د.مازن النجار \n\n أجرى فريق من الباحثين الأميركيين في الطب النفسي والصحة النفسية والعقلية دراسة استكشافية تجريبية للمقارنة بين بعض العلاجات الدوائية أو الخيارات العلاجية غير الدوائية بالنسبة لعدد من اضطرابات القلق التي تصيب الأطفال والمراهقين، بغرض التعرف على إمكاناتها وفعاليتها وسلامتها لدى الاستخدام وآثارها الجانبية، وأمثل سبل الاستخدام منفردة أو مزدوجة، وذلك للوصول إلى أفضل إدارة لهذه الحالات المرضية الآخذة في الانتشار والاتساع.\nفي هذا السياق، اكتشف هؤلاء الباحثون منهجاً علاجياً مزدوجاً وفعالاً يجمع بين بعض العقاقير المضادة للاكتئاب والمستخدمة في الوقت الراهن ونوع معين من العلاج النفسي الإدراكي لاضطرابات قلق الطفولة، كما وجدوا أن كلاً من العقاقير الثلاثة فعّال وحده أيضاً، بحسب بيان صادر عن معاهد الصحة القومية التي يتبعها المعهد الوطني (الأميركي) للصحة العقلية.\nأجرى الدراسة المسماة "دراسة متعددة الوسائط لقلق الطفولة والمراهقة" الدكتور جون وُوكَب وزملاؤه بالمعاهد الطبية لجامعة جونز هوبكنز بمدينة بلتيمور، ونشرت حصيلة نتائجها مؤخراً بالنسخة الإليكترونية لدورية \"مجلة نيو إنغلند الطبية\" المتخصصة. \nمخاطر قلق الطفولة\nوالمعلوم بين إخصائيي الطب النفسي أن اضطرابات القلق هي الأكثر شيوعاً بين الاضطرابات النفسية التي تصيب الأطفال وكذلك المراهقين. هذه الحالات من قلق الطفولة غير المعالجة يمكن أن تقوض نجاح الطفل دراسياً واجتماعياً، وتعرض للخطر علاقة الطفل بأفراد أسرته، وتعطل أداءه وسلوكه الاجتماعي مع أفراد المجتمع الآخرين.\nتقدم حصيلة هذه الدراسة، على وجه الإجمال، أدلة قوية وكافية تطمئن الآباء والأمهات إلى أن المقاربة العلاجية ذات الشقين (المزدوجة) وجيدة التصميم والمتابعة، هي المعيار الأفضل للعلاج، بينما لا يزال خط العلاج الأحادي التقليدي فعالاً أيضاً.\nشارك في إجراء هذه الدراسة التجريبية الإكلينيكية 488 طفلاً، تم اختيارهم من ست مناطق متفرقة بأنحاء الولاياتالمتحدة الأميركية. وكانت هذه المناطق هي جامعة ديوك بمدينة دُرَهْام، وجامعة كولومبيا/جامعة نيويورك بمدينة نيويورك، وجامعة جونز هوبكنز بمدينة بلتيمور، وجامعة تمبل/جامعة بنسلفانيا بمدينة فيلادلفيا، وجامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجيلس، والمركز الطبي لجامعة بتسبرغ بمدينة بتسبرغ في ولاية بنسلفانيا.\nتراوحت أعمار الأطفال المشاركين بين 7 سنوات و17 سنة، أي بين فئتي الأطفال والمراهقين. وتم توزيعهم بشكل عشوائي على أربع مجموعات أو بالأحرى أربعة خيارات علاجية مختلفة، من أجل الضبط والمقارنة، حيث ستتلقى كل مجموعة خياراً علاجياً مختلفاً لمدة 12 أسبوعاً.\nاضطرابات متعددة ومتزامنة\nالمجموعة الأولى تلقت علاجاً سلوكياً إدراكياً، بدون عقاقير أو أدوية، حيث يتم تدريس أطفال هذه المجموعة عن القلق وأعراضه وحالاته، ومساعدتهم على مواجهة مخاوفهم والسيطرة عليها، وتوجيههم عبر مهام ممنهجة لهذا الغرض بالتحديد.\nأما المجموعة الثانية فقد تلقت عقاراً مضاداً للاكتئاب وهو مضاد اكتئاب انتقائي للسيروتونين، ويسمى سرترالين (sertraline)، ويتم تسويقه تجارياً أحياناً باسم زولوفت.\nوقد تلقت المجموعة الثالثة خياراً علاجياً مزدوجاً يتكون من علاج سلوكي إدراكي مع مضاد الاكتئاب سرترالين أيضاً، بينما تلقت المجموعة الرابعة علاجاً إيهامياً (بلاسيبو)، هو عبارة عن أقراص من السكر لا غير.\nكان لدى الأطفال المشاركين في الدراسة اضطراب قلق انفصالي يتراوح بين المعتدل والحاد، أو اضطرابات قلق عام، أو اضطراب الرهاب الاجتماعي. وتزامنت في نفس الوقت لدى كثير من الأطفال اضطرابات قلق أخرى، أو اضطراب قصور الانتباه لفرط النشاط، أو مشاكل سلوكية أخرى.\nوجد الباحثون تحسناً لدى 81 بالمائة من أطفال تلقوا علاجاً سلوكياً إدراكياً مع عقار سرترالين (المجموعة الثالثة)، ولدى 60 بالمائة من مجموعة العلاج السلوكي الإدراكي (المجموعة الأولى)، ولدى 55 بالمائة من مجموعة عقار سرترالين فقط (المجموعة الثانية)، ولدى 24 بالمائة من مجموعة العلاج الإيهامي أو بلاسيبو (المجموعة الرابعة).\nويخطط الباحثون لإجراء المرحلة الثانية من هذه الدراسة، والتي ستتابع هؤلاء الأطفال لمدة ستة أشهر إضافية.\nعلاجات بدون مخاطر\nظهر من حصيلة الدراسة أن المعالجة المزدوجة هو الأكثر فعالية لهؤلاء الأطفال. لكن العلاج بمضاد الاكتئاب سرترالين وحده أو العلاج السلوكي الإدراكي وحده قد أظهر مستويات استجابة جيدة كذلك. وهذا يشير لتوافر ثلاثة خيارات جيدة لدى الأطباء والأسر لعلاج اضطرابات قلق الطفولة، بحسب توفر العلاج وتكاليفه.\nوأظهرت النتائج أن كافة هذه العلاجات آمنة. فالأطفال المعالجين بالسرترالين وحده لم يظهروا آثاراً جانبية أكثر من أطفال العلاج الإيهامي، والقليل منهم الذين لم يكملوا التجربة بسبب حدوث آثار جانبية. كما لم يحاول أي طفل من هؤلاء المشاركين في التجربة الانتحار، وهو أحد الآثار الجانبية النادرة المرتبطة أحياناً بمضادات الاكتئاب لدى الأطفال.\nرددت نتائج الدراسة صدى محصلة الدراسات السابقة التي خلصت إلى أن عقار سرترالين، وغيره من مضادات اكتئاب انتقائية للسيروتونين (SSRI)، كانت فعالة في علاج اضطرابات قلق الطفولة والمراهقة. وأضافت نتائج الدراسة دليلاً جديداً على أن العلاج السلوكي الإدراكي عالي الجودة، بالدواء وبدونه، يمكنه علاج اضطرابات القلق هذه بفعالية.\nيرى الباحثون أن مزيداً من تحليل بيانات ومعطيات الدراسة قد يساعد على تحديد المريض المرجح أن يستجيب لعلاج بعينه دون غيره، ومن ثم تطوير معالجة مشخصنة لكل طفل مريض باضطراب القلق. لكن في غضون ذلك، من المؤكد توافر الخيارات العلاجية الجيدة.\n