عن عبقرية المكان والميدان..! الثورة في الميدان .. والبرلمان هو عمق الميدان، وامتداده المكاني والزماني والمنطقي، ورأس حربته الشرقية في مواجهة مجلس الوزراء والمشاهد المعمارية المعبرة عن تغول السلطة واستبداد الحكام. ثم هناك مسجد السيد عمر مكرم مكانياً هو رأس حربة الميدان في مواجهة المؤسسات المضادة للإنسان والتاريخ، مثل جامعة الدول العربية ببيروقراطيتها الطفيلية الجاثمة وفنادق الكورنيش المستفزة أسماؤها ونجومها الخمس ورموز الهيمنة الامبريالية من السفارات الغربية وإعلانات المنتجات الراسمالية الاستهلاكية. لكن هناك تمثال السيد عمر مكرم رحمه الله من أمامه رافعاً سبابته يقود المصلين في هذه المواجهة؛ ومجمع التحرير بتقوسه الدائري في مواجهة صينية الثورة يرمز لدخول الثورة مرحلة الدولة ومواجهتها واصطدامها ببيروقراطية الدولة العميقة وفساد جهازها الإداري وحاجتها للتطهير ويذكر الثوار بأعباء المرحلة القادمة. مجمع التحرير بتوسطه للمسجد والبرلمان ومواجهته للثوار في الميدان يكون محصوراً بالثورة والقيم الأخلاقية والشرعية الدستورية! بينما يقبع المتحف المصري شمالاً يخلد ذكرى الحكام المستبدين والفراعنة المنبوذين من الميدان والمرفوضين من الإنسان! «» «» «» الفعل الثوري فعل أخلاقي قيمي بامتياز. والنموذج القيمي الأخلاقي الذي جسدته الثورة المصرية، وتجلّى في ميدان التحرير طوال أسابيع الثورة الثلاثة الأولى هو منجز الثورة الأول والأعمق والأبقى. صحيح أن يقين الثورة أولى من ظنون أو اعاءات السياسة ومن تمثلات أو بالأحرى أوهام الإعلام، لكن التحريض والمزايدة والتصعيد المستمر غير المحكوم بمعطيات موضوعية دقيقة وغير المنضبط بقراءة دقيقة للمشهد جوهرها فهم أبعاد الحالة الثورية ومستوياتها وتعقيد الحالة السياسية وتركيبيتها وتعدد الأطراف الفاعلة فيها وتداخل مصالح أطرافها، وغير المستند إلى تواجد حقيقي في المشهد الثوري والسياسي ورفد معلوماتي دقيق وصادق ..! هذا النوع من التصعيد والتحريض والمزايدة هو فعل غير أخلاقي لأنه لا يصح أن تصبح دماء البشر موضعا للارتجال والمناورة ومن العبث والفساد الخُلقي هدرها في معركة وهمية مفتعلة— بل في أحسن أحوالها— ظنيّة لا تحقق منجزاً ثورياً ولا وطنياً حقيقياً؛ بل تفرغ وتستنفد الطاقة الثورية هباء، وتسفك دماء هي أغلى عند الله من الدولة والثورة والكعبة والوطن!