انتهى المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية في أنقرة الأحد الماضي كما يشتهي رجب طيب أردوغان الذي توّج سلطاناً غير منازع على نصف الناخبين الأتراك وبعض العالم الإسلامي الذي حضر بعضه قادماً من رحم «الربيع العربي». مبدئياً، هي المرة الأخيرة التي يكون فيها أردوغان رئيساً للحزب ورئيساً للحكومة، لأن النظام الداخلي للحزب يمنع الترشح لموقع واحد والوجود فيه أكثر من ثلاث مرات. لكن أردوغان لا يعنيه كثيراً هذا التفصيل، في العام 2014 سيكون أردوغان مرشحاً لرئاسة الجمهورية مع نسبة فوز عالية جداً. ويمكنه البقاء خمس سنوات والتجديد بعدها لخمس سنوات. مشكلة أردوغان ليست في المواقع وليست حتى في الصلاحيات. من هذه الناحية لا مشكلة عنده. المشكلة هي لدى «حزب العدالة والتنمية» بل لدى الرئيس المقبل للحكومة في ظل استمرار أردوغان في السياسة رئيساً للجمهورية. أظهر المؤتمر الرابع للحزب أن أردوغان هو الرجل الأوحد في الحزب والحكومة. ليس هناك من ثانٍ ولا ثالث ولا عاشر. هناك أول فقط والآخرون لا أرقام لهم. كلهم في خدمته وخدمة مشروعه. وكائناً من كان رئيس الحزب المقبل ورئيس الحكومة المقبل فسيكون «وكيلاً» فيهما عن أردوغان الذي سيستمر في إدارة البلاد كما لو أنه رئيس المواقع الرئاسية الثلاثة، بل الأربعة إذا أضفنا إليها رئاسة البرلمان. أردوغان بعد المؤتمر هو سلطان فعلي. لكنه ليس عثمانياً فقط، بل سلجوقي أيضاً. لفت كثيراً تركيز أردوغان على سيرة السلاطين العثمانيين والسلاجقة، ولا سيما السلطان ألب أرسلان الذي هزم البيزنطيين في معركة ملازكرد عام 1071 ميلادي، وانفتحت أمامه بذلك أبواب الأناضول. أراد أردوغان أن يختصر التاريخ العثماني والسلجوقي بشخصه وحزبه وأراد أن يورّث، ويورّط، تركيا في مشروع طويل المدى يصل إلى العام 2071 الذكرى الألفية لموقعة ملازكرد. ليس أيضاً تفصيلاً أن يقول أردوغان إن هدفه العام 2023 والعام 2071. أردوغان يرسم بذلك خريطة طريق للأجيال المقبلة فيها نوع من المصادرة لقرارها وطموحاتها. يريد أردوغان أن تصل تركيا إلى العام 2071 لأنه يريدها ذات نزعتين: تركية وإسلامية. لم يكن تفصيلاً أن يقول أردوغان إنه خرج لابساً كفناً أبيض مثل السلطان ألب أرسلان السلجوقي. يريد إحياء الإرث السلجوقي سليل الدويلات التركية في آسيا الوسطى وصولاً إلى الصين منشأ الأتراك الأصلي. ليس غريباً أن يركّز أردوغان في خطبته على النزعة الإسلامية في تركيا. ذكر أردوغان في معرض إشادته بالرموز الإسلامية في تركيا، مثل عدنان مندريس وتورغوت أوزال. ولم يفته أن يذكر حتى أستاذه الذي انقلب عليه شر انقلاب، أي نجم الدين أربكان. لكن أردوغان الذي ذكر أتاتورك أيضاً رفعاً للعتب لم يشر أبداً إلى أي زعيم تركي علماني. وأردوغان عندما بدأ بتحية المدن كانت كلها إسلامية. من الواضح أن أردوغان قد تلفت نحو الشرق ويريد أن يكون من الشرق، لكن ليس مجرد رقم إضافي، بل زعيماً له. وليس مصادفة أن يتبرع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ليبايع أردوغان لهذا الموقع الافتراضي عندما قال له «أنت لست زعيماً لتركيا فقط، بل لكل العالم الإسلامي». ما يؤكد على هذا التوجه أن أردوغان لم يشر إلى الاتحاد الأوروبي في خطابه أبداً . غاب الاتحاد الأوروبي الذي كان مشروع تركيا الاستراتيجي منذ عهد أتاتورك وحتى الآن، عن خطاب أردوغان، وهذا أيضاً ليس تفصيلاً صغيراً، حتى عندما ذكر أردوغان اسمي فرنسا وألمانيا فمن باب انتقادهما لموقفهما من قضايا الحجاب ومعاداة الإسلام، وليس كونهما قائدي المشروع الأوروبي. مسيرة الاتحاد الأوروبي التي كانت في صلب نهضة تركيا الحديثة، لا يبدو أنها ستكتمل بعد خطاب أردوغان. لم يعد الهدف بروكسل بل ملازكرد. لم يعد الهدف معايير كوبنهاغن بل معايير ألب أرسلان والسلطان محمد الفاتح. بعد خطاب أردوغان من الواضح أن مرحلة جديدة من تاريخ العالم الإسلامي قد بدأت. كل السهام والأقواس والنبال إلى الشرق وكل القلق أيضاً.