المعارك تُدار في هذا العصر بالشاشة والللقطة والصورة .. بالمشهد وليس بالشعائر والطقوس. ومَسرحة السياسة فن وسينمائية الإخراج ولغة الجسد.. فن كذلك! لقد انتقل العسكر من أمام شاشات الرادار إلى شاشات الفضائيات، ومن جلسات الجندية لمجالسة المذيعات والرموز الإعلامية ومن صياغة استراتيجيات إلى التلميع. وانتقلت الأحزاب السياسية من بناء توافقات لبناء منصات، ومن صياغة الرؤى وصناعة الأفكار لرفع الصوت في ميكروفونات الساحات، ومن الإعلام للإعلان. مَن سيقف قبل مَن .. وعلى أي ارتفاع .. في أي مكان .. ومِن أي زاوية. صارت مسألة دالة ومهمة، أين سنجتمع؟ وكيف سيكون شكل الطاولة؟ .. المسافات والهيئة والبروتوكول والصورة! انظر لصورة المجلس وزووم اللقطات، مقصودة ومخططة، انظر لمَن يرتدي ماذا؟ ومن تَمَسَكَ بالزي ومن هجره .. انظر لمحاولات التأنق أو تعمُد التبسط .. رسائل؛ عصر الصورة والمشاهد يحكم كل الأطراف. لقد خلق الثوار صيغا لفظية وبصرية تعبر عن الدم الذي سال والحرية التي دفعوا مهرها .. جرافيتي وصور وهتاف. مبارك خاطب الناس قبل معركة الجمل .. وصورته خلف القضبان كانت ستارا اختبأ وراءه ليبقى .. والشاشات لا تعكس الكواليس .. فهي أداة أو مرآة أو سراب .. يمكن أن يعبر المشهد عن نفسه، وقد يكون مجرد رسالة .. قد يبالغ في إظهار القوة، وقد يتعمد إخفاءها. وكما أن فهم أطراف المشهد مهم، ففهم الغياب مهم كذلك! المشهد ليس بسيطا بل مركبا .. وليس خيارا لحظيا بل ترتيبا مدروسا! ولم يكن صدقةً شراءُ القنوات وتأسيس قنوات أخرى جديدة ونهب جرائد وتزوير وجوه— معركة المشهد--؛ في حين ليس للثورة قناة ولا جريدة واحدة! بل المدهش أن ما لدى جماعة مثل الإخوان من منصات إعلامية تطلق صواريخ أرض أرض، رغم أن منصات الإعلام الأخرى نووية. المذهل في معركة الصورة والمشهد أنها تسحر أعين الناس، أكثر من الحقيقة التي يعيشونها، تخلق أبطالاً من زجاج ورموزا من رمال .. والحل في الوعي!