجتهادات شخصية في تفسير أحكام القانون، واختارت أقصر الطرق للجباية بتوقيع أقسى أنواع الحجز الإداري وهو الحجز على أموال الشركات لدى البنوك، بما يصيب تلك الشركات بشلل تام، ويؤدي إلى حدوث عجز لدى الشركات عن سداد التزاماتها التشغيلية المتمثلة في سداد مرتبات العاملين لديها، فضلاً عن التأثير سلباً على سمعة الشركات الائتمانية. وتعد الضريبة الإضافية مثالاً صارخا للتأكيد على فكر الجباية لدى مصلحة الضرائب، فقد وصل الحال بالمصلحة أن ترتكب عدة أخطاء تنفيذية في آن واحد من أجل تحصيل تلك الضريبة، ما بين مخالفة القانون 96 لسنة 2015 الذي ألغى تطبيق ضريبة الأغنياء، وكذلك إصدار تعليمات تنفيذية من رئيس مصلحة الضرائب لتحصيل هذه الضريبة الملغاة، رغم أن صدور التعليمات التنفيذية سلطة وزير المالية وحده وليس رئيس المصلحة، وامتدت ممارسات المصلحة الخاطئة لأن تطالب شركات معفاة من الضريبة في الأصل بسداد الضريبة الإضافية، بل والأخطر من ذلك أن تقوم المصلحة باتخاذ إجراءات الحجز الإداري على تلك الشركات المعفاة!! وتسببت الضريبة الإضافية منذ صدورها وحتى إلغائها في حدوث حالة من الجدل داخل المجتمع الضريبي، وحالة أخرى من الارتباك داخل الإدارة الضريبية فيما يتعلق بمفهومها وأهدافها وكيفية تطبيقها، حيث جاء صدور قرار بفرض ضريبة دخل إضافية من جانب الرئيس المؤقت عدلي منصور، لتكون مؤقتة لمدة 3 سنوات فقط بنسبة 5% على ما يفوق مليون جنيه من وعاء الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين أو أرباح الأشخاص الاعتباريين طبقا لأحكام قانون الضريبة على الدخل، على أن يتم ربطها وتحصيلها وفقا لتلك الأحكام، وجاء سبب فرض تلك الضريبة ضمن إجراءات الحكومة لتحقيق إصلاح ضريبي يكفل توسيع نطاق الخضوع للضريبة على الدخل، وأجاز القرار للممول طلب استخدام مبلغ الضريبة في تمويل مشروع خدمي أو أكثر من المشاريع الموزعة قطاعيا على مختلف المحافظات والمدن والقرى. وأمام مخاوف تأثيرها على حركة الاستثمار أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي عدة تعديلات تشريعية بقانون الضرائب على الدخل، تهدف التيسير على المواطنين ودعم النمو الاقتصادي وتهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات، وجاء أبرزها القانون 96 لسنة 2015 بتعديل القانون رقم 44 لسنة 2014 وإلغاء الضريبة الإضافية بنسبة 5% علي من يزيد دخله علي مليون جنيه سنويا، لتنخفض فترة سريانها إلى عام واحد فقط أي عام 2014 بدلاً من 3 سنوات. ولكن مصلحة الضرائب ترفض حالياً تلك التعديلات من خلال تعليمات أخرى مخالفة لها، وكأنها تريد تحقيق الحصيلة المستهدفة عن الثلاث سنوات في عام واحد فقط دون سند قانوني، في حين ترفض خصمها من الأرصدة الدائنة للممولين الخاضعين، مما أدى إلى لجوء عدد كبير من الممولين إلى المحاكم لحسم هذا النزاع . وأكد المحاسب القانوني أشرف عبدالغنى رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية أن مصلحة الضرائب تطبق تعليمات غير مسبوقة، وذلك من خلال قرار الحجز على المستثمرين لتحصيل الضريبة الإضافية المتنازع عليها، على أن تتم مناقشة أية اعتراضات قانونية على استحقاق هذه الضريبة في مرحلة لاحقة بعد السداد، موضحًا أن المصلحة تخالف صحيح القانون، كما تجاهلت بذلك الإجراءات الضريبية المتبعة في تحصيل الضرائب. وفسر «عبدالغني» ما تمارسه مصلحة الضرائب موضحًا أنه يتم اتخاذ إجراءات الحجز قانوناً تتخذ طبقاً لأحكام قانون الضرائب رقم 91 لسنة 2005، وذلك في حالة عدم سداد الممول لضريبة الإقرار أو لمستحقات ضريبية واجبة السداد غير متنازع عليها، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لا يتوافر في حالات الضريبة الإضافية، مما لا يعطي الحق للمصلحة في تطبيق إجراءات الحجز الإداري على حسابات الشركات المخاطبة بالضريبة الإضافية لدى البنوك، دون الدخول في إجراءات حل النزاعات أو الخلافات الضريبية حول تقديرات وإجراءات الضريبة متمثلة في الإحالة إلى اللجان الداخلية ثم لجان الطعن الضريبي ثم الإجراءات القضائية، كما هو متبع عادة في تحصيل أية أنواع من الضرائب على الدخل، ووصف تعليمات المصلحة بالتعسف في تفسير أحكام القانون، وإعلاء لشعار الحصيلة أولاً بما يضر كثيراً بمصداقية المنظومة الضريبية أمام المستثمر المحلى قبل الأجنبي، ويؤثر سلباً على جهود الدولة لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية الجديدة. وأكد المحاسب القانوني محمد غمراوي الخبير في شئون ضريبة الأرباح التجارية أنه من غير المقبول قيام مصلحة الضرائب بتحصيل الضريبة الإضافية على وعاء ضريبة الدخل، حتى لو كان ذلك الوعاء معفيًا من الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية، خاصة أن الضريبة الإضافية وفقاً لصريح نص القانون رقم 44 لسنة 2014 تعتبر جزء من الأصل وهو ضريبة الدخل، ويضيف أنه إذا كان الوعاء الضريبي الأصلي معفيًا فيجب إعفاؤه كذلك من الضريبة الإضافية، على غرار ما كان متبع في حالة مشابهة تخص تحصيل رسم تنمية الموارد، والذي كان معمولاً به في ظل القانون الضريبي السابق رقم 187 لسنة 1993 بنسبة 2% على كل ما يزيد عن 18 ألف جنيه من صافى وعاء ضريبة الدخل . وأوضح «غمراوي» أنه في حالة إعفاء الوعاء من الضريبة الأصلية على الخل يعفى أيضاً من رسم التنمية، خاصة أن الضريبة الإضافية الحالية بالنسبة للشركات المعفاة لم يتم الإقرار عنها بالإقرار الضريبي، ومازالت متنازع عليها ومحل خلاف بين المصلحة والممول. وانتقد الخبير الضريبي هاني سليمان لجوء مصلحة الضرائب للبحث عن توفير موارد إضافية لدعم موارد الخزانة العامة وتحقيق الحصيلة الضريبية على حساب المستثمرين ومعايير الشفافية الواجبة في إجراءات سداد الالتزامات الضريبية، مما يتعارض مع التوجهات المعلنة للدولة بالتيسير على المستثمرين، ومساندة القطاعات الاقتصادية المختلفة على الخروج من أزمتها الراهنة وتوفير المناخ الملائم لجذب الاستثمارات الجديدة. وأكد «سليمان» أن استجابة المأموريات الضريبية باستنزال الضريبة الإضافية من الرصيد الدائن سيعالج الكثير من المشاكل والنزاعات القائمة حالياً بين المصلحة والممولين، موضحًا أن هناك مبالغ تدفعها الشركات تحت حساب الضريبة، وقد تزيد هذه المبالغ على مبلغ الضريبة المستحقة، وبذلك يصبح للشركة رصيد دائن لدى المصلحة، وكشف أن بعض المأموريات ترفض استخدام هذا الرصيد لسداد الضريبة الإضافية، رغم صدور فتوى من قطاع البحوث الضريبية بالمصلحة تنص على تطبيق المقاصة بقوة القانون بين ما أداه الممول بالزيادة في أي ضريبة، وبين ما يكون مستحقا عليه وواجب الأداء بموجب أي قانون ضريبي تطبقه المصلحة.