"القضاء المصري أكثر استقلالا من نظيره الأمريكي".. مقولة جاءت بعد ساعات من صدور حكم صادم لملايين المصريين حتى أولئك الأقل تعاطفا مع الثورة وشهدائها، قضى ببراءة كل رجال حبيب العادلي من تهم قتل شهداء 25 يناير.. المقولة إذن منطقى أن تصادم الواقع وتحرك سخرية الكثيرين وهو ماحدث بالفعل في التعليقات الواردة عليها بالمواقع والمنتديات التى تناقلت التصريح. بعد آخر يزيد المقولة غرابة هو مقارنتها القضاء المصري بنظيره الأمريكي، بعد شهور قليلة من فضيحة قضية " التمويل الأجنبي" التى كانت بالإجماع صفعة تاريخية لاستقلالية القضاء المصري لدرجة استفزت قضاة مصر وجعلت المستشار الذي ينظر القضية يستقيل! لكن كل غرابة التصريح السابق تصبح متفهمة عندما نعرف أنه صادر عن سيدة أقحمت على السياق القضائي في مصر في معركة رعتها "سوزان مبارك" شخصيا وخاضتها تحت الشعار الذي كان أثيرا لديها "تمكين المرأة". فالتصريح صادر عن المستشارة " تهاني الجبالي" التى رغم الضجيج الإعلامي المصاحب لكل معاركها لم تقدم إنجازا وطنيا واحدا يجعلها جديرة بالموقع الذي تبدو مصرة على انتزاعه في صدارة القوى الوطنية، لدينا مثلا المستشارة نهى الزيني التى فضحت تزوير انتخابات البرلمان في انتخابات 2005 . المستشارة تهاني الجبالي منذ دخولها الفضاء العام وهي محوطة بدوامات من الجدل والأسئلة، تعززت مع انتقالها بسلاسة لافتة من موقع المدافع عن مدنية الدولة إلى أحد المتحدثين باسم المجلس العسكري. البداية: في 22 يناير2003 صدر قرار جمهوري مطعون في دستوريته بحسب الدعوى القضائية رقم 36361 لسنة 65 قضائية التى اختصم فيها المحامي صلاح الدين السمان ، كلا من رئيس المحكمة الدستورية العليا والمستشارة تهانى الجبالى مؤكدا أن قرار تعيناها قاضية بالمحكمة الدستورية العليا صادر من رئيس الجمهورية دون أن يكون له سند من الدستور أو القانون. وأوضحت الدعوى أن المادة 5 من قانون المحكمة الدستورية العليا نصت على أن (يعين رئيس المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية ويعين عضو المحكمة بقرار رئيس الجمهورية بعد رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وذلك من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويرشج الآخر رئيس المحكمة ، مشيرة إلى أن هذا الشرط لم يراع فى تعيين الجبالى). وقتها كانت تهاني الجبالي مثار جدل واسع في الأوساط السياسية والدينية والإعلامية حيث لم يقتصر الاعتراض على قرار مبارك بتعيينها على الإسلاميين، بل إن حشدا من رموز القضاء وقتها اعترضوا على القرار ووصفوه بغير الدستوري وكان من بينهم رموز لمحكمة الاستئناف نفسها ، وكان من بين المعترضين الفقيه الدستوري المعروف د.إبراهيم درويش! غيرأن وقوف سوزان مبارك وراء تعيين الجبالي قاضية تكفل بإخماد الاعتراضات ضد القرار. بعد الثورة: ظلت المستشارة تهاني الجبالي طوال السنوات السابقة للثورة بعد تعيينها قاضية بطلة – كما يروق لها دائما – لمعارك هامشية تتعلق دوما بالشعار المطاط المستمد قوته من سوزان مبيارك " تمكين المرأة"، ثم بعد تنحي المخلوع في 11 فبراير 2011 قفزت لصدارة المشهد من جديد مع معركة استفتاء 19 مارس الذي كان فرصة مواتية لها لتكيل هجوما حادا على كل من صوت ب "نعم" وشاركت في تنظيم مؤتمر ضخم دعت له جريدة " المصري اليوم" وتكشف فيما بعد أن رجل الأعمال الطائفي نجيب ساويرس كان على رأس مموليه، للترويج للتصويت ب"لا". وكان المحامي عصام سلطان أول من فضح كواليس اللقاء حيث اكد أنه تم حشد حوالي 5000 شاب من أنصار "لا" للتطاول على كل صاحب رأي مخالف خلال الاجتماع. مع العسكر: كان لافتا منذ تنحي مبارك أن المستشارة التى تبوأت صدارة مجالس الإعلام باعتبارها بطلة معركة "مدنية" تقوم بالترويج الواضح لكل مساعي العسكر للتغول التشريعي.. وبينما أكد كبار الفقهاء الدستوريين مثل طارق البشري وإبراهيم درويش ونور فرحات أن العسكري لم يعد من حقه ممارسة أي دور تشريعي بعد إنجاز مجلس الشعب، كان لتلميذتهم تهاني الجبالي رأي أفسح له "إعلام الفلول" مساحة كبيرة هو أن العسكري من حقع إصدار أي إعلانات دستورية جديدة يراها مطلوبة! ولم يقتصر ترويج تهاني الجبالي لمساعي العسكر على الجوانب التشريعية؛ فهي أيضا تجاهر بانتقاد كل التحركات الشعبية والمليونيات التى تنادي بسقوط حكم العسكر، ومن أحدث مواقفها في هذا السياق ما ذكرته أمس الاثنين 4 يونيو في برنامج "مصر تقرر" الذي يقدمه أحد أبرز إعلاميي الفلول "محمود مسلم" على فضائية " الحياة 2"، حيث اعتبرت أن مليونية اليوم الداعية لعزل شفيق ومنعه من مواصلة سباق الرئاسة "لا تعبر عن ضمير الشعب المصرى، مشيرة إلى أن تشكيل مجلس رئاسى مدنى لا يعبر عن الشعب الذى يرفض فرض الوصاية عليه ويخرج عن نفسه لتحقيق مطالب تاريخية". هذا الموقف للمستشارة تهاني الجبالي يضاف لرصيد واضح من المواقف التى حرصت فيها طوال الشهور الماضية على مهاجمة الثوار ومساعيهم لمطالبة العسكري بتسليم السلطة في موعدها، تلك المواقف التى كان منها دفاعها عن المجلس العسكري إبان أحداث مجلس الوزراء عندما قام الجنود في واقعة شهيرة بتعرية فتاة مصرية شاركت في الاحتجاج السلمي على حكومة الجنزوري. كذلك أعلنت الجبالي مرارًا رفضها للمطالب الشعبية بإعادة محاكمة مبارك بأدلة جديدة . مؤخرًا دخلت الجبالي معركة أخرى تخالف مقولاتها حول مدنية الدولة وهي معركة ضد البرلمان - السلطة الوحيدة الممنتخبة في مصر الآن – الذي يطرح أعضاؤه قانونًا جديدًا لإعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا، التى دخلتها المستشارة بقرار جمهوري غير دستوري!