أدى اللواء محمد رأفت عبد الواحد شحاتة، يوم الأربعاء، اليمين القانونية ليكون الرئيس الثامن عشر لجهاز المخابرات العامة المصرية، وهو الجهاز الذي ارتبط في أذهان المصريين دائمًا بالغموض والسرية والاحترام والرهبة، والرعب أحيانا مما يتم تداوله من حكايات وأساطير يختلط فيها الحقيقة بالخيال، وتظل معرفة الحقيقة المؤكدة أمر مستبعد. نشأة المخابرات العامة في عام 1954، ومع تصاعد أهمية الدور الذي تقوم به أجهزة المخابرات حول العالم، وإنشاء جهاز الاستخبارات الصهيوني، أدرك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أهمية إنشاء جهاز استخباراتي لديه القدرة على حماية الأمن القومي المصري، يقوم بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها لصانع القرار، فأسند إلى عضو مجلس قيادة الثورة "زكريا محي الدين" مهمة إنشاء جهاز "المخابرات العامة المصرية". قام "محي الدين" بجمع عدد من أبرع رجال الجيش المصري فى ذلك الوقت، وبدأوا العمل تحت ستار مدني لبحث كيفية تأسيس الجهاز على أسس صحيحة، وفي فيلا عادية كانت في السابق مستشفي نفسي، وتحت مسمى "إدارة البحوث الإنشاء"، بدأ رجال الجهاز الوليد خطواتهم الأولى في عالم الغموض والسرية. ويشير الباحث محمد الزغبي إلى أن الرعيل الأول من مؤسسي الجهاز كانوا عشرة أشخاص هم "زكريا محيي الدين" أول رئيس للجهاز، و"كمال الدين رفعت"، الذي تولى مسئولية شعبة شئون الإنجليز، و"مصطفى المستكاوي"، مسئول الإعلام بالجهاز، و"سعد عفرة"، وكان مرجعية معلوماتية في العمل، و"فريد طولان" وكانت مهمته جمع المعلومات من جميع المصادر، وتتبع ما يهم عمل المخابرات من دراسات مهمة في الشأن الداخلي، وتفعيل ذلك لخدمة العمل السري للمخابرات. كذلك ضم فريق العمل الأول، ضابط سلاح الفرسان "أحمد كفافي" الذي تخصص في شئون الاقتصاد اللازمة لصالح عمل المخابرات، و"محمود عبدالناصر"، مدير مكتب السادات فيما بعد، و"د. عبدالقادر حاتم"، الذي تولى مهمة الإعلام وتوضيح أهداف الثورة داخليا وخارجيا، و"محيي الدين أبوالعز"، الذي تولى مهمة الرقابة على الوزارات وهي النواة الحقيقية لجهاز الرقابة الإدارية وأخيرا "فتحي الديب" مسئول فرع الشئون العربية في الجهاز، وهو الذي تولى إنشاء إذاعة "صوت العرب". ثم عمل الجهاز على استقطاب الكفاءات اللازمة لهذا العمل، وكانت مهام هذا التشكيل تتمثل في تغيير جميع الشفرات التى تستخدمها مصر فى ذلك الوقت، وإنشاء جميع مكاتب المخابرات المصرية فى أوروبا، والعمل على فحص وانتقاء متدربين كنواة لجيل جديد من رجال المخابرات مع العمل على انتقاء العملاء والمتعاونين من خارج الجهاز، بخلاف تولي مهام أي جهاز مخابرات محترف. تولى "علي صبري" رئاسة الجهاز خلفًا لزكريا محي الدين في العام نفسه 1954 حتى عام 1957 حين تولي صلاح نصر رئاسته، وقام بإنشاء مبنى منفصل للجهاز وإنشاء وحدات منفصلة للراديو والكمبيوتر والتزوير والخداع. وظل صلاح نصر رئيسًا للجهاز لمدة عشر سنوات انتهت مع هزيمة عام 1967 وتمت محاكمة نصر على انحرافات عديدة شابت العمل في الجهاز ، وكان من أبرز الفضائح وقتها الكشف عن استغلال النساء والابتزاز الجنسي للحصول على المعلومات وتجنيد المصادر، وهي الفضيحة التي أطاحت وقتها بمحمد صفوت الشريف الذي كان مسئولا عن هذا الملف، والذي أصبح فيما بعد في عهد الرئيس المخلوع وزيرً للإعلام ورئيسًا لمجلس الشورى. غموض وسرية دائما ما كانت عمليات المخابرات العامة شديدة السرية، وما بين انتصاراتها أو انكساراتها، لم يكون مسموحًا أن يخرج إلى العلن إلا ما يسمح به الجهاز وقواعد عمله، وصارت المخابرات العامة مرتبطة لدى عامة المصريين بشخصيات مثل رأفت الهجان، وجمعة الشوان، التي تم تقديمها في أعمال درامية، ولدى الكثير من الشباب بشخصية أدهم صبري (رجل المستحيل التي يكتبها د. نبيل فاروق). وحتى وقت قريب، كانت شخصية مدير عام المخابرات المصرية من المعلومات السرية التي لا يعرفها إلا رئيس الجمهورية وكبار قيادات الجيش، حتى بدأ الظهور العلني للواء عمر سليمان الرئيس رقم 16 لجهاز المخابرات وآخر رئيس له قبل ثورة 25 يناير وتداولت وسائل الإعلام اسمه صراحة أكثر من مرة، وصار معروفًا للعامة. وتولى مسئولية الجهاز منذ عام 1967 وقبل تولي شحاتة رئاسته، 14 شخصية: أمين هويدي (1967-1970)، محمد حافظ إسماعيل (1970)، أحمد كامل (1970 -1971)، أحمد إسماعيل علي (1971 – 1973)، أحمد عبد السلام توفيق (1973-1975)، كمال حسن علي (1975- 1978)، محمد سعيد الماحي (1978 – 1981)، محمد فؤاد نصار (1981 - 1983)، رفعت جبريل (1983 - 1986)، أمين نمر(1986-1989)، عمر نجم (1989- 1991)، نور الدين عفيفي (1991 - 1993)، عمر سليمان (1993 - 2011)، مراد موافي (2011 – 2012). المخابرات وثورة يناير ومنذ اندلاع ثورة 25 يناير، بدأ البعض يتحدث عن ملفات فساد وانحرافات طالت عدد من الشخصيات داخل الجهاز وخاصة خلال فترة حكم الرئيس المخلوع، بينها رئيس الجهاز الراحل "عمر سليمان"، الذي اتهمه القيادي الإخواني "محمد البلتاجي" بأنه حول المخابرات في فترة رئاسته إلى مخابرات مبارك بدلا من المخابرات المصرية. كما تمت إقالة خلفه "مراد موافي" على خلفية هجوم رفح الذي أودى بحياة 16 جنديًا مصريًا، وتصريحاته بأن المخابرات كانت تمتلك معلومات حول الهجوم ولكنه لم يتوقع "أن يقتل المسلم أخاه المسلم وهو صائم". وعمل الرئيس الجديد للجهاز "رأفت شحاتة"، خلال الأسابيع الماضية التي تولى فيها مهمة القائم بأعمال رئيس الجهاز قبل تعيينه رسميًا، على إحداث تغييرات جذرية في بنية وطريقة العمل داخل الجهاز، وأفادت مصادر ل"التغيير" أنه قام بالإطاحة ب35 من لواءات الجهاز، ما يؤشر لبداية قوية في ظل تحديات إقليمية ودولية متصاعدة.