ما يعني أن فلاديمير بوتين في منصبه الجديد كرئيس للوزراء، لن يمتلك الحق أو الصلاحيات لرسم ملامح أو تحديد محاور السياسة الخارجية الروسية، ومما لاشك فيه أن هذا الأمر قد بعث شعورا بالارتياح لدى العديد من الدول الغربية، التي تعرضت لانتقادات حادة خلال الفترة الماضية من بوتين وخاصة الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n ويبدو واضحا أن اعتقادا يسود في الأوساط الغربية أن فلاديمير بوتين الذي خرج من عباءة أجهزة القوة السيادية في السلطة، يفرض على سياسة البلاد الخارجية ما يعتبره الغرب مواقف متشددة. \r\n \r\n \r\n بدءا من مواقفه تجاه توسع الناتو شرقا، مرورا بالملف البلقاني وأزمة الشرق الأوسط والعراق، وانتهاء بخطط واشنطن لنشر الدرع الصاروخية في شرق أوروبا. بل ويرى العديد من المحللين الغربيين أن سياسة روسيا تجاه دول الفراغ السوفييتي السابق، مثل جورجيا وأوكرانيا وبلدان وسط آسيا تطغى عليها نزعة الهيمنة على مقدرات وثروات هذه البلدان، ويرجعون ذلك إلى طبيعة السلطة التي يجلس على قمة هرمها فلاديمير بوتين، ويعتبر أنها ذات طبيعة عسكرية- أمنية، ما يجعلها ذات نزعة استعمارية. \r\n \r\n \r\n ولعل مشكلة الرؤية الغربيةلروسيا هي نفسها التي تعاني منها بعض الأوساط الدبلوماسية الروسية عندما تتعامل مع بعض ملفات السياسة الخارجية. هذه المشكلة تتلخص في أن دوائر رسم محاور السياسة الخارجية في الغرب تتجاهل العديد من العناصر الأساسية في رسم ملامح الواقع، منها أن لروسيا مصالح قومية أو اقتصادية، ما يجعل تقييمها لسياسات روسيا غير صحيح لأنه يفتقد لمعطيات موجودة في الواقع تم تجاهلها أو إسقاطها عن عمد. \r\n \r\n \r\n بل إن الخبراء الغربيين يضعون توجهات السياسة الخارجية دون أدنى مراعاة لمصالح بقية دول العالم، ثم يباشرون في شن حملات ضد هذه الدول عندما تحتج على امتهان سيادتها وحقوق شعوبها. \r\n \r\n \r\n وانطلاقا من تقييم هؤلاء الخبراء بدأت تتردد توقعات في الأوساط الغربية ترجح حدوث تغيرات جذرية في سياسة روسيا الخارجية، استنادا إلى أن الرئيس الجديد ديمتري مدفيديف لا ينتمي إلى أجهزة القوة السيادية، وإنما هو محام لديه توجهات ليبرالية، ما يعني وفق منطق الخبراء الغربيين، انه سيكون أكثر مرونة في التعاطي مع الملفات التي تتعلق بمصالح الغرب في وسط آسيا وأوروبا الشرقية. وانه سيتبنى سياسة خارجية تترك الباب مواربا مع الغرب، ولن تتضمن مواقف متشددة تثير الضجيج على الساحة الدولية، وتخلق حالة سياسية تؤدي لفرز الدول. \r\n \r\n \r\n ويبدو خلل المنطق الغربي واضحا وجليا لأنه يتجاهل عن عمد عاملين أساسيين: \r\n \r\n \r\n أولا: أن سياسات الدول لا يصنعها أفراد، وإنما تحددها مصالح القوى والتجمعات المسيطرة سياسيا واقتصاديا. \r\n \r\n \r\n ثانيا: أن مصالح روسيا ليست مفهوما هلاميا، إنما هي بالملموس مصالح الشركات والمؤسسات الروسية، التي تخوض ضدها الشركات الغربية معركة غير نزيهة، تلغى فيها مفاهيم وأسس اقتصاد السوق الحر. \r\n \r\n \r\n إن تولي مدفيديف أو بوتين رئاسة البلاد لا يعني غياب مجموعات صناعة القرار السياسي في روسيا، وإنما هو مؤشر على وجود هذه المجموعات التي تشارك في صناعة قرارات الدولة. ولهذا السبب كانت تصريحات كوندوليزا رايس في تقييم نتائج الانتخابات الروسية أكثر نضوجا من أغلبية الخبراء الغربيين الذين تحدثوا كثيرا عن إمكانية تغير سياسات روسيا الخارجية في المرحلة القادمة، ربما بحكم خبرة السيدة رايس في الاتحاد السوفييتي السابق وفي الشخصية الروسية، ولهذا فهي تتعامل مع مدفيديف نفس تعاملها مع بوتين ولا ترى فرقا بينهما. \r\n \r\n \r\n وقد نفى وزير الخارجية سيرغي لافروف ما ينشر عن أن الخارجية الروسية بدأت في صياغة سياسة جديدة، مؤكدا أنه لا يرى داعيا لتغيير السياسة التي شارك الرئيس المنتخب الجديد دميتري ميدفيديف في صياغتها كزميل للرئيس فلاديمير بوتين طيلة فترة ولايته، وهي سياسة تركز على تحقيق مصالح روسيا العليا. \r\n \r\n \r\n وأكد لافروف أن موسكو مازالت تعترض على ضم دول الجوار إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) لأن ذلك لا يحقق استقرار أو أمن أوروبا وإنما يخلق مزيدا من المشاكل. \r\n \r\n \r\n ومما لاشك فيه أن تنامي النفوذ الروسي في أوروبا، وحجم التعاون بين موسكو وأوروبا القديمة لن يقتصر تأثيره على مواقف دول أوروبية أساسية مثل فرنسا أو ألمانيا أو ايطاليا، والتي تحرص على بناء صلات وثيقة وقوية مع روسيا، وأن هذا سيشكل دعما لسياسات الكرملين وتوجهاتها التي تمت صياغاتها خلال تولي بوتين الرئاسة، وسيصبح التراجع عنها صعبا لما سيسببه من خسائر على مستوى العلاقات الدولية لروسيا، فلابد من الأخذ بعين الاعتبار أن دول أوروبا القديمة التي تتحالف مع روسيا- بما لها من ثقل ونفوذ في القارة الأوروبية- لن تتعامل مع أية تغيرات جذرية في سياسات روسيا الخارجية بسهولة. \r\n \r\n \r\n ولا يمكن أن تبني روسيا تحالفاتها ثم تتنصل منها لأن رئيس البلاد قد تغير، وذلك لأن روسيا ليست دولة صغيرة تتقاذفها الصراعات الخارجية والداخلية، وإنما هي دولة كبرى لها نفوذ سياسي واقتصادي على الساحة الدولية لا يمكن تجاهله. \r\n \r\n \r\n إن التغيرات في محاور السياسة الخارجية الروسية مرتبطة بالتغير في مصالح روسيا الخارجية، ويصعب القول إنه خلال الفترة القادمة ستطرأ تغيرات على المصالح الروسية، على الأقل فيما يخص المخاطر التي تواجهها من نشر الدرع الصاروخية الأميركية أو توسع الناتو شرقا عبر ضم الدول المجاورة لروسيا، ما يعني بالضرورة أن رد فعل الكرملين لابد وأن يكون حازما وقاسيا، وكافيا لشل كافة التحركات على الحدود الروسية. وبصرف النظر عن شخصية الرئيس، فإن الأمر لا يتعلق بأهواء شخصية أو حزبية لأن هذا يؤثر وبشكل مباشر على الأمن القومي للبلاد. \r\n \r\n \r\n مركز دراسات الطاقةروسيا \r\n \r\n \r\n