دعوني أشارككم هذه الأفكار. نسابق الأيام ونشحذ الجهد كي لا تعود مصر للوراء. لكن الحشد على محك الحماسة ودم الشهداء لن يجذب في تقديري الملايين التي صوتت لشفيق -عفوا: دعك من الأصوات التي كانت محل طعون وتزوير نعرفها. لكن تمهل وتأمل خيار من صوتوا له فعلا بإرادتهم وأنا قابلت البعض منهم. لم يحدث ما يجعلهم يغيرون موقفهم في الأيام القادمة. فكر جيدا في حزب الكنبة الذي لم ينزل جولة الانتخابات الأولى أصلاً وهم الكتلة الأكبر بالمناسبة - تلك الكتلة لن تتحرك إلا بنقاط واضحة، ولو فعلت فقد تغير المعادلة لمرسي أو لشفيق (وسيتلاعب بها الإعلام في الأيام القادمة). نعم يمكن الحشد لمرسي بالجهود المخلصة والنية الطيبة والكلام العاطفي والتخويف من شفيق والبكاء على دم الشهداء. لكن تذكروا الخائفين والمُضارين والذين لم تقدم لهم الثورة تحسنا ملموسا، ولا التفت لهم مجلس الشعب ليخاطبهم، الذين خسروا مدخراتهم، والذين فقدوا وظائفهم، والذين باعوا ما يملكون ليعيشوا مستورين في الشهور الماضية. هؤلاء سيفكرون في انفسهم قبل أي أحد، ولن يصعب عليهم إلا حالهم وحال أولادهم. انظروا لهم وخاطبوهم، وافهموهم، وارحموهم. طرحتُ مبادرة بخمسة نقاط منذ يومين: 1.الاعلان عن فصل الحزب عن الجماعة خلال 6 شهور لدرء تقاطع الدعوي والسياسي، فغالبية المصريين تريد رئيسا وليس جماعة، وكلام المرشد عن إعفاء مرسي من البيعة لن يطمئنهم مادام الحزب والجماعة بينهما تداخل بهذا الشكل الواضح. 2. لجنة للدستور تمثل قطاعات المجتمع بمعايير واضحة وخفض سقف السن فيها وتمثيل محترم لائق للنساء. 3. حكومة ائتلافية للإنقاذ الاقتصادي. 4. إعلان الالتزام بقيم الجمهورية وكرامة كل مصري. 5. محاسبة من اتخذوا قرارات سياسية في الجماعة أثرت على الوطن واعترف الإخوان بها كأخطاء، لكن لم نعرف من اتخذها وكيف حوسب ومتى سيترك موقعه في صنع القرار، ما دام غير مؤهل له. استجاب الإخوان خَطابيا لبعض ما في تلك النقاط أمس وأمس الأول، لكن اللجنة مازالت معاييرها غائمة، وصدرت عبارات طمأنة للأقباط دون بيان واضح للمضمون، وبقية النقاط متوقع أنها لن تُتقبل بصدر رحب. لذا دعوني أكتب نصيحة إضافية: أرى أن الإخوان عليهم طمأنة: العمال، قطاع السياحة، النساء، الأقباط. وأمامهم تكتيكان: التخويف من شفيق وذلك لن يجدي لأن الناس تعبت، وهناك قطاعات كانت مستفيدة من النظام القديم ولا ترى ما يدفعها للتغيير، أو تعهدات واضحة في وثيقة أو بيان. البعض من المتحمسين يسمي طلب التعهدات ابتزازا. حسنا. لا بأس: استمر إذا كما أنت وسترى النتيجة. والبعض الآخر مازال مشغولا بتفاصيل التزوير. جيد. لكن الثابت أن أمامنا انتخابات إعادة. بعد أيام. المواطن العادي، الكتلة الحرجة، الأغلبية الصامتة: تحتاج طمأنة واضحة. قال لي البعض سلفا هنا: كلامك يصب في "فسطاط الفتنة"، ويطالبني البعض بما يعني: احشدي وأنت ساكتة .. مش وقته! وأنا أقول لهم بأمانة، لأن الرائد لا يكذِب أهله: بدون وعود واضحة ومحاسبة عليها واحترام للناس، فإن الفتنة ليست من الناقد بل تأتي من الذين يضعون الناس عمليا في "فتنة الخيار المُر" بين من يعدهم باستقرار قبلوا بسببه مبارك ثلاثين سنة وسبقوهم بعشرة للسادات أو اختيار "جماعة" يخشون من هيمنتها على مفاصل الدولة، وهو أمر لا ينفع معه النفي الحماسي أو الاستغراب أو الاستنكار أو التسفيه. بل يلزم معه الفهم والتعامل الرشيد. ووصلتني ردود من قبيل: لا لن نغازل الأقباط فلن ينتخبوننا، وليس في الحقيقة المطلوب هو "مغازلة الأقباط". بل مخاطبتهم ليس بكلمتين في مانشيت صحف الغد بل بتفاصيل. وفي قطاع السياحة، لا نطالب تغيير شرع الله وقبول "المنكرات"، لكن طرح خطة انتقالية لمن يعمل في هذا القطاع لتوفير فرص عمل داخله وخارجه، تحقق لهم الحياة الطيبة والدخل الموازي في آن واحد. ولا نريد في قضايا المرأة الخضوع لأجندة خارجية ولا قانون علماني للأحوال الشخصية بل رؤية رصينة تحترم المرأة ولا تتلكع في الفرعيات على حساب الأولويات. مطلوب تقديم الكرامة، وعدم إفزاع قطاعات واسعة من المواطنات المؤمنات اللاتي لا يقبلن القطع فيما يحتمل الاجتهاد. الموجز: المطلوب وعد جازم والتزام وبعض التفاصيل. وثيقة نحاسب عليها مرسي، وأرى اقتراح عصام سلطان ووائل خليل الذي سبقه بنشره بجعل فترة الرئاسة عامين لإرسال إشارات طمأنة يستحق النظر، وأرجو ألا يُرفض بدون نقاش. ولا يقابل باستخفاف ولا استهانة. رجاء: خاطبوا من أضرتهم الثورة ومن أخافهم أداء الاخوان. والذين لديهم صور ذهنية سلبية يؤكدها عدم توفيق البعض من الإخوان المتصدر في الإعلام. ففي اللحظة التي نتحدث فيها عن توافق يخرج من يتحدث عن الخلافة، وأن مصر لن تكون مركز الخلافة بالضرورة شكرا. طمنتنا. كلام في وقته فعلا! وعفوا: المطلوب ليس ذبح الإخوان على منصة الرئاسة بشروط مستحيلة لنفكر في أن ننتخب مرسي البتة. ليس هذا غاية الكلام. وليس كلامي هو كلام "العلمانيين الذين يستقوون بالعسكر". كلا! هو ليس مثلهم ولا هو منهم ولا هم منه. بل هو كلام مواطنة جابت مصر طولا وعرضا، وتحاول أن تفهم الناس ونفوس البشر وضعفهم قبل قوتهم. المطلوب اليوم والآن: أن يدرك الإخوان أنهم يجب أن يتحركوا بعقلية وطن وذهنية تبصر خريطة مصر كلها. ورغم ما في اللحظة من تهديدات، فإن فيها فُرص. ورغم ما فيها من زلزلة وابتلاء وتمحيص، فإن فيها لطف ومساحة للعودة إلى الله والاعتراف بالأخطاء ونقد الذات-دون جلدِها- والاستبصار، وليس الاستكبار. اللهم ألهمنا الرشد وارزقنا التقوى والرحمة والسداد. والله أعلم.